المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء) الآيتين 120-122


امانى يسرى محمد
08-06-2022, 05:21 AM
{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)}


هذا يعني أن الشيطان يقدم الوعود الكاذبة لمواليه ويخبرهم بشيء يسرهم، فالوعد هو أن يخبر أحد آخر بشيء يسرّه أن يوجد.
والمثال على ذلك نراه في الحياة العادية فالإنسان منا يحب ماله الذي قد جاء بالتعب، والصدقة في ظاهر الأمر تنقص المال، فيقول الحق: {الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر} [البقرة: 268].
لماذا؟.
لأن الشيطان يوسوس في صدر صاحب المال قائلاً: إنك عندما تتصدق ببعض المال فمالك ينقص. وويل لمن يرضخ لوساوس الشيطان؛ لأنه يورده موارد التهلكة، والشيطان أيضاً يقدم الأماني الكاذبة في الوساوس: (ويمنيهم).

ومثال ذلك ما جاء على لسان المتفاخر على أخيه بلون من الاستهزاء والعياذ بالله: {وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف: 36].
المتفاخر يقول: مادام الله قد أعطاني في الدنيا، وما دامت مهمة الله هي العطاء الدائم فلابد أن يعطيني ربي في الآخرة أضعاف ما في الدنيا؛ ذلك أن سعيد الدنيا هو سعيد في الآخرة، فماذا كان جزاؤه؟.
لقد رأى انهيار زراعته وعرف سوء مصير الغرور؛ لأنه استجاب لوعود الشيطان، ووعود الشيطان ليست إلا غروراً {وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً}.
فما هو الغرور؟.

هناك (غُرور)- بضم الغين-، و(غَرور)- بفتح الغين-.

والغُرور- بضم الغين- هو الشيء يُصوَّر لك على أنّه حقيقة وهو في الواقع وَهْم. والغَرور- بفتح الغين- هو من يفعل هذه العملية، ولذلك فالغَرور- بفتح الغين- هو الشيطان؛ لأنه يزين للإنسان الأمر الوهمي، ويؤثر مثلما يؤثر السراب؛ فالإنسان حين يرى انكسار الأشعة يخيل إليه أنه يرى ماء، ويقول الحق عن ذلك: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [النور: 39].
وكذلك الغُرور، حيث يزين الشيطان شيئاً للإنسان ويوهمه أنه سيستمع به. فإذا ما ذهب الإنسان إليه فلن يجد له حقيقة، بل العكس، ولذلك يفصل لنا الحق أعمال الكفار فيقول عنها: {والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب} [النور: 39].
ويفاجأ الكافر بوجود الله الذي كان كافراً به، ويصير أمام نكبتين: نكبة أنه كان ذاهباً إلى ماء فلا يجده فيخيب أمله، والنكبة الثانية أن يجد الله الذي يحاسبه على الإنكار والكفر.


ويقول الحق: {وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} [الفرقان: 23].
وقد يأتي واحد ويدعي لنفسه الإنسانية ويظن أنه يتكلم بالمنطق فيقول: هل هؤلاء الناس الذين قدموا للبشرية كل هذه المخترعات التي أفادت الناس كالمواصلات وغيرها، أيصيرون إلى عذاب؟. ونقول: هؤلاء سيأخذون جزاء الكفر؛ لأن الواحد منهم قد عمل أعماله وليس في باله الله.
بل قام بتلك الأعمال وفي باله عبقرية الابتكار والإنسانية وهو يأخذ من الإنسانية التكريم، وعليه أن يطلب أجره ممن عمل له وليس ممن لم يعمل به، وينطبق عليه قول الرسول: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتى به فَعّرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعَلّمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعّرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلاّ أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقى في النار».
ولم يغمطهم الله جزاء أعمالهم في الدنيا. فقد أخذوا من الدنيا كل التكريم.


ووزع سبحانه فضل هذه المواهب على الناس الذين في بالهم الله؛ لذلك ترى المسلم غير المتعلم يركب الطائرة ليحج بيت الله ويُسجل أحاديث الإيمان على شرائط ليسمعها من لم يحضر ويشاهد هذه الشعيرة، إذن فهؤلاء الكافرون مسخرون للمؤمنين لأنهم أتاحوا لهم الانتفاع بعلمهم واكتشافاتهم، والمؤمنون أيضاً مطالبون بأن يأخذوا بأسباب الله لينالوا كرم الله في عطاء العلم، بل إن ذلك واجب عليهم يأثمون إذا لم يقوموا به حتى لا يكونوا عالة على سواهم، فلا يستذلون.
{وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً} وماذا يكون نصيب هؤلاء في الآخرة؟ يقول سبحانه: {أولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ...}.



https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_08/image.png.5f2d5bc842721c21c6435f74d5475da0.png


{أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}


وكلمة (مأوى) معناها المكان الذي يضطر الإنسان إلى أن يأوى إليه، فهل هذا الاضطرار يكون اندفاعاً أو جذباً؟ سبحانه يقول عن النار إنها ستنطق قائلة: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].
كأن النار ستجذب أصحابها. وهم لن يجدوا عنها محيصاً، أي لا مهرب ولا مفر ولا معدى، وكان باستطاعة الواحد منهم أن يفر من مخلوق مثله في دنيا الأغيار، ولكن حين يكون الأمر لله وحده فلا مفر. {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16].
والمقابل لذلك يورده الحق: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات...}.



https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_08/image.png.b53b895c288804351db8519ea4aa8f68.png



{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)}


حين يأتي سبحانه بأمر يتعلق بالكفار وعقابهم فالنفوس مهيأة ومستعدة لتسمع عن المقابل، فإذا كان جزاء الكفار ينفر الإنسان من أن يكون منهم، فالنفس السامعة تنجذب إلى المقابل وهو الحديث عن جزاء المؤمنين أصحاب العمل الصالح. وسبحانه قال من قبل: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 114].
وهنا يقول: {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار}. والمتيقن من الله والواثق به يعلم أنه لا توجد مسافة تبعده عن عطاء الله، مثال ذلك (حينما سأل النبيُّ أحد الصحابة وكان اسمه الحارث بن مالك الأنصاري: (كيف أصبحت يا حارث؟).
قال: أصبحت مؤمنا حقاً. لقد أجاب الصحابي بكلمة كبيرة المعاني وهي الإيمان حقاً؛ لذلك قال الرسول: انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك)؟
أجاب الصحابي: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت لذلك ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربيّ بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها (يتصايحون فيها).
فقال: (يا حارث: عرفت فالزم ثلاثا).
والحق ساعة يقول: (س) وساعة يقول: (سوف) فلكل حرف من الحروف الداخلة على الفعل ملحظ ومغزى وكل عطاء من الله جميل. {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار}.


والجنة- كما قلنا من قبل- على إطلاقها تنصرف إلى جنة الآخرة فهي الجنة بحق، أما جنة الدنيا فمن الممكن أن يتصوّحَ نباتها وشجرها وييبس ويتناثر، أو يصيبها الجدب، أمّا جنة الآخرة فهي ذات الأكل الدائم، وإن لم تطلق كلمة (الجنة) من أي قيد أو وصف بل قيدت، فالقصد منها معنى آخرح كقول الحق: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الجنة إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17].
وقوله سبحانه: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ} [البقرة: 265].
والجنة بربوة هي البستان على مكان عال، وهي ذات مواصفات أعلى مما وصل إليه العلم الحديث؛ لأن الأرض إذا كانت عالية لا تستطيع المياه الجوفية أن تفسد جذور النبات المزروع في هذه الأرض، فيظل النبات أخضر اللون، ويقول الحق عن مثل هذه الجنة: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البقرة: 265].
ويزيد على ذلك أنها بربوة، وأنها تروى بالمطر من أعلى، ومن الطل، فتأخذ الرّي من المطر للجذور، والطل لغسل الأوراق. كل ذلك يطلق على الجنة.


وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ويطمئننا سبحانه على احتفاظها بنضرتها وخضرتها، وأول شيء يمنع الخضرة هو أن يقل الماء فتذبل الخضرة.
ونجد القرآن مرة يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا الأنهار} وهذا يعني أن منبع المياه بعيد. ومرة أخرى يقول: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ويعني أن منبع المياه لن يحجزه أحد؛ لأن الأنهار تجري وتنبع من تحتها.
ويعد الحق المؤمنين أصحاب العمل الصالح بالخلود في الجنة، والخلود هو المكث طويلاً، فإذا قال الحق: {خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} أي أن المكث في الجنة ينتقل من المكث طويلاً إلى المكث الدائم.
وهذا وعد مَن؟ {وَعْدَ الله حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً}. وحين يعدك من لا يخرجه شيء عن إنفاذ وعده، فهذا هو وعد الحق- سبحانه-. أما وعد المساوي لك في البشرية فقد لا يتحقق، لعله ساعة إنفاذ الوعد يغير رأيه، أو لا يجد الوُجد واليسار والسَّعة والغنى فلا يستطيع أن يوفي بما وعد به، أو قد يتغير قلبه من ناحيتك، لكن الله سبحانه وتعالى لا تتناوله الأغيار، ولا يعجزه شيء، وليس معه إله آخر يقول له لا. إن وعده سبحانه لا رجوع فيه ولا محيص عن تحقيقه.
قول الله هنا {وَعْدَ الله حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} هو كلام منه ليوضح لكل واحد منا: أنا لا أريد أن أستفهم منك، لكنه جاء على صورة الاستفهام لتكون الإجابة من الخلق إقرارا منهم بصدق ما يقوله الله، أيوجد أصدق من الله؟
وتكون الإجابة: لا يمكن، حاشا لله؛ لأن الكذب إنما يأتي من الكذاب ليحقق لنفسه أمراً لم يكن الصدق ليحققه، أو لخوف ممن يكذب عنده، والله منزه عن ذلك، فإذا قال قولاً فهو صدق.



نداء الايمان



https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_08/image.png.05653979e1ab7b72d2143fb08d4b8169.png