المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحاديث نبوية مع شرحها


امانى يسرى محمد
05-21-2022, 01:42 PM
شرح حديث: إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ...


السؤال


قال رسول الله: (إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ.) صحيح مسلم.


هناك ثلاثة أسئلة على هذا الحديث:

1- هل معنى هذا الحديث أن الدعاء في هذه الساعة يستجاب بتعجيل المدعو به فقط، لا أنه يكون به ثلاثة أحوال الإجابة المعتادة في الدعاء؛ لأنه قال (إلا أعطاه إياه)؟

2- وهل هذه الساعة في كل الليل؟ أم في الثلث الأخير فقط (أرجو إجابة أكيدة لهذا السؤال)؟

3- إذا كانت كل الليل، فكيف يدركها المسلم، وهو محتاج للنوم في الليل؟ وكذلك يصلي العشاء في اللَّيْلِ؟


الإجابــة


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه الساعة المذكورة في الحديث هي ساعة التنزل الإلهي، والتي تكون في ثلث الليل الآخر.

قال القرطبي في المفهم: وقوله: إن في الليل ساعة ... الحديث؛ هذه الساعةُ هي التي يُنادي فيها المنادي: من يسألني فأعطيه ... الحديث. وهي في الثُّلُث الأخير من الليل إلى أن يطلعَ الفجر، كما يأتي.. انتهى

فهذا الحمل أقرب -إن شاء الله- جمعا بين النصوص، وحمله بعض الشراح كالنووي على جميع الليل، وعبارة النووي: فيه إِثْبَاتُ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَيَتَضَمَّنُ الْحَثَّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ رَجَاءَ مُصَادَفَتِهَا. انتهى

ولا يدل الحديث على تعين إعطاء العبد عين ما سأل، فإنه إذا ادخر له ثواب دعائه، أو صرف عنه من الشر مثله؛ كان كمن استجيب له.

ولذا؛ قال القاري في شرح قوله: إلا أعطاه الله إياه. أي: حقيقة أو حكما. انتهى

ومعناه حقيقة: بأن يعطيه عين ما سأل، أو حكما: بأن يعطيه أحد الثلاثة المعروفة المذكورة في الحديث.

والله أعلم.


https://matorid.files.wordpress.com/2010/09/12643202661.gif

https://scontent.fcai2-1.fna.fbcdn.net/v/t1.18169-9/26220179_532288700457754_2684132606089073971_n.jpg?_nc_cat=103&ccb=1-5&_nc_sid=dbeb18&_nc_ohc=3P3ag32r3HEAX-GLWBj&_nc_ht=scontent.fcai2-1.fna&oh=00_AT_RjhoIIbFIUOY_QdmKT4DM93prXRqbnxyl5eaVLCkhAw&oe=625CB9BC


معنى حديث: ... وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة


السؤال


هل نثبت لله -جل وعلا- (صفة الهرولة)؛ وذلك لما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة.

فنرجو من فضيلتكم إيضاح هذه المسألة: هل نثبت صفة الهرولة لله -جل وعلا-؟ وما المقصود بها في الحديث؟


الإجابــة


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم أحدا من الأئمة وأهل العلم المتقدمين ذكر الهرولة في صفات الله تعالى! غير أن أبا إسماعيل الهروي -رحمه الله- قال في كتاب (الأربعون في دلائل التوحيد): "باب الهرولة لله -عز وجل-" وأسند فيه هذا الحديث من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، به.

وظاهر هذا الحديث -كما يدل عليه السياق- أنه من باب المشاكلة أو المقابلة، فإذا كان التعبير عن إتيان العبد لله بالمشي إنما هو كناية عن إقباله على الله بالطاعة، فكذلك التعبير عن مجازاة الله له بإتيانه هرولة، إنما هو كناية عن حسن إثابته ومزيد فضله عليه!

ومما يؤكد ذلك أن الأعمش نفسه -راوي الحديث- قد تأوله، فقد رواه الترمذي من وجهين آخرين عن الأعمش به، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث: من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، يعني بالمغفرة والرحمة. وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، قالوا: إنما معناه يقول: إذا تقرب إلي العبد بطاعتي وما أمرت أسرع إليه بمغفرتي ورحمتي ... اهـ.

وكذلك تأوله التابعي المشهور قتادة السدوسي، فقد رواه معمر في جامعه، عن قتادة، عن أنس، بمعناه، ثم قال معمر: قال قتادة: *والله *أسرع *بالمغفرة. اهـ.

وقال حرب الكرماني في مسائله لإسحاق بن راهويه: سمعت إسحاق يقول في حديث النبي عليه السلام: "من تقرب إلى الله شبرًا تقرب الله إليه باعًا" قال: يعني من تقرب إلى الله شبرًا بالعمل، تقرب الله إليه بالثواب باعًا. اهـ.

وبوَّب عليه ابن حبان في صحيحه: **ذكر الإخبار بأن مغفرة الله جل وعلا تكون أقرب إلى المطيع من تقربه بالطاعة إلى الباري جل وعلا.

وعلى هذا سار كل من راجعنا كلامه من شراح الحديث.

وعلى ذلك أيضا نص غيرهم من أهل العلم، حتى من يُنسَب منهم للغلو في إثبات الصفات. كابن قتيبة، والقاضي أبي يعلى الفراء.

قال ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث): نحن نقول: إن هذا تمثيل وتشبيه، وإنما أراد: من أتاني مسرعا بالطاعة، أتيته بالثواب أسرع من إتيانه، فكنى عن ذلك بالمشي وبالهرولة. كما يقال: فلان موضع في الضلال - والإيضاع: سير سريع - لا يراد به أنه يسير ذلك السير، وإنما يراد أنه يسرع إلى الضلال، فكنى بالوضع عن الإسراع. وكذلك قوله: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين}، والسعي: الإسراع في المشي، وليس يراد أنهم مشوا دائما، وإنما يراد: أنهم أسرعوا بنياتهم وأعمالهم. اهـ.

وقال أبو يعلى في (إبطال التأويلات): قوله: دنوت منه ذراعا وباعا، وأتيته هرولة. ليس المراد به دنو الذات وقربها في المسافة وإتيانها، وإنما المراد بذلك قرب المنزلة والحظ لديه، وكذلك قوله: "أتيته هرولة" بالثواب، وأراد بذلك إسراع الثواب، ويحتمل أن يكون المراد بالهرولة والسرعة التضعيف في الثواب والزيادة فيه، على معنى قوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}. وقد روي هذا في حديث أبي ذر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يقول الله -عز وجل-: من عمل حسنة فله عشر أمثالها، ومن عمل سيئة فجزاؤه مثلها، ومن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا " فدل هذا على أن المراد بذلك التضعيف، ولا يكون المراد به السير، وإنما سماه ذلك توسعا؛ كما قال تعالى: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} والسعي هو العدو والإسراع في المشي، وليس ذلك بمراد أنهم مشوا، بل المراد بذلك استعجالهم المعاصي، ومبادرتهم إلى فعلها، كذلك ها هنا، والذي يدل على صحة هذا التأويل ما تقدم في حديث أبي هريرة: "ومن جاء يمشي أقبل الله إليه بالخير يهرول" وقد ذكرنا إسناده وهذه لفظة زائدة قضينا بها على غيرها من الألفاظ المطلقة ويعضد ذلك تفسير السلف – .. وأسند قول قتادة السابق - ويفارق هذا ما تقدم من أخبار النزول إلى السماء الدنيا، ومجيئه في ظلل من الغمام، وأنها محمولة على ظاهرها في نزول الذات، ومجيء الذات لا على وجه الانتقال، ولم يجز تأويله على نزول ثوابه وكراماته، لأنه لم يرد في ألفاظه ما دل عليه، وها هنا قد جاء التفسير من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلهذا حملناه عليه. اهـ.

وهذا أيضا هو مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية المعروف عنه في بيان معنى القرب وتأويله، وكذلك الحال في تأويل الهرولة، حيث قال في (بيان تلبيس الجهمية): لا ريب أن الله تعالى جعل تقربه من عبده جزاء لتقرب عبده إليه؛ لأن الثواب أبدًا من جنس العمل، كما قال في أوله "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم" ... وإذا كان كذلك، فظاهر الخطاب أن أحد التقديرين من جنس الآخر، وكلاهما مذكور بلفظ المساحة، فيقال: لا يخلو إما أن يكون ظاهر اللفظ في تقرب العبد إلى ربه، وهو تقرب بالمساحة المذكورة، أو لا يكون. فإن كان ذلك هو ظاهر ذلك اللفظ، فإما أن يكون ممكنًا أو لا يكون، فإن كان ممكنًا، فالآخر أيضًا ممكن، ولا يكون في ذلك مخالفة للظاهر، وإن لم يكن ممكنًا، فمن أظهر الأشياء للإنسان علمه بنفسه وسعيه، فيكون قد ظهر للمخاطب معنى قربه بنفسه، وقد علم أن قرب ربه إليه من جنس ذلك، فيكون الآخر أيضًا ظاهرًا في الخطاب، فلا يكون ظاهر الخطاب هو المعنى الممتنع، بل ظاهره هو المعنى الحق، ومن المعلوم أنه ليس ظاهر الخطاب أن العبد يتقرب إلى الله بحركة بدنه شبرًا، وذراعًا، ومشيًا، وهرولة، لكن قد يقال: عدم ظهور هذا هو للقرينة الحسية العقلية، وهو أن العبد يعلم أن تقربه ليس على هذا الوجه، وذلك لا يمنع أن يكون ظاهر اللفظ متروكًا، يقال: هذه القرينة الحسية الظاهرة لكل أحد هي أبلغ من القرينة اللفظية، فيكون بمعنى الخطاب ما ظهر بها لا ما ظهر بدونها، فقد تنازع الناس في مثل هذه القرينة المقترنة باللفظ العام: هل هي من باب التخصيصات المتصلة، أو المنفصلة؟ وعلى التقديرين فالمتكلَّم الذي ظهر معناه بها لم يُضِل المخاطب، ولم يلبس عليه المعنى، بل هو مخاطب له بأحسن البيان. اهـ.

والله أعلم.

https://scontent.fcai2-1.fna.fbcdn.net/v/t1.18169-9/26220179_532288700457754_2684132606089073971_n.jpg?_nc_cat=103&ccb=1-5&_nc_sid=dbeb18&_nc_ohc=3P3ag32r3HEAX-GLWBj&_nc_ht=scontent.fcai2-1.fna&oh=00_AT_RjhoIIbFIUOY_QdmKT4DM93prXRqbnxyl5eaVLCkhAw&oe=625CB9BC

https://matorid.files.wordpress.com/2010/09/12643202661.gif




معنى حديث: إِنْ كُنْتُ لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ، وَالْمَرِيضُ فِيهِ...

السؤال


أقرأ في مختصر صحيح مسلم للمنذري، وأشكل عليّ حديث عائشة في كتاب الحيض: إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة.

هل المقصود أنها كانت تخرج من المعتكف للبيت؟ وإن كان كذلك، فمن هو ذلك المريض؟




الإجابــة


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:


فالحديث رواه مسلم في صحيحه، وابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده، ولفظ مسلم في الصحيح: إِنْ كُنْتُ لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ، وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إِلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ، إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. اهــ.




والمراد من قولها « لأدخل البيت للحاجة » أي تخرج من معتكفها في المسجد، وتدخل بيتها للحاجة.


قال السندي في حاشيته: (لِلْحَاجَةِ) أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمَعْهُودَةِ بَيْنَ النَّاسِ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ، (وَأَنَا مَارَّةٌ) بِلَا وُقُوفٍ لِأَجْلِهِ. اهــ.


والمعنى أنها تسأل عن حال المريض وهي مارة لا تقف، وذلك لأن السنة للمعتكف أنه لا يخرج للمسجد من أجل عيادة المريض، ففي سنن أبي داود عن عائشة -رضي الله عنها- قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جِنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً، وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ، إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. اهــ.

وأما اسم المريض المشار إليه في الحديث؛ فلم نقف على رواية فيها اسمه، والعلم باسمه لا يفيد، والجهل به لا يضر.



https://matorid.files.wordpress.com/2010/09/12643202661.gif

https://scontent.fcai2-1.fna.fbcdn.net/v/t1.18169-9/26220179_532288700457754_2684132606089073971_n.jpg?_nc_cat=103&ccb=1-5&_nc_sid=dbeb18&_nc_ohc=3P3ag32r3HEAX-GLWBj&_nc_ht=scontent.fcai2-1.fna&oh=00_AT_RjhoIIbFIUOY_QdmKT4DM93prXRqbnxyl5eaVLCkhAw&oe=625CB9BC


معنى حديث: "الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار"


السؤال

هل يجوز قول: "إني راض بقضاء الله؛ حتى لو كنت من أهل النار"؟ وهل معنى هذا الحديث: "الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار" أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يحمد الله على كل حال؛ حتى لو جعل الله حاله مثل حال أهل النار؟


الإجابــة


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث فيه الجمع بين حمد الله على كل حال، وبين الاستعاذة من حال أهل النار، وفي ذلك إشارة إلى أمرين:

الأمر الأول: أن وجود النار وعذاب أهلها فيها، إذا نظرت فيه إلى فعل الله وحكمته في قضائه وقدره، كان مستوجبًا للحمد.

وإذا نظرت فيه لشدته وهلاك أهله، كان مستوجبًا للاستعاذة منه، قال ابن الوزير في «العواصم والقواصم» عن هذا الحديث: فيه تنبيه على أن الله تعالى يستحق الحمد على الإطلاق في الدارين، على العقوبة والمثوبة، وما حلا أو مر، أو نفع أو ضر، لكنه -صلى الله عليه وسلم- استعاذ مما لا يطاق الصبر عليه، كما سأل العافية، وأمر بسؤالها.

ومن ذلك قيل في محامده تعالى: الحمد لله الذي لا يحمد على المكاره سواه. ولذلك قال الله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}، بعد قوله تعالى: {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون. يطوفون بينها وبين حميم آن} [الرحمن:43-44]، وبعد قوله: {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} [الرحمن:41]. اهـ.

وقال في موضع آخر: هذه القاعدة توجب على أهل النار أن يحمدوا ربهم عليها؛ لما لهم فيها من العدل والحكمة، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} [الزمر:75]، وإلى ذلك أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار". رواه ابن ماجه، وفيه إشارة إلى استحقاقه -عز وجل- الحمد لله على المعذبين بالنار. اهـ.

والأمر الثاني: أن كل الأحوال فيها نعمة ومنفعة للعبد من وجه ما، إلا ما كان من الأحوال موصلًا لعذاب النار، قال القاري في «مرقاة المفاتيح» في شرح هذا الحديث: فيه إشارة إلى أن سائر الحالات من المحن والبليات مما يجب الشكر عليها؛ لأنها إما رافعة للسيئات، وإما رافعة للدرجات، بخلاف أحوال أهل النار، فإنهم في حال المعصية في الدنيا، وفي حال العقوبة في العقبى، فليس هناك شكر، بل صبر على حكمه وأمره، ورضا بقضاء الله وقدره، وهو محمود بذاته على كل حال، وبصفاته في كل فعال. اهـ. وقال الصنعاني في شرح الجامع الصغير: الاستعاذة من حالهم، تضمن الطلب للتوفيق للأعمال الصالحة وللرحمة. اهـ.

وأما قول القائل: (إني راضٍ بقضاء الله؛ حتى لو كنت من أهل النار!) فقولٌ لا حقيقة له؛ لأن الرضا لا يكون إلا بعد القضاء، وأما قبل ذلك فإنما هو عزم على الرضا، والعزم قد لا يصدق، إذا حقّت الحقائق! وقد روى ابن أبي الدنيا في الرضا عن الله، وأبو نعيم في حلية الأولياء، عن أبي سليمان الداراني، قال: «أرجو أن أكون قد رزقت من الرضا طرفًا، لو *أدخلني *النار، لكنت بذلك راضيًا». وروى ذلك أيضًا القشيري في رسالته، وقال قبله مباشرة: سئل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "*أسألك *الرضا *بعد *القضاء"، فقال: لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا، والرضا بعد القضاء هو الرضا. اهـ.

وعلّق على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: هذا الذي قاله الشيخ أبو عثمان كلام حسن سديد ... فتبين بذلك أن ما قاله أبو سليمان ليس هو رضا. وإنما هو عزم على الرضا، وإنما الرضا ما يكون بعد القضاء، وإن كان هذا عزمًا، فالعزم قد يدوم، وقد ينفسخ، وما أكثر انفساخ العزائم، خصوصًا عزائم الصوفية؛ ولهذا قيل لبعضهم: بماذا عرفت ربك؟ قال: بفسخ العزائم، ونقض الهمم. وقد قال -تعالى- لمن هو أفضل من هؤلاء المشايخ: {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}. اهـ.

ونقل القرطبي في «المفهم» كلام الداراني، ثم قال: هذا غلو، وفيه إشكال، والكلام فيه يخرج عن مقصود كتابنا. اهـ.

وقال القشيري في رسالته: اعلم أن الواجب على العبد أن يرضى *بالقضاء الذي أمر بالرضا به؛ إذ ليس كل ما هو بقضائه يجوز للعبد، أو يجب عليه الرضا به -كالمعاصي، وفنون محن المسلمين-. اهـ.

والله أعلم




اسلام ويب