المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دلالات تربوية على سورة الشرح


امانى يسرى محمد
05-26-2022, 05:49 AM
انشراحُ الصدر هو سرُّ السعادة في الدارينِ الدنيا والآخرة، وضيقُ الصدرِ يُصِيب المرءَ بالحَيرة والقلق والتوتر أحيانًا، وعدم القدرة على المُضِيِّ قُدُمًا إلى المستقبل القريب، بل قد يصيب المرءَ بالخمول والكسل والاكتئاب، ومن ثَمَّ التخاذل عن القيام بأبسط أمور الحياة؛ ولذلك كان انشراحُ الصدر علامةَ الإيمان بالله تعالى؛ حيث الرضا بقضائه وقدره.
وكان ضيقُ الصدرِ إما علامةَ عدمِ الفهم للأمور المشاهدة - وقد يقع في ذلك بعض الصالحين - أو فقدان القدرة على تحليلها التحليل الصحيح بما يسمح بمعالجتها، وإما أن يكون نابعًا عن عدم رضا واستسلامٍ لأمر الله -تعالى- وهو ما يقع فيه الساخطون.
والمسلم لا يصيبه ضيق الصدر إلا إذا خاف على غيرِه المهلكة، فهو دائم الانشغال بقومه وعشيرته وأهله، ويريد أن يأخذ بأيديهم إلى شاطئ السلامة، وطالما لم يَصِر بعد إلى البَر، فلا يزال مشفقًا عليهم مشغولاً بهم، ويضيق صدره ألا يبذل كل ما في وُسْعه للسباحة بهم إلى الشاطئ، فإذا ما وصل بفضل الله -تعالى- فنجا مَن نجا وغرِق مَن غرِق، فإنه يعود بعد ذلك لانشراح الصدر مرَّة أخرى؛ لأنه قد بذل ما في وُسْعه ولم يدَّخِر شيئًا لأجل هذه الدعوة.
لكنه يحتاج أثناءَ ملاطفةِ بحر الظلمات، وملاطمةِ الأمواج العاتيات، أن يتقوَّى على السباحة أو المجادفة بشيء من الثقة والأمل في نصر الله -تعالى- ويحتاج كذلك إلى أن يرى اقتراب الشاطئ منه؛ حتى لا يتكاسل عن السباحة أو التجديف - بحسب الأحوال - وهو ما قرَّره القرآن بقاعدة: ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 6].
وهنا إذا نجا المرءُ من هذه المهالك، فإنه لا بد وأن يستريح، ولكنه إذا استراح جسده، فإن عليه أن يريح روحه بالقيام لله -تعالى- مصلِّيًا، وتلاوة كتابه - عز وجل - متهجدًا، ومستيقظًا في آخر الليل بالأسحار مستغفرًا، وعندئذٍ يتحقَّق الانشراح في الصدر، ويذوق العبدُ حلاوةَ الإيمان.
• قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 1 - 8].

الآية (1) قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾:
أوَّلُ شرحٍ لصدر النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بهدايتِه للإسلام، فالحائر بين الضلالات لا يهتدي إلى أيٍّ منها، وإنما يجد في الإسلام بُغْيَته وهدفه المنشود، فإذا وجده انشرح به صدرًا، فانشراح الصدر علامةُ دخول الإسلام قلبَ المؤمن، قال - سبحانه -: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125]، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً))[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn1).
وعلى النقيض من ذلك فمَن يجد في صدره ضيقًا، فذلك علامة سلوك طريق لا يؤدِّي إلى الإسلام، قال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]؛ حيث يستشعرُ من ضيقِ صدره وكأنه يصَّعَّد إلى أعلى؛ حيث يصعُبُ التنفُّس، وتضطرب ضربات القلب، هذا هو الوصف القرآني لمن يضيق صدره بالبعد عن الإسلام.
ولذلك تجد المؤمنَ في حالة انشراح دائمًا، سواء أكان في نعمة أم في ابتلاء؛ لأن حاله لن يخرج عن أحد أمرين؛ إما شاكرًا وإما صابرًا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn2)؛ ولذلك تجد المؤمنَ منشرحَ الصدر، يعيش مسرورًا بحلاوة الإيمان، فيجد في الإقبالِ على الطاعات واجتناب المحرمات حلاوةً لا يعرفها إلا مَن سار معه إلى الله -تعالى- في طريق الإسلام، فتُصبِحُ التكاليف التي أمر الله بها العبادَ غيرَ ثقيلةٍ على قلب المؤمن، وإنما بالتكليف يسعَدُ العبد وينشرح صدره، وكأن هذا الانشراح الذي يحسه العبد هو نورٌ يقذِفُه الله في قلبه ليثبِّتَه على الطاعة، يقول - سبحانه -: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22].
يقول ابن القيم: "محبَّة الشيء وطلبه والشوق إليه من لوازم تصوُّره، فمَن باشر طيبَ شيءٍ ولذَّته وتذوق به، لم يكد يصبر عنه؛ وهذا لأن النَّفْس ذوَّاقة توَّاقة، فإذا ذاقت تاقت؛ ولهذا إذا ذاق العبد طعم حلاوة الايمان وخالطت بشاشتُه قلبَه، رسَخ فيه حبُّه ولم يُؤثِر عليه شيئًا أبدًا"[3] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn3).
ولا بد لانشراحِ القلب بالكلية أن يجمع بين ثلاثِ خصالٍ، ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكرَه أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَف في النار))[4] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn4).

قال ابن تيمية في هذه الخصال الثلاث المتضمنة لطعم الإيمان:
"إن حلاوةَ الإيمان المتضمِّنة من اللذَّة به والفرح ما يجده المؤمن الواجدُ حلاوةَ الإيمان - تَتْبعُ كمال محبة العبد لله، وذلك بثلاثة أمور:
تكميل هذه المحبة، وتفريعها، ودفع ضدها:
فتكميلها: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما؛ فإن محبة الله ورسوله لا يُكتفى فيها بأصل الحب، بل لا بد أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما كما تقدَّم.
وتفريعها: أن يحبَّ المرء لا يحبه إلا لله.
ودفع ضدها: أن يكره ضدَّ الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار..."[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn5).
والمعنى أن انشراح الصدر لا يكون إلا بالدين؛ وذلك:
بحب الله ورسوله أولاً على ما سواهما من عَرَضِ الدنيا الزائل.

وثانيًا: أن يكون بتجريد محبة الآخرين من حظوظ النفس؛ ليكون حبُّهم خالصًا لله وحده لا شريك له في هذا الحب؛ بحيث لا يكون حبُّ الآخرين قائمًا على مصلحة دنيوية، أو أنس بالحبيب وحسب؛ وإنما لأجل إرضاء المولى - عز وجل - وخير شاهد على ذلك حب امرأة عمران لمريم - عليهما السلام -: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [آل عمران: 35]، فهي بهذا النَّذْر قد خلصت حق حظ لنفسها من ابنتها، وجعلت حظها منها كله لله.
ويقابل هذا - ثالثًا - الحبُّ لله -تعالى- كرهًا للكفر والفجور والعصيان، مصداقُ ذلك قولُه - سبحانه -: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7].
فأما الخصلة الأولى، والتي هي حب الله ورسوله على ما سواهما، ففيها يقول ابن القيم:
"وههنا أربعةُ أنواعٍ من الحب يجب التفريق بينها، وإنما ضلَّ مَن ضل بعدمِ التمييز بينها:
أحدها: محبة الله، ولا تكفي وحدَها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، فإنَّ المشركين وعبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يُحبُّون الله.
الثاني: محبة ما يحب الله، وهذه هي التي تُدخِلُه في الإسلام وتخرجه من الكفر، وأحبُّ الناس إلى الله أقومُهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازمِ محبة ما يحبُّ الله، ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله، وهي المحبة الشركية، وكل مَن أحب شيئًا مع الله، لا لله ولا من أجله ولا فيه، فقد اتَّخذه ندًّا من دون الله، وهذه محبة المشركين.
وبقي قسم خامس ليس مما نحن فيه، وهي المحبة الطبيعية، وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه؛ كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم والزوجة والولد، فتلك لا تُذَمُّ إلا إذا ألهت عن ذكر الله وشغَلته عن محبته، كما قال -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]"[6] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn6).

أما الخصلة الثانية، والتي هي أن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله، فقد قال عنها ابن تيمية:
"المخلص للهِ ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه عن عبوديته لغيرِه، ومن حلاوة محبَّتِه لله ما يمنعه عن محبة غيره؛ إذ ليس عند القلبِ السليم أحلى ولا ألذُّ ولا أطيبُ ولا أسرُّ ولا أنعم من حلاوة الإيمان، المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذابَ القلب إلى الله، فيصير القلب منيبًا إلى الله، خائفًا منه، راغبًا راهبًا، كما قال -تعالى-: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33]"[7] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn7).
وأما الثالثة، والتي هي كرهُ الكفرِ، وهي التي يحومُ الشيطانُ حولها؛ ليُزيِّن للإنسان الكفر، ويُحبِّبه فيه، وهذا ما أوقع الكفار فيما هم فيه من الكفر، قال -تعالى-: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النحل: 63].
وقال - سبحانه -: ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 38].
وقال - عز وجل -: ﴿ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 24].
ولذلك أراد الله -تعالى- أن ينزعَ حظَّ الشيطان من نبيِّه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ليظلَّ على الفطرة السليمة، في وقتٍ أحاطت به الأصنام وعُبَّادها، وزيَّن الشيطان لكثير من قومه عِبادتَها؛ ولذلك بدأت مرحلةُ انشراح صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- مبكرًا في صغره، فقد روت كتب السيرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قد شُقَّ صدره وهو في صغره؛ لاستخراجِ حظ الشيطان منه، وشُقَّ مرَّة ثانية ليلةَ الإسراء؛ حتى يتأهَّب للمعراج لله -تعالى- فوق سبع سموات.

فأما المرة الأولى، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل -صلى الله عليه وسلم- وهو يلعَبُ مع الغِلمان، فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه عَلَقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْتٍ من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَهُ، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعَون إلى أمِّه - يعني: ظئرَه - فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنتُ أرى أثر ذلك المِخْيَط في صدره[8] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn8).
وفي هذه القصة معنى دلاليٌّ عظيم على وجوب الاهتمام بالنشء، وكلنا يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبه، وعلى الأمة أن تهتدي بهذا الهَدْي؛ فتهتمَّ بتربية النشء منذ الصغر، والانشغال باستخراج حظِّ الشيطان من كل طفل؛ حتى ينشرح صدره لنور الإسلام، فلا يمكن أن ينشرح صدرُ الطفل للإسلام وأخلاقه ومبادئه وشريعته، وفي قلبه حقدٌ وغِلٌّ وحسد وتكبُّر؛ ولذلك وجب العنايةُ بالتربية منذ الصِّغر على أساس فكرة شرح الصدر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتيمًا، وحتى لا يتوهَّم أحدٌ أنه لم يتلقَّ العناية والتربية الكاملة في صغره، فقد جعل الله -تعالى- هذه الحادثة كدليل ساطع على أن الله -تعالى- قد صنعه على عينه؛ فهو القائل - سبحانه - في كتابه الحكيم لموسى - عليه السلام -: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39]، وهذا هو شأن الأنبياء جميعًا.
أما طريقتُنا في استخراج حظ الشيطان من قلوب أطفالنا، فبالتعليم، فعن جُنْدُب بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن فتيان حَزاوِرَة، فتعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلَّم القرآن، ثم تعلَّمنا القرآن فازدَدْنا به إيمانًا[9] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn9).

والمرة الثانية التي شُقَّ فيها صدرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت في رحلةِ الإسراء، فعن مالك بن صَعْصَعة - رضي الله عنهما - أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- حدَّثهم عن ليلة أسري به: ((بينما أنا في الحَطِيم - وربما قال: في الحِجْر - مضطجعًا؛ إذ أتاني آتٍ، فقدَّ، قال: وسمعتُه يقول: فشَقَّ ما بين هذه إلى هذه...[10] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn10)، فاستخرج قلبي، ثم أُتِيتُ بطَسْتٍ من ذهب مملوءة إيمانًا، فغُسِل قلبي ثم حُشِي ثم أُعِيد))[11] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn11)؛ حيث أراد الله -تعالى- أن يُطهِّر قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من كل شواغل الدنيا؛ حتى يتأهَّب للرقي والمعراج إلى سدرة المنتهى، ويخاطب ربَّ العالمين، فهي مرتبةٌ تحتاج لتطهير جديد، ولا يُكتَفى فيها بالتطهير السابق.

وفي هذه القصة رسالةٌ رمزية كذلك إلى الأمة، أن الله -تعالى- سوف يختار من أخلص عباده مَن يذهبُ إلى المسجد الأقصى، وليس في قلوبِهم حظ للدنيا، وإنما خلصت لطلب الآخرة، أولئك الذين قال الله -تعالى- عنهم: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴾ [الإسراء: 5]؛ ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرُّهم مَن خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْوَاء حتى يأتيَهم أمر الله وهم كذلك))، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس))[12] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn12).
ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ستُجندون أجنادًا؛ جندًا بالشام، وجندًا بالعراق، وجندًا باليمن))، قلتُ: يا رسول الله، اختَرْ لي، قال: ((عليكم بالشام، فمَن أبى فليلحَقْ بيمنِه، وليسقِ من غُدرِه، فإن الله - عز وجل - تكفَّل لي بالشامِ وأهلِه))[13] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn13).
الآيتان (2، 3) قوله -تعالى-: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾:
ضاق صدرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوَّلِ أمر الدعوة من إعراض المشركين عنه، وعدم استجابتهم للإسلام، وهو مأمورٌ بتبليغ رسالة الإسلام لقومه، ولم يجد منهم غيرَ الصدِّ عن سبيل الله، وليس بيدِه شيءٌ غيرُ تبليغ ما أُمِر به، وقد علِم الله عنه ذلك، فقال - سبحانه -: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ [الحجر: 97]، وهذا الهمُّ الذي أصاب النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قد أصاب الدعاةَ كذلك حال رؤيتِهم إعراضَ الناس عن الحق، وكاد هذا الهمُّ وذلك الضِّيق يجعلُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يهمُّ بتركِ أمر هذه الدعوة، لولا أن الله ثبَّته على ذلك، يقول - سبحانه -: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12]؛ حيث أصابه حرجٌ كبير أن يستمرَّ في دعوته في الوقت الذي يستمر أهلُه وقومه في اضطهادِه واضطهاد مَن يتَّبِعونه، فإن لم يكن يخشى على نفسه، فإنه يخشى على أصحابه؛ لذا يقول - سبحانه -: ﴿ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 2].
وهنا وفي هذه اللحظات الصعبة، والمواقف المتأزِّمة تتحقَّق معية الله -تعالى- للذين آمنوا ليُثبِّتهم على الحق ويُثبِّتهم على الإيمان، فيَقذِف في قلوبهم انشراحًا في الصدر بعد الضيق الذي أهمهم، فيرفع عنهم أوزارَ وهمومَ هذه الدعوة، بشيءٍ من انشراح الصدر والتثبيتِ على الحق، ومن ثَمَّ يمُنُّ الله -تعالى- على نبيه بهذا الفضل، ويُذكِّره كذلك بافتقارِه لربِّه ومولاه؛ كي يُعينَه على المسؤولية التي أُلقِيَت على عاتقه.
وقد خفَّف الله عن نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- همومَ هذه الدعوة، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشعر أعباء هذه المسؤولية ووِزْرها، وكأنه يحمل أمَّتَه على ظهرِه الضعيف، الذي كاد ينقسم من هذا العبء، يقول - سبحانه -: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، وكاد من تفلُّتِهم منه إلى النار أن يتحسَّر على ذلك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَلي ومَثَلُكم كمَثَل رجلٍ أوقد نارًا، فجعَل الجنادبُ والفراشُ يقَعْنَ فيها وهو يذبُّهن عنها، وأنا آخُذُ بحُجَزِكم عن النار، وأنتم تفلَّتون من يدي))[14] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn14)، ولكن الله -تعالى- لطف به، فقال: ﴿ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8].
ولا زال المولى - سبحانه - يتعهَّد نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالرعاية والإعانة على ما كلَّفه به من أمر تبليغ الإسلام للناس، وفي ذلك إشارة إلى أن الله -تعالى- سوف يُخفِّف هذا الحمل كذلك عن عاتق الدعاة الذين يتَّبِعون سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن حِمْل الدعوة ثقيلٌ ويُنقِض الظهر، وينبغي على الدعاة في سبيل الله -تعالى- أن يُحِسُّوا بعِظَم هذه المسؤولية، يقول البهي الخولي: "ومما يُهوِّن على الداعية مهمَّتَه أنه لن يكتب للجمهور في فلسفة تكوين العقيدة، ولا في دَوْر العقل في إنشاء الصلة بالله أو في كشفها، ولا في منهج صلة الإنسان بغير المنظور من حقائق الكون، ولا في نحو هذا مما يدخل في باب الموضوعات الفلسفية والفكرية، إنما سيتحدَّث إليه عن واقع الحياة اليومية... وقد قلنا فيما سبق: إن واقع الحياة اليومية هو تاريخ الإنسانية الحاضر، وهو مستودَع أخطائها وصوابها، فإذا أخذ الداعيةُ مادَّةَ حديثِه من صميم ما يجري في هذه الحياة، وتحدَّث عن صوابه وخطئه، وصوَّر كلاًّ في صورته الطبيعية الدارجة، وعالجه بروحه الرباني، ووزنه بميزانه الإلهي، فقد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة... وسيجدُ أن كلامه قد غمر الأسواق، وسَيْطَر على الأندية، ودخل البيوت، واستقرَّ مع القراء في المخادع؛ لأن الحياة تولَّت حملَه إلى كل ذلك".
والدعوة الإسلامية وإن كان يسهُلُ اختزالُها في كلمة تبليغ، إلا أنه يصعُبُ تصوُّرها عملاً إلا في إطار مشروع إسلامي شامل، يوضح مفهوم الرسالة محل البلاغ، وصفات الداعية المبلغ، ومراحل التأهيل والخطاب للمبلغين، ووسائل التبليغ، وتقييم أداء المبلِّغين، وتنظيم حركة المبلِّغين، واستغلال أحسن الأوقات للبلاغ الحسن...إلخ.
يقول بعض المهتمِّين بالشأن الدعوى: "الدعوة تسير نحو هدف محدد، وأي هدف يُرجَى الوصول إليه لا بد له من إعداد، إن الدعوةَ اليوم في عالَمِنا المعاصر تحتاج أشدَّ ما تحتاج إلى الإعداد، وانطلاقًا من قوله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71]، كان لزامًا علينا نحن الدعاة - في هذا الخضمِّ بين معتركِ أمواج الظلم والقهر والاستبداد - أن نكون على أعلى درجات الحذر، وطبيعة العمل الدعوي في مثل هذه الظروف تتطلَّب ذلك، وتتطلب من الدعاة أمورًا:



أولها: النظر والتأمل في هذا العالَم قبل أن نخطو أي خطوة، ومن الحكمة في الدعوة تقديرُ الأمور، فحيث تكون المصلحة تكون الدعوة، فإن كان هناك مجالٌ للدعوة باللسان ندعو به، وإن لم يكن له مجال دعَوْنا بالقلب، وحيث يكون الحوار مُجْديًا كانت الدعوة على هيئة حوار، أو كانت السرية مطلوبة دعَوْنا سرًّا، وهكذا، وهو ما يمكن تسميته بـ(فقه المرحلة).

ثانيها: التخطيط: إن أي عمل يُحقِّق نتائج لا بد له من التخطيط المسبق، والمشروع الدعوي يحتاجُ إلى دراسة وتخطيط؛ حتى تتحقَّق أهدافه، وتأتي مرحلة التخطيط بعد مرحلة النظر والتأمل، وبناءً على تلك النظرة لأحوال العالم ومتغيِّراته يمكن أن تُوضَع الخُطَط لهذا المشروع الدعوي الكبير، والتي يأتي على رأسها بناءُ الدعاة، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تنظيم المخطط الدعوي ينبغي أن يكون من الأهمية بمكان.

وثالثها: السرية والحذر: وهو أمر مطلوب للتنظيم الدعوي، ومن المبادئ المعروفة أن الأمة التي تكتمُ أسرارَها هي الأمة التي تنتصر، والأمة التي لا تكتم أسرارها هي الأمة التي لا يمكن أن تنتصر، وما يقال عن الأمة يقال عن الأفراد؛ لأن الأمة تتكوَّن من أفراد"[15] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn15).
ولنا أسوة حسنة في رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في العهد المكي الذي كان يمتازُ بالسرية والحذر.
ورابعها: إدارة التنظيم الدعوي: بما أنه عمل جماعي، فإنه يلزمه الإدارة من قِبَل مسؤولين لهم دراية بهذا المجال، يتولَّون شؤون أفراده، ويوجِّهونهم التوجيهَ المناسب حسب مقتضى الحال، ويضعون الداعية المناسب في المكان المناسب، ويقومون على مراقبةِ الأفراد، وهذا بمثابة ضمان لتنفيذ المخطط الدعوي ونجاحه.

وخامسها: تحديد النتائج المتوقعة: سواء كانت إيجابية أو سلبية؛ حتى لا يُفاجَأ الدعاة - بعد التخطيط والتنفيذ - بتلك النتائج المحتملة إن كانت سلبية فتؤثر على نفسياتهم، ويؤدي إلى تقاعسِهم عن الدعوة، وقعودهم عنها، "إن عملية متابعة النتائج من قِبل قائدِ المسيرة الدعوية أمرٌ مهم لنجاح الدعوة، ويمكن أن نستفيد من ذلك دروسًا دعوية؛ أهمها الاطمئنان بنجاح العملية الدعوية، والمساعدة على تحقيق الهدف الدعوي، وتقويم الأخطاء في العملية الدعوية والتوجيه السليم"[16] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn16)،[17] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn17).
فإذا كان هذا كلُّه هو شأنَ العمل الدعوى، وقد أُمِر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحملِ هذه الأمانة كلِّها كقائدٍ ومخطِّط ومتابِع ومحلِّل وصاحب رؤية إستيراتيجية... إلخ، وهو رسول أُمِّي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، كما لا يعرف شيئًا من العلوم الطبيعية أو التطبيقية؛ كالزراعة والصناعة والفلك... إلخ - فكيف به يتحمل هذا العبء كله وحده إلا أن يُعِينَه الله -تعالى- عليه؟
وقد أعانه الله -تعالى- في دعوته من أوَّلِها لآخرها، فأعانه على تحمُّل أمانة القرآن، فكان لا يقرأ، ولكن الله -تعالى- يسَّر عليه الذِّكر كما يسَّر على نبيِّه موسى - عليه السلام - البلاغَ، فبعث معه هارون لأنه أفصح منه لسانًا، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله -تعالى-: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج من التنزيل شدَّة، وكان مما يُحرِّك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أُحرِّكُهما لكم كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحرِّكُهما، وقال سعيد: أنا أُحرِّكُهما كما رأيتُ ابن عباس يُحرِّكُهما فحرَّك شفتَيه، فأنزل الله -تعالى-: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 16، 17]: قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾: قال: فاستَمِع له وأنصِتْ، ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾: ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك إذا أتاه جبريل استَمَع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قرأه[18] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn18).
وأعانه الله -تعالى- على أصحابه، فألَّف بين قلوبهم، قال - سبحانه -: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63].
وأعانه على أعدائه، فهزمهم بالرعب والريح والخوف، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أُعطِيتُ خمسًا لم يُعطَهن أحدٌ قبلي؛ نُصِرتُ بالرعب مسيرة شهر))[19] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn19).
وأعانه في رمايته له، فقال - سبحانه -: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].
وأيَّده بالملائكة، فقال: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 123 - 125].
وهكذا جمع الله -تعالى- في إعانته له تأهيلَه وتربيته، وتأليف قلوب أصحابه، وترهيب أعدائه، إلى غير ذلك من المعينات والمؤيِّدات الإلهية ما رفع عنه وزره الذي أنقض ظهره.

الآية (4) قوله -تعالى-: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾:
ولا شك أن استمرارَ الإيذاء المعنويِّ من المشركين للنبي -صلى الله عليه وسلم- يُقَوِّد نجاحَه بين الناس؛ إذ كيف يكون رسولاً زعيمًا وهو بين قومه متَّهمٌ بالسحر تارة، والجنون أخرى، والكذب تارة ثالثة؟ فكان من الواجب أن يُرفَع ذكرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الناس؛ حتى يتسنَّى لهم أن يقتدوا به.
وإيذاءُ المشركين للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه وإن كان ماديًّا، فهو أمر يمكن جبره.
أما إيذاؤهم المعنوي بسبِّهم وشتمِهم له والاستهزاء به، وهم قومه وعشيرته، فإنه ليزيدُ من ضيقِ صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم، لولا شرحُ الله له؛ إذ كيف يدعو قومه بعد أن شتموه وسبوه؟! وكيف لعقلاء القوم أن يستجيبوا لمن يُكذَّب من قومه، ويُقال عنه: إنه مجنون وساحر وكذاب؟
فأراد الله -تعالى- أن يُعوِّض نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا نظيرَ ما لقِيه من إيذاءٍ معنوي ومادي، فرفَع له ذِكْرَه بين المؤمنين، قال العلماء: بأن تُذكَر مع ذِكْرِي في الآذان والإقامة والتشهُّد والخُطبة وغيرها[20] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn20).

وفي ذلك بشرى من الله -تعالى- لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- ولمَن اتَّبع هداه، فعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيتَ الرجلَ يعملُ العملَ من الخير ويحمَدُه الناس عليه، قال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن))[21] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn21)، فهو - سبحانه - وعد بنصر المؤمنين، قال في كتابه: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، ومن نصرتِه لهم أن يرفع شأنَهم بين الناس بعد أن يصبروا على البلاء وإيذاءِ المُعرِضين المعنوي لهم، ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 5]، فلا يضرُّهم ما يصيبهم من إيذاءٍ طالما أن نصر الله كائن له لا محالة.
الآيتان (5، 6) قوله -تعالى-: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾:
قاعدة اليسر الذي يأتي مع العسر قاعدةٌ وسُنَّة كونية، لا تتبدل إلى يوم القيامة، قال أحد العقلاء: ما يغلب عسرٌ يُسْرَينِ[22] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn22)، وكتب أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يذكُرُ له جموعًا من الروم وما يتخوَّف منهم، فكتب إليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبدٍ مؤمن من منزل شدَّة يجعل الله بعده فرجًا، وإنه لن يغلبَ عسرٌ يُسْرَينِ"[23] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn23)، هكذا فهم الصحابة - رضوان الله عليهم - هذه الآيات وطبَّقوها في حياتهم على هذا النحو: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].

وعند التأمُّل في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عانى في العهدِ المكي هو وأصحابه ما عانى من اضطهاد المشركين لهم ومن إيذاءٍ - ما دوَّنته كتبُ السِّيَر والتاريخ وما لم تُدوِّنه - الكثيرَ والكثير، وقد جاء فرج الله لهم عندما هاجر أصحابُ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فهجر النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة إلى المدينة فاتحًا لها بدون قتال، رغم أنهم كادوا يُجمِعون على تتويج عبدالله ابن سلولَ مَلِكًا عليها، لكنه سبقه في ذلك، فعن سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، اعفُ عنه واصفَحْ عنه - يقصد أبا حباب يريد عبدالله بن أُبَي - فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البُحَيرةِ على أن يُتوِّجوه فيُعصِّبوه بالعصابة، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك اللهُ، شرِق بذلك[24] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn24).
قال - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، فإذا أردت أن تحسب المدَّة التي مكثها النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة مضطهَدًا قبل أن يُتوَّج رئيسًا على المدينة المنورة، لوجدتَها قرابة الثلاثَ عشرةَ سنةً، فإذا علمتَ ذلك، وقد علمتَ أن العسر مع اليسر، أيقنتَ أن هذه الفترةَ التي مكثها النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تضمَّنت تربيةً روحية ونفسية وجهادية للمسلمين؛ حتى يتأهَّلوا لمسؤولية الخلافة في المدينة المنورة، فعن خبَّاب بن الأرَتِّ، قال: شكَوْنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسِّد بُرْدةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا! قال: ((كان الرجل فيمَن قبلكم يُحفَر له في الأرض، فيُجعَل فيه، فيُجاءُ بالمنشارِ فيُوضَع على رأسه فيُشَقُّ باثنتينِ، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشَّطُ بأمشاطِ الحديد ما دون لحمِه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، واللهِ ليُتمَّنَّ هذا الأمرَ؛ حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرَموتَ لا يخافُ إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجلون))[25] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn25).
ولولا هذا العسرُ، لما خرج الإسلام من شبه الجزيرة العربية بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].

كما أنك حينما تتذكَّر قصة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حفر الخندق وهو يحكي عن دولة الإسلام في المستقبل، وأنه سوف تتسع رقعتها لتشمل ممالك الفرس والروم ومفاتيح مكة، وأصحابُ النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يأمَنون على أنفسِهم من حصار المشركين لهم في غزوة الأحزاب - تعلمُ يقينًا أن شرط اليسر المصاحب للعسر عدمُ اليأس والقنوط أبدًا، قال - سبحانه -: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]، ويقول المولى - سبحانه -: ﴿ إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 10 - 12].
وعن موسى بن عقبة في قصة الخندق: فلمَّا اشتد البلاء على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِه نافَق ناسٌ كثير، وتكلموا بكلام قبيح، فلما رأى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما فيه الناس من البلاء والكرب، جعل يبشرهم ويقول: ((والذي نفسي بيدِه، ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة والبلاء، فإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنًا، وأن يدفعَ الله - عز وجل - مفاتح الكعبة، وليُهلِكنَّ الله كسرى وقيصر، ولتُنفَقنَّ كنوزُهما في سبيل الله))، فقال رجل ممن معه لأصحابه: ألا تعجبون من محمد! يَعِدُنا أن نطوفَ بالبيت العتيق، وأن نغنم كنوز فارس والروم، ونحن هنا لا يأمن أحدُنا أن يذهب إلى الغائط؟! والله لَمَا يَعِدُنا إلا غرورًا[26] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn26).
• الآية (7، قوله -تعالى-: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾:
وهنا يبصِّر الله عبدَه ونبيَّه بواجب آخر خلاف مسؤولية الدعوة، وإنما هو أحد شرائط التأهيل لحمل مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى، وذلك بجملة شرطية (إذا فرغت)، وجوابها (فانصب)... (فارغب)، والمعنى: أنه لا بد من حضورِ القلب للعبادة، ويُقصَد بالعبادة هنا معناها الضيِّق والقاصر على الصلاة لله -تعالى- وإن جاز الأخذُ بالمفهوم الموسع لتشمل كل جوانب الحياة بالنية المتوجهة لله -تعالى- ولكن السياق هنا يتحدَّث عن قيامِ اللَّيل على وجهِ الخصوصِ؛ باعتبارِ أن ناشئةَ اللَّيلِ هي أشدُّ وطأ وأقوم قِيلاً، فبعد أن يفرُغَ النبي -صلى الله عليه وسلم- من أمور الدعوة التي كُلِّف بها وصبَر عليها، فعليه أن ينصَبَ قدَمَيه لله -تعالى- فيقوم الليل لله -تعالى- ليُصلِّي ويتعبَّد لربه، راغبًا في جنته ورضاه وما عنده من النعيم المقيم، فلا بد للداعية أن يستعين بقيام الليل وتزلُّفه وتقرُّبه لربه على المسؤوليات التي يضطلع بها، وجهاده لقومه وصبره على إيذائهم، فلولا قيام الليل، لما انشرح الصدر، ولا وُضِع الوِزْر، ولا رُفِع الذِّكْر؛ لذا فإن المولى - سبحانه وتعالى - يحثُّ نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- على الانقطاعِ للعبادة عند الفراغ من الشغل.

وفي ذلك إشارة إلى ترتيب الواجبات بحسب الأوقات، وكيف يجمع المسلم بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة؛ إذ هو مشغول طوال النهار بالمعاش والسعي لكسب الرزق، ولا شك أن هذا العمل وإن عُدَّ من أعمال الدنيا إلا أن فيه تقربًا لله -تعالى- لأن الشرعَ قد حثَّ على العمل والتكسب؛ لذا فهو عملٌ من أعمال الآخرة كذلك، بَيْدَ أن حظ الدنيا فيه ظاهر، ومن ثَمَّ غلب على وصفِه بأنه من أعمال الدنيا؛ إذ لو لم يحثَّ الشرعُ عليه، لسعى البشر للكسب والمعاش بالجِبلَّة؛ لأن غريزتهم مجبولة على ذلك، بصرف النظر عن معتقداتهم وأفكارهم، وبالرغم من ذلك إلا أن السعي على طلب الرزق مقدَّم على عمل الآخرة - ما لم يكن فرضًا - الذي ليس فيه للمكلَّف حظٌّ كقيام الليل، فلا يسوغ أن يجتهد العبد في قيام الليل ويتكاسل عن كسب الرزق في النهار، وطلب المعاش في الوقت المخصوص لذلك؛ إذ في قوله -تعالى-: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾ إشارةٌ إلى أن قيامَ الليل يأتي بعد الفراغ من طلب الرزق من جهةٍ، وواجبات وأعباء الدعوة والجهاد في سبيل الله من جهة أخرى، فإذا ما استطاع العبد فعل ذلك، هنا تسنَّى له قيام الليل بين يدي ربه.
وقد أراد الله -تعالى- أن يخصَّ نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- بهذه المرتبة، وهي قيام الليل، فقال له - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].
ومَن اتَّبع هُداه، أولى له أن يقتديَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك؛ ليكون الانشغال بقيام الليل خيرًا من الانشغال بأمور الدنيا، ودون أن ينسى حظَّه منها وحقَّ أهله عليه فيها، يقول - سبحانه -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

وها هو ذا نبي الله -تعالى- يستجيب لنداء ربه، فيذر الفراش مع زوجته ويستأذنها لقيام الليل، قالت عائشة: لما كان ليلة من الليالي قال: ((يا عائشة، ذريني أتعبَّد الليلة لربي))، قلت: والله، إني لأُحِبُّ قربَك وأحبُّ ما سرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجْره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يُؤذِنُه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، لِمَ تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟! قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا، لقد نزلت عليَّ الليلةَ آيةٌ ويل لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ الآية كلها)) [27] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn27)، فقد رغِب النبي -صلى الله عليه وسلم- في قيام الليل رغبةً عوَّضته عمَّا أحله الله له، بل وعوَّضته عما يتنافس عليه الرجال ويتصارعون، وما كان أول سبب في افتتان بني إسرائيل، وليس ذلك فحسب، بل إنها عوَّضته عن أفضل نساء العالمين، والتي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فضلُ عائشةَ على النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام))[28] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftn28)، ولولا انشراح الصدر، لما استشعر هذه الرغبة إلى ربه.


[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref1) رواه مسلم ج1 ص 137 رقم 49.

[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref2) رواه مسلم في صحيحه ج14 ص 280 رقم 5318.

[3] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref3) مفتاح دار السعادة ج1 ص 9.

[4] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref4) رواه البخاري ج 1 ص 14 رقم 16.

[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref5) ابن تيمية: العبودية، ج1 ص 111.

[6] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref6) الجواب الكافي، ج1 ص 134.

[7] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref7) المرجع السابق، ص123.

[8] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref8) رواه مسلم ج 1 ص 387 رقم 236.

[9] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref9) رواه ابن ماجه ج1 ص 70 رقم 60، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ج1 ص 16، رقم 52.

[10] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref10) تكملة الحديث: "فقلت للجارود - وهو إلى جنبي -: ما يعني به؟ قال: من ثُغْرة نحره إلى شِعْرته، وسمعتُه يقول: من قصِّه إلى شِعْرَته".

[11] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref11) البخاري ج 12 ص 273 رقم 3598.

[12] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref12) رواه الطبري في تهذيب الآثار ج 3 ص 177 رقم 832، ورواه أحمد في مسنده ج 45 ص 281 رقم 21286، والطبراني في المعجم الكبير ج 8 ص 145.

[13] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref13) رواه الحاكم المستدرك على الصحيحين ج4 ص 555، رقم 8556، قال الذهبي في التلخيص: صحيح، وصححه الألباني في فضل الشام ودمشق ج1 ص 5 رقم2.

[14] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref14) رواه مسلم ج11 ص 400 رقم 4236.

[15] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref15) مقال بقلم الأستاذ: محمد جمال الدين محفوظ، بعنوان: الكتمان والخصوصية في الدعوة، على الموقع

[16] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref16) المنهاج النبوي في دعوة الشباب؛ تأليف سليمان بن قاسم العيد، ص396 - 398 باختصار.

[17] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref17) أ. إبراهيم عيسى صيدم، نفسية الدعاة بين الواقع والطموح.

[18] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref18) رواه البخاري ج1 ص 6 رقم 4.

[19] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref19) رواه البخاري ج2 ص 58 رقم 323.

[20] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref20) تفسير الجلالين - قاله الحسن؛ انظر: فتح القدير للشوكاني ج8 ص 21.

[21] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref21) رواه مسلم ج12 ص 97 رقم 4780.

[22] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref22) نقله البخاري عن مجاهد ج 4 ص 1892.
تفسير ذلك: أن العسر مذكور بالألف واللام، وليس هناك معهود سابق، فينصرف إلى الحقيقة، فيكون المراد بالعسر في اللفظين شيئًا واحدًا، وأما اليسر، فإنه مذكور على سبيل التنكير، فكان أحدهما غير الآخر؛ قاله ثعلب، وهو قول ابن عباس، وابن مسعود، وعمر، وقال به سفيان بن عُيَيْنة؛ منقول عن بكر البعداني: وقفة مع العسر واليسر في سورة الشرح

[23] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref23) رواه مالك في الموطأ ج 2 ص 446 رقم 961، والحاكم في المستدرك ج 2 ص 329 رقم 3176.

[24] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref24) رواه البخاري ج14 ص 45 رقم 4200.

[25] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref25) رواه البخاري ج11 ص 444 رقم 3343.

[26] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref26) رواه البيهقي في سننه الكبرى ج9 ص 31 رقم 17641، وقول المنافقين المذكور في الحديث ورد بالآية 12 سورة الأحزاب، ورواه البخاري بلفظ: ((إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده، لتُنفَقنَّ كنوزُهما في سبيل الله))؛ صحيح البخاري ج10 ص 363 رقم 2888.
ورواه النسائي بلفظ: قال سلمان: يا رسول الله، رأيتُك حين ضربتَ لا تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا سلمان، رأيت ذلك؟))، قال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: ((فإني حين ضربتُ الأولى، رُفِعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتُها بعيني))، فقال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادعُ الله أن يفتَحَها علينا ويغنمَنا ذراريهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ((ثم ضربتُ الضربة الثانية، فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعيني))، قالوا: يا رسول الله، ادعُ الله يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ثم ضربت الثالثة، فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني))، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: ((دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم))؛ سنن النسائي ج 3 ص 28 رقم 4385، وصححه الألباني في صحيح وضعيف النسائي ج 7 ص 248 رقم 3176.

[27] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref27) صحيح ابن حبان ج 2 ص 386 رقم 620، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ج2 ص88 رقم 1468.

[28] (https://www.alukah.net/sharia/0/62884/#_ftnref28) رواه البخاري ج12 ص 118 رقم 3485.




شبكة االالوكة