المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سكب العبرات في كيفية التخلص من الذنوب والسيئات


امانى يسرى محمد
10-09-2022, 09:58 PM
اعلموا أنَّ الجنةَ لا يدخلها أحدٌ وعليه سيئةٌ واحدة، لن يدخلها أبدًا حتى يُطَهَّرَ منها، إذن لا بد من رحمة الله بنا أن يكون هناك مغفرة من الله، وعَفْوٌ من الله العَفُوِّ، رحمة يرحمنا الله سبحانه وتعالى، إمَّا من أنفسنا نسعى في تحصيلها، أو منه سبحانه وتعالى مباشرة من غير حولٍ منّا ولا قوّة.


أمَّا من أنفسنا؛ فإذا تكدَّست علينا هذه السيئات، سيئة واحدة نرتكبها كلَّ يوم، فبعد خمسين عاما يكون المجموع ثمانية عشر ألف سيئة، فكيف لو ارتكبنا سيئتين يوميا أو ثلاثا أو أكثر، والذي يمحو ذلك هو شيء تفعله أنت، وهو أن تتوبَ إلى الله، فالتائبون مغفور لهم، التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].




إذًا، فأول ما تمحى به الذنوب هو أن تتوب إلى الله توبة نصوحا، التوبة؛ قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ... ﴾ [التحريم: 8]، فإذا تاب الإنسان من الذنوب التي عليه فيقلع عنها، ويتوب عن الذنوب المستقبلة فلا يفعلها، فيتوب الله عليه، وبقدر إخلاصه يَنقُصُ من ذلك الكومِ الكبيرِ من السيئات، لذلك استثنى الله عز وجل ممن يعاقبهم يوم القيامة بذنوبهم، فقال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ ﴾ (مريم: 60)، وقال سبحانه: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ [البقرة: 160]، وفي الحديث: "التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ" (جه) (4250) (هق) (20347)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3008)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3145)، وهداية الرواة: (2302)، عن ابْنِ مَسْعُودٍ، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ"، (حم) (18293)، (م) 42- (2702)، (حب) (929)، الصحيحة: (1452) عَنْ الْأَغَرِّ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه. وقال عليه الصلاة والسلام: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"، (ت) (2499)، (جه) (4251)، انظر صحيح الجامع: (4515)، وصحيح الترغيب: (3139) عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ.





ثانيًا: لا بد مع التوبة أن يكون استغفارٌ، وطلبُ المغفرةٍ من الله عز وجل، حتى يغفرَ اللهُ للعبد ذنوبه، أو من ذنوبه على قدر إخلاصه، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136].


وَعَنْ أبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: "مَا أَصْبَحْتُ غَدَاةً قَطُّ إِلَّا اسْتَغْفَرْتُ اللهَ فِيهَا مِائَةَ مَرَّةٍ"، (ش) (35075)، (ن) (10275)، صَحِيح الْجَامِع: (5534)، الصَّحِيحَة: (1600)، عَنْ أبِي مُوسَى.

فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستغفرُ صباحَ كلِّ يومٍ مائةَ مرَّةٍ، فماذا نفعل نحن في هذا الزمان؟ رسول الله مغفور له ذنبه ما تقدَّم منه وما تأخَّر، ومع ذلك يستغفرُ الله، فكيف بنا في هذا الزمان؟ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً"، (مسند الشاميين للطبراني) (2155)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (6026).

إذًا لا تستغفر لنفسك وتنسى إخوانك المؤمنين؛ بل استغفر لغيرك من المذنبين، من إخوانك المؤمنين والمؤمنات حتى تكسب الأجر العظيم، بعدد المؤمنين والمؤمنات تكتب لك حسنات.

لذلك يوم القيامة عندما تُنشَرُ الصُّحفُ؛ هل تريدُها أن تكون فارغةً أم تكون مملوءةً من الحسنات؟ العبد المؤمن يقول أريدها أن تكون مملوءةً من الحسنات يوم القيامة، فاستمع إلى ما ثبن عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ؛ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ"، (طس) (839)، (هب) (648)، صَحِيح الْجَامِع: (5955)، الصَّحِيحَة: (2299).




ثالثًا: فإن قصَّرت في التوبة والاستغفار فلا تقصر في فعل ما يأتي بالحسنات، والأعمال الصالحات، وفي الطاعات، وتقديم الخيراتِ والمنفعة للناس، في نفسك مع الله؛ من عبادةٍ ووضوءٍ وصلاة، وحجِّ وعمرة، وأفعال خير تقدمها لعباد الله؛ من إعانةِ مسكينِ أو أرملة أو نحو ذلك، لذلك قال الله عز وجل: ﴿... إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].


عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: (كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ)، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا عُثْمَانَ! أَلَا تَسْأَلُنِي لِمَ أَفْعَلُ هَذَا؟!) فَقُلْتُ: (وَلِمَ تَفْعَلُهُ؟!) فَقَالَ: (هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مَعَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا فَهَزَّهُ، حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ)، فَقَالَ: "يَا سَلْمَانُ! أَلَا تَسْأَلُنِي لِمَ أَفْعَلُ هَذَا؟!" فَقُلْتُ: (وَلِمَ تَفْعَلُهُ؟!) قَالَ: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؛ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ هَذَا الْوَرَقُ"، ثُمَّ قَرأَ: ﴿ وَأَقِمْ الصَلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ (حم) (23707) قال الأرناؤوط: حسن لغيره (مي) (719)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (363).

وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا)، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً"، (م) 8- (229)، (جة) (285)، (هب) (2724).

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَإِعْمَالُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ يَغْسِلُ الْخَطَايَا غَسْلًا"، (ك) (456)، (يع) (488)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (926), صَحِيح التَّرْغِيبِ: (191)، (449). عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

وكذلك تفقُّد الآخرين بالصدقة، وأن يكون هذا العمل خاصًا بينك وبين الله، لا تريد أن يكون رياءً ولا سُمعة، لذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: "صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ"، (طس) (3450)، (طص) (1034)، صَحِيح الْجَامِع: (3795)، (3796)، الصَّحِيحَة: (1908)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (888)، (890). عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها.

وَجاء في حديث أَبِي ذَرٍّ من عِدَّة روايات، قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي!) فَقَالَ: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا")، وفي رواية: ("إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ حَسَنَةً، فَإِنَّهَا عَشْرُ أَمْثَالِهَا")، ("وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ")، فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَمِنْ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟!) قَالَ: ("هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ")، (حم) (21354)، (21403)، (21487)، (21536) وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح، (ت) (1987)، (حل) (ج4ص217)، الطبراني في الدعاء: (1498)، وصححه الألباني في " كَلِمَةُ الْإِخْلَاص " (ص55)، وانظر صحيح الجامع: (97)، وصحيح الترغيب: (2655)، والصحيحة: (1373).

وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، رواه الشيخان (خ) (1521)، (م) 438- (1350).عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللهَ عز وجل)، ("خِلَالًا ثَلَاثَةً: سَأَلَ اللهَ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ")، ("فَأَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، وَسَأَلَ اللهَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ")، ("وَأَلَّا يَأتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ") =أي: المسجد الأقصى= ("أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَلَاةَ فِيهِ")؛ ("أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ")، ("وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ")، (جة) (1408)، (س) (693)، (حم) (6644)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح، (جة) (1408)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (2090)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (1178).




رابعًا: فإن قصرتَ في هذه الأعمال؛ لا توبةَ ولا استغفارَ ولا حسناتٍ؛ إذًا ستصبر على المصائب والشدائد الدنيوية التي تصيبك في الحياة الدنيا، حتى تُكَفَّرَ عنك سيئاتُك رغمَ أنفك؛ لأن الله يحبُّك؛ لأنك من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فيبتليك الله بالمصائب؛ لأنه يبتلي أحبابه من الأنبياء والأصفياء والصالحين، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"، ((خ) (5641)، (م) 52 - (2573)، (ت) (966)، (حم) (8027). عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ»، (خ) (5647)، (م) 45- (2571).

عندما يكون الشجر ورقُه جافٌّ، وتأتيه الرياحُ، تتساقط أوراقه ولا تبقي فيه ورقة، هذه المصائب تتساقط وتُمحا بالمصائب، لذلك قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ" - الذين لم يصابوا في الدنيا أبدًا - "يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ؛ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ"، (ت) (2402)، (هق) (6345)، انظر الصَّحِيحَة: (2206)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ.

وقَالَ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ" =أي بمرض أو مصيبة= "فَلَمْ يَشْكُنِي إِلَى عُوَّادِهِ" =لم يشك الله إلى زُوَّارِه، قال سبحانه: "أَطْلَقْتُهُ مِنْ إِسَارِي"، أَيْ: مننت عليه بالشفاء، وأطلقته من المرض = "ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، ثُمَّ يَسْتَأنِفُ الْعَمَلَ"، (ك) (1290)، (هق) (6340)، صَحِيح الْجَامِع: (4301)، الصَّحِيحَة: (272)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كأنه ولد الآن، فيستأنف العمل من جديد.

وهناك بعضُ العباد من لهم منزلةٌ عالية في الجنةِ، لا ينالها بأعمالهم، وإنما ينالونها بالصبر على الشدائد والبلاء، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ؛ ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى")، (د) (3090)، (حم) (22338)، صَحِيح الْجَامِع: (1625)، الصَّحِيحَة: (1599)، عَنْ اللَّجْلَاجِ رضي الله عنه.




خامسًا: فإن توفي هذا العبد والـثمانية عشر ألف سيئة ما نقص منها إلا القليل، ماذا يكون مصير سيئاته؟ وكيف يتخلص منها؟ هذا ينتظره القبر! ففي القبر عذاب لأصحاب الذنوب والسيئات: فمن قصّر في الطهارة من بوله، ومن يغتاب الناس، ومن وقع في النميمة والإفساد بين الناس، يعذَّبُ في قبره، وهذا العذاب يرفع عنه في الآخرة، حتى إذا أراد أن يدخل الجنة لا تكون عليه سيئة واحدة، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ"، (م) 67- (2867). عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه.


وعند أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ"؛ (حم) (24283)، وكل هذا تمحيصٌ للمؤمن قبل أن يصل يوم القيامة.

كذلك بعض الناس يتخذ في الدنيا رفقة صالحة طيبة إذا غاب عنهم سألوا عنه ودعوا له، وهذا هو:




السادس: دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لك بظاهر الغيب، هذا أمره عظيم، وإياك من الرفقة السيئة، رفقةِ السوء، والعياذ بالله، التي كل مجالسها سخريةٌ واستهزاء، وضحك وعدم نظر إلى الآخرة، نسأل الله السلامة، فدعاء المؤمنين وَاسْتِغْفَارُهُمْ لك فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ، مما يخلِّصُك مما تبقى عليك من الذنوب الخطايا، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وقَالَ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "دُعَاءُ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لَا يُرَدُّ"، (بز) (3577)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3379)، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.


ادع لأخيك لن تخسر شيئا، فدعاؤك لأخيك بظاهر الغيب لا يرد، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ"، (م) 87- (2732) عَنْ أم الدرداء.

فإذا أردت الرِّزْق، أو الشفاءَ، أو قضاءَ الديون مثلا، فادعُ لأخيك، فيقول الملك: آمين ولك مثل، وتكون قد اكتسبت الأمرين إن شاء الله.

وإياك ورفقة السوء، حتى لا تندمَ وتقولَ يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة: ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا ﴾، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ"، (ت) (2395)، (د) (4832)، (حم) (11337)، صَحِيح الْجَامِع: (7341)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3036). عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.




كذلك يا عباد الله إذا مات العبد انقطع عمله، لذلك هذا العمل عندما ينقطع تبقى روابط للميت من الأحياء، وهو السابع: مَا يُهْدَى إِلَيْك من أحبابك وأصحابك وأقاربك وأرحامك يهدى إليك بَعْدَ مَوْتِك، مِنْ ثَوَابِ صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ، أو عمرة، أو استغفار، هو ميت لا يستطيع فِعْلَ شيءٍ، لا يستطيع أن يفعل حسناتٍ أو طاعات أو عبادات، مثلنا نحن الأحياء، ويحتاج إلى الأحياء القادرين على ذلك، وَنَحْوِ ذَلِكَ، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].


وثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، (م) 14- (1631)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: (بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ)، فَقَالَتْ: (إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ)، قَالَ: فَقَالَ: "وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ"، قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟!) قَالَ: "صُومِي عَنْهَا"، قَالَتْ: (إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ)؛ أي: ما حجَّت طوال عمرها أبدا، (أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟!) قَالَ: "حُجِّي عَنْهَا"، (م) 157- (1149).


هذا كله في القبر بعد الموت؛ أمّا يوم القيامة؛ وقد بقيت عليه من الثمانية عشر ألفا، بقيت بقية من الذنوب والخطايا، فما الذي يكفرها؟ ما الذي يمحوها؟ إنه السبب:




الثامن: أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشَدَائِدُهُ: فإذا خرج الناس من القبور خرجوا سراعا، ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ [المعارج: 43]، أي: يخرجون من قبورهم مسرعين ويتجهون إلى مكان معين، إلى مكان الحشر.


ففي يوم القيامة يرون الشدائدَ والأهوال، لم يكن يتخيلها أحد، وأشياءَ مفزعةً ومخيفة، كلُّها تحطُّ من سيئاتِ هذا العبد المؤمن، كلُّها تمحو من خطاياه على قدرها، ومن هذا الفزع، عندما قال الله عز وجل في صفات المؤمنين الذين انتهت سيئاتهم لم يبق عليهم سيئة، قال: ﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 103]، ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [النمل: 89].

ويوم القيامة ستقترب الشمسُ من رؤوس العباد، ويغرقُ الناسُ في أعمالهم، فمنهم من يغرق إلى ركبتيه، أو إلى نصفه، أو إلى أذنيه، على قدر أعمالهم السيئة يغرق الإنسان، حتى لا يحاسب بعد ذلك في النار، نسأل الله السلامة.




كذلك وبعد أن انتهى المؤمنون من الصراط المستقيم، وما بقي أمامهم إلا بابُ الجنة يوقف المؤمنون على قنطرة، وهي: السبب التاسع في الخلاص من الذنوب: القنطرةُ تنصب بين الجنة والنار: لمظالم كانت بين المؤمنين، وحقوقٌ بينهم، حتى إذا هذِّبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة، وهذا ما ثبت عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا»، (خ) (6535).


وهذا آخر ما يحدث لهذا المؤمن، بينما بقي بعضهم في النار؛ لأن بعض الناس عندهم ذنوبٌ لا تمحوها إلا النار، نسأل الله السلامة، فيبقون فيها إلى ما شاء الله، لكن الله يرحمهم بتوحيدهم لله، ماتوا موحدين، ماتوا على كلمة لا إله إلا الله، لذلك هؤلاء الناس ماذا يكون لهم من خير؟



يأذن الله لهم بالشفاعة، وهو:

السبب العاشر في الخلاص من الذنوب والسيئات: شفاعةُ الشافعين فيمن دخل النيران على قدر ما بقي من ذنوبهم، يشفع النبيون بما شاءوا من أقوامهم وغيرهم ممن مات على التوحيد، لذلك خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم نصف الأمة تدخل الجنة، أو الشفاعة فاخترت الشفاعة.


فعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَدْرُونَ مَا خَيَّرَنِي رَبِّيَ اللَّيْلَةَ؟" قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهُ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهَا، =أي: من أهل الشفاعة، فـ= قَالَ: "هِيَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"، (ت) (2441)، (جه) (4317) واللفظ له.
وفي وراية: "وَهِيَ لِمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا"، وفي أخرى: «إِنَّهَا لِمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، (حم) (19724).

ولذلك كل نبيٍّ له دعوة، ودعوة الأنبياء مجابة، وكل نبي تعجل دعوته إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ادخرها شفاعة لأهل الكبائر من هذه الأمة، ماتوا وعليهم هذه الذنوب الكثيرة، وهي ذنوب كبيرة، فيشفع لهم، ثبت عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (مَا زِلْنَا نُمْسِكُ عَنِ الاسْتِغْفَارِ لأَهْلِ الْكَبَائِرِ، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْ فِي نَبِيِّنَا) صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "﴿ إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ قَالَ: فَإِنِّي أَخَّرْتُ شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ: (فَأَمْسَكْنَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانَ فِي أَنْفُسِنَا)، (صم) (830)، (طس) (5942)، (يع) (5813)، وحسنه الألباني في ظلال الجنة: (830).

ويُؤذَنُ للمؤمنين الذين دخلوا الجنة مبكِّرين، كلُّ واحدٍ له أن يشفع، فمنهم من يشفع في رجل، ومنهم في رجلين، ومنهم من يشفع في سبعين، كالشهيد يشفع في سبعين في أهل بيته، ومنهم؛ من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من المؤمنين الذين دخلوا الجنة؛ يشفع في عدد قبيلة بأكملها، كما قال صلى الله عليه وسلم.

فقد ثبت في الحديث أن الشهيد ("... يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ")، (ت) (1663)، (جه) (2799)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5182)، وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ: (1374).

وجاء عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرَّجُلَ يَشْفَعُ لِلرَّجُلَيْنِ وَالثَلَاثةِ، وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ"، (خز) في التوحيد: (ص 205)، انظر الصَّحِيحَة: (2505).

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي") ("مِثْلُ الْحَيَّيْنِ أَوْ مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ)؛ =مُثنَّى حيٍّ؛ أي: قبيلتين = ("رَبِيعَةَ وَمُضَرَ") = وهما قبيلتان مشهورتان بكثرة أعدادها = فَقُلْنَا: (سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!) = أي: هل سيشفع أحد غيرك = قَالَ: ("سِوَايَ")، (ت) (2438)، (جه) (4316)، (حم) (22215)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5363)، الصَّحِيحَة: (2178)،صحيح الترغيب: (3646).

وانتظم يا عبد الله، وكن مع إخوانك المسلمين، خصوصًا أهل التوحيد الضعفاء والصالحين، المتمسكين بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أَكثر من هذه الرفقة الصالحة، لماذا؟
لأنهم يوم القيامة سيشفعون لك، يؤذن لهم الشفاعة، فيقولون يوم القيامة بعد أن يتجاوزوا النار، ويتجاوزوا الصراط وإخوان لهم بقوا في جهنم، فـ("يَقُولُونَ: رَبَّنَا؛ إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا")، (فَأَدْخَلْتَهُمْ النَّارَ؟!")، (خ) (7439)، (م) (302- (183)، (س) (5010). ويبقون واقفين حتى يشفعوا فيهم ويدخلونهم ربهم الجنة، وهذا الحديث طويل، واقتصرنا على هذا اللفظ منه.

أما المحرومون من الشفاعة، فهم الذين يكثرون اللعن والسب والشتم، سواء بالقول أو بالكتابة بالقلم، أو على النقر على الفسبكة والتوترة، ما عندهم إلا هذا، هؤلاء محرومون لا يؤذن لهم بالشفاعة لأحد، هذا ما ثبت عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، (م) 86- (2598).



فالنار محرمة على أن يخلدَ فيها موحِّدٌ، وهناك جماعات وفرق ومجموعات كبيرة من الموحدين في جهنم ما شفع فيهم أحد.

فيكون مسكُ الختام وهو عفو أرحم الراحمين مِنْ غَيْرِ شَفَاعَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الشفاعة: "... فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ"، =قبضة من قبضته، وفي وراية: (يخرج ثلاث حثيات) أو (حفنات من جهنم)، في أناس أميتوا، حتى لا يشعروا بالعذاب بعد أن أميتوا وأصبحوا حمما، أو فحما، وجيء بهم بعفو أرحم الراحمين ضبائرَ ضبائر، أي: حُزَم حُزَم = "فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الْحَيَاةِ = أو الحيا، هذا النهر يحيي الموتى بأمرِ الله عز وجل، فتبدأ هذه الأجساد بالنمو والعودة إلى حالتها الطبيعية، وتُنفخ فيها الروح، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة بعفو أرحم الراحمين، لا بعملِ كثير قدموه، ولا بشفاعةِ شافعين، وإنما بتوحيدهم لربِّ العالمين، يرحمهم فيدخلهم الجنة برحمته، فماذا يسميهم أهل الجنة؟ يقولون عنهم: الجهنميون، (خ) (6559). فيغير الله هذا الاسم القبيح، ويضع على رقابهم بطاقات مكتوب عليها: عتقاء الله من النار، ففي صحيح مسلم في حديث الشفاعة الطويل، قال: "فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ، فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ؛ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللهِ، الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ،..."، (خ) (7439)، (م) 302- (183) واللفظ له.

وفي رواية: "وَيُكْتَبُ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَلْ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الْجَبَّارِ"، (حم) (12469)، فاللهم أعتق رقابنا من النار.

فهذا ما أخبرنا به رسول الله، الذي صلى عليه الله في كتابه، وصلت عليه الملائكة، وأمر المؤمنين أن يصلوا عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.


اللهم لا تدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالِمًا غانمًا يا رب العالمين.

اللهم فُكَّ أسر المأسورين، وسجن المسجونين، واقضِ الدين عن المدينين، ونفِّس كرب المكروبين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].




الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد (https://www.alukah.net/authors/view/home/7208/الشيخ-فؤاد-بن-يوسف-أبو-سعيد/)





شبكة الالوكة

ام رونزا
10-11-2022, 01:36 AM
بارك الله فيكى ياقلب