المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير الشيخ الشعراوى(سورة االمائدة)الآية 40{ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)


امانى يسرى محمد
10-10-2022, 04:44 PM
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}

يستخدم الحق سبحانه من أساليب البيان ما يخرجنا عن الغفلة، فلم يقل: (الله له ملك السموات والأرض)، ولو كان قد قال ذلك لكان الأمر خَبَراً من المتكلم وهو الله، ولكنه يريد أن يكون الخبر من المُخَاطَب إقراراً من العبد. ولا يخرج الخَبَر مَخرج الاستفهام إلا وقائل الخبر واثِقٌ من أن جواب الاستفهام في صالحه؛ والمثال على هذا هو أن يأتيك إنسان ويقول: (انت تهملني). فتقول: أنا أحسنت إليك.
ولكن إن أردت أن تستخرج الخَبَر منه فأنت تقول: ألم أُحْسِن إليك؟ وبذلك تستفهم منه، والاستفهام يريد جوابا. فكأن المسئول حين يجيب عليه أن يدير ذهنه في كل مجال ولا يجد إلا أن يقول: نعم أنت أحسنت إليّ. ولو جاء ذلك من المتكلم لكانت دعوى، لكن إن جاءت من المُخاطَب فهي إقرار، ومثال ذلك قول الحق: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1].


إنه خَبرٌ من المتكلم والإقرار من المتلقي. وقد يقول قائل ولماذا لم يقل الحق: (أشرحنا لك صدرك)؟ كان من الممكن ذلك، ولكن الحق لم يقلها حتى لا يكون في السؤال إيحاء بجواب الإثبات بل جاءت بالنفي.
وفي قوله الحق: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 40].
نجد منطوق الآية ليس دعوى من الحق، ولكنه استفهام للخلق ليديروا الجواب على هذا، فلا يجدوا جواباً إلا أن يقولوا: {للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض}. وهذا أسلوب لإثبات الحجة والإقرار من العباد، لا إخباراً من الحق: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض}، وقد يقول إنسان: إن هناك أجزاء من الأرض ملكا للبشر. ونقول: صحيح أن في الأرض أجزاء هي ملك للبشر، ولكن هناك فرق بين أن يملك إنسان ما لا يقدر على الاحتفاظ به.. كملك البيت والأرض، إنه مِلْك- بكسر الميم- لمالك. وهناك (مُلْك)- بضم الميم- لِمَلِكٍ هو الله. وفي الدنيا نجد أن لكل إنسان ملكية ما. ولكن المَلِك في الأرض يملك القرار في أملاك شعبه، وهذا في دنيا الأسلوب، أما في الآخرة فالأسباب كلها تمتنع: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16].
فلا أحد له مُلكٌ يوم القيامة.



{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} والقارئ بإمعان للقرآن يجد فيه عبارات تجمع بين أمرين أحدهما يتقدم، والآخر يتأخر. ويأتي الأمر في أحيان أخرى بالعكس. ولكن هذا القول هو الوحيد في القرآن الذي يأتي على هذا النسق، فكل ما جاء في القرآن يكون الغفران مقدّماً على العذاب؛ لأن الحق سبحانه قال في الحديث القدسي:«إن رَحمتي سبقت غَضبي».
فلماذا جاء العذاب في هذه الآية مقدماً على الغُفران: {يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} هل السبب هو التَّفنَّن في الأساليب؟
لا؛ لأن جمهرة الآيات تأتي بالغفران أولاً، ثم بالوعيد بالعذاب لمن يشاء سبحانه. ولننظر إلى السّياق. جاء الحديث أولاً عن السارق والسارقة، وبعد ذلك عمّن تاب. فالسرقة إذن تقتضي التعذيب، والتوبة تقتضي المغفرة، إذن فالترتيب هنا منطقي.

ونلحظ أن هذا القول قد جاء بعد آية السرقة وبعد آية الإعلام بأن له مُلْكَ السموات والأرض. ولذلك كان لابد من تذييل يخدم الاثنين معاً. ليؤكد سيطرة القدرة. وحين يريد الحق أن يرحم واحداً. فليس في قدرة المرحوم أن يقول: (لا أريد الرحمة). وحين يعذب واحداً لن يقول المعذَّب- بفتح الذال-: (لا داعي للعذاب). فسيطرة القدرة تؤكد أنه لا قدرة لأحد على رَدِّ العذاب أو الرحمة. إذن فالآية قد جاءت لتخدم أغراضاً مُتعددة. فإن حسبناها في ميزان الأحداث فللحق كل القدرة. وإن حسبناها في ميزان الزمن، فكيف يكون الأمر؟.
نعرف أن التعذيب للسّرقة قسمان.. تعذيب بإقامة الحَدّ، وفي الآخرة تكون المغفرة. إذن فالكلام منطقي مُتَّسق.
إنني أقول دائماً: إياكم أن تُخدَعوا بأن الكافر يكفر، والعاصي يعصى دون أن ينال عقابه؛ لأن من تعوَّد أن يتأبَى على منهج الله، فيكفر أو يعصي لابد له من عقاب. لقد تمرَّدَ على المنهج، ولكنه لا يجرؤ على التَمرُّد على الله.

إن الإنسان قد يتمرد على المنهج فلا يؤمن أو لا يقيم الصلاة، لكن لا قدرة لإنسان أن يتمرد على الله، لأنه لا أحد يقدر على أن يقف في مواجهة الموت، وهو بعضٌ من قُدْرةِ الله. وسبحانه وتعالى يحكم ما يريد. وقد أراد أن يوجِد للإنسان اختياراً في أشياء، وأن يقهر الإنسان على أشياء، فيا من مرَّنت نفسك على التمرّد على منهج الله عليك أن تحاول أن تتمرّد على صاحب المنهج وهو الله. ولن تستطيع لا في شكلك ولا لونك ولا صحتك ولا ميعاد موتك. وليفتح كل مُتَمرِّد أذنيه، وليعرف أنه لن يقدر على أن يَتمرَّد على صاحب المنهج وهو الله. إذن صدق قول الله: {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.


نداء الايمان

ام رونزا
10-11-2022, 01:36 AM
بارك الله فيكى ياقلب