المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقوبات اعوجاج اللسان الدنيوية والأخروية


امانى يسرى محمد
10-29-2022, 09:03 PM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].




أيها المسلمون، هناك شيء إذا أحسن الإنسان استعماله، أوصله إلى كثير من الخيرات الدنيوية والأخروية، ومتى أساء الولاية عليه، ساق إليه كثيرًا من الأضرار العاجلة والآجلة.




والعجيب أن كل إنسان يعرف هذا عن هذا الشيء الصغير في حجمه، الكبير في أثره، ولكن الكثير من الناس يتغافلون عن سلوك سبيل منافعه، وينساقون نحو سبل معاطبه.



يناديهم القرآن أن يحذروا من خطره؛ حتى يسلَمُوا من ضرره، ولكن القليل مِنَ الناس مَن يستجيب لذلك النداء.



وتناديهم السنة النبوية أن يسارعوا إلى استغلاله في صالح الأمور؛ حتى ينالوا كثيرًا من الأجور، غير أن المعرِضين أكثر من المستجيبين.



وتناديهم أقوال الحكماء، ونصائح العقلاء، وعِبر الزمان ومواعظه، بأن يُمسكوا زمامه إلا في الخير، غير أن أكثر الخلق عن تلك العِظات في صَمَمٍ مُطْبِق.



هل عرفتم - معشر المسلمين - ما نتحدث عنه؟ إنه اللسان الذي به يُكرم المرء، أو يُهان.



عباد الله، لقد خلق الله تعالى اللسان لينتفع به الإنسان، ويصل به إلى ما يرجو من المصالح، ويستدفع به ما يخشاه من المضارِّ، وجعله سيد الجوارح الذي إذا استقام استقامت، وإذا اعوَّج اعوَّجت.



عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان - أي: تخضع له وتذِل - فتقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا))[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn2).



وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "اللسان قِوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللسان لم تقُم له جارحة".



بل إن للسان أثرًا على القلب؛ صلاحًا وفسادًا؛ فزيادة صلاحه بصلاح اللسان، وزيادة فساده بفساد اللسان.



فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه))[3] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn3).



فإذا كان ابن آدم - معشر المسلمين - حريصًا على حفظ لسانه، رقيبًا على كل ما يصدر عنه، فما أكثر صلاحه وهداه! وما أسلم مآله وعُقباه!



عن يونس بن عبيد قال: "ما من الناس أحدٌ يكون لسانه منه على بال، إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله".



وأما إذا فسد اللسان، فما أكثر ما يفسد من الجوارح! وما أعظم ما يجر من المصائب والشرور على صاحبه وعلى غيره!



فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه، فقال: "يا لسان، قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرٍّ تسلم، من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أكثر خطأ ابن آدم في لسانه))[4] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn4).



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان))؛ أي: شره وفحشه[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn5).



قال بعض أهل العلم: إن اللسان من نِعَمِ الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة؛ فإنه صغير جِرمه، عظيم طاعته وجُرمه؛ إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والعصيان، وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسانُ؛ فإنه لا تعبَ في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه، وقد تساهل الخَلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله، وإنه أعظم آلة للشيطان في استغواء الإنسان".



واللسان رحب الميدان، ليس له مردٌّ، ولا لمجاله منتهى وحدٌّ، له في الخير مجال رحب، وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلق عذبة اللسان، وأهمله مرخيَّ العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جُرف هارٍ، إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيَّده بلجام الشرع، فلا يُطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويكُفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله.



ذلك أن خطر اللسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلا بالصمت؛ فلذلك مدح الشرع الصمت وحث عليه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((من صمت نجا))[6] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn6)[7] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn7).



ولهذا كانت السلامة - أيها الكرام - في إمساك اللسان، وإطالة حبسه، إلا في نفع يُرجى ثوابه، أو مباح يُؤمَن سوء عاقبته.



قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجنٍ من اللسان".



أيها المؤمنون، إن الكلمة التي ينطقها الإنسان أو يكتبها لها شأن خطير، وأثر كبير؛ فرُبَّ كلمة تجلب ثوابًا، أو تمنع عقابًا، أو تصلح شقاقًا، أو تهدي ضالًّا، أو ترشد حائرًا، أو تطفئ محنة، أو تقطع دابرَ فتنة، أو تُدخل الجنة، ويُنال بها رضوان رب العالمين.



ورُبَّ كلمة أخرى تجني إثمًا، وتظلم فهمًا، وتشعل فتنًا، وتصنع محنًا، وتضل إنسانًا، وتمحو إيمانًا، وتهيج شرًّا كان كامنًا، وتخيف من أمسى آمنًا، وتسوق إلى البوار، وتُدخل صاحبها النار.



واسمعوا ما روى علقمة وما قال عقب ما روى: عن علقمة بن أبي وقاص الليثي قال: سمعت بلال بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم لَيتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة))[8] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn8)؛ قال علقمة: "كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث!".



قال الشاعر:

أرى تحت الرماد وميضَ نارٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فيوشك أن يكون لها ضِرامُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فإن النار بالعُودين تُذْكى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن الحربَ أولها الكلامُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





أيها الإخوة الفضلاء، أرأيتم عِظَمَ الكلمة التي يتفوَّه بها اللسان، وخطر آثارها على الإنسان.



ألا إن كثيرًا من البشر لم تنفع معهم المواعظ، ولم تُجْدِ نفعًا في زجرهم النصائحُ، حتى يحسنوا استعمال اللسان في الكلام الذي لا يضر النطق به.



ولما كان صلاح اللسان والسلامة من فساده أمرًا لا بد منه لصلاح الدين والدنيا، رتَّبت الشريعة الحكيمة على بعض الكلمات كفاراتٍ في الدنيا.



وهي في الحقيقة عقوبات على عَجَلَةِ اللسان، وتهاون صاحبه في إطلاق العنان له.



والحكمة من تلك العقوبات الشرعية: أن يُمسك الناس ألسنتهم، ويراقبوا كلماتهم قبل النطق بها، ولا يعودوا إلى ما قالوا.



فالرجل حين يقول لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي أو أختي أو بنتي، أو نحوها من العبارات الداخلة في حكم الظِّهار - فالعقوبة والكفارة لهذا القول المتعدي: تحرير رقبة، فإن لم يجد المظاهِر ذلك فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا.



وكم إنسان يعض أصابع الندم بعد قول هذه الكلمة، ويتمنى أنه ما نطق بها؛ لثقل كفارتها هذه! وليس هذا فحسب، بل إنه لا يجوز للمظاهر أن يقرب زوجته حتى يقوم بهذه الكفارة.



وحين يقذف الرجل أو المرأة رجلًا أو امرأة بالفاحشة من غير بيِّنة فالعقوبة: أن يُجلد القائل ثمانين جلدة، ولا تُقبل له شهادة بين المسلمين حتى يتوب من فسقه.



وعندما يحلف الإنسان فيحنث فكفارة ذلك: أن يطعم عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام؛ وقد قال الله تعالى له عقب ذلك: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89].



وإذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق، وكانت الطلقة الثالثة، وقد يكون ذلك باستعجال من غير تريُّث وسبب صحيح يدعو إلى الطلاق؛ فالنتيجة: أن زوجته تحرم عليه فلا تعود إليه إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره؛ حتى يراقب بعد ذلك لسانه فلا يتلفظ إلا بما رأى فيه السلامة وحسن العاقبة، والمصلحة المتحققة.



وكم من إنسان تلفَّظ بالطلاق من غير تعقُّل وحكمة فرجع نادمًا، وأسف على عجلة لسانه الذي أورده إلى هذا المورد!



هذا – معشر الفضلاء - في حق الخَلق، وأما فيما يتعلق بحق الله أو رسله أو كتابه أو دينه، فإن الواجب حفظ اللسان عن كل قول يسيء إلى هذه المقدسات؛ فمن نطق بكلمة سوء في حقها وحكم عليها الشرع بالكفر، فقد خرج عن الإسلام، وصار مرتدًّا، تجري عليه أحكام المرتدين في الشريعة الإسلامية.



قال الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 65، 66].



ونزلت هذه الآيات لقول بعض الناس في غزوة تبوك: ((ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء))؛ يريدون رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه.



عباد الله، إن الإنسان حين يعيش بين الناس حافظًا للسانه، مقبلًا على شأنه، لا يسمع الناس منه إلا الجواب الطيب، والخطاب الحسن؛ فإنه يسلم من شرهم، وتعظُم منزلته عندهم.



ولكن عندما يفحُش قوله، وينطق لسانه بالسوء؛ سبًّا وشتمًا وطعنًا وسخرية وعدوانًا قوليًّا عليهم؛ فإنه يجني مرَّ فَلَتَات لسانه، وعواقب بذِيْءِ قوله؛ فكم من مشكلة جرت بين الناس أدت إلى عراك أو جراح أو قتل سببها بذاءة اللسان وعدوانه!



ومن يقرأ في كتب التراجم والتاريخ والآداب يجد شعراء قتلتهم أشعارهم الهجائية؛ فما الذي قتل الشاعر طرفة بن العبد إلا هجاؤه؟ وما الذي قتل الشاعر سالم بن دارة؟ وما الذي قتل الشاعر أحمد بن الحسين الملقب بالمتنبي إلا هجاؤه؟



وهذا أعشى همدان كان ممن خرج مع ابن الأشعث على الحجَّاج، وهجاه بقصائد، ومدح ابن الأشعث بأخرى، حتى ظفر به الحجاج فصار أسيرًا بين يديه، وهو القائل في مدح ابن الأشعث:

وإذا سألت المجد أين محله https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالمجد بين محمدٍ وسعيدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بين الأشجِّ وبين قيس باذخ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بخٍ بخٍ لوالده وللمولود https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





فلما أتى به الحجاج بعد هزيمة ابن الأشعث قال له: أنت المبخبخ بهجائك؟ وجعل يُعدِّد بعض أبياته التي أثنى بها على ابن الأشعث، ثم قال: يا غلام، اضرب عنقه، والله لا تبخبخ بعده لأحد.



نسأل الله أن يصلح ألسنتا، ويسدد مقالنا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وكرمه بنطق اللسان، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان، على نبينا محمد، ما بقيَ الزمان، وتعاقب الجديدان، وسلم تسليمًا؛ أما بعد:

فيا أيها المسلمون، إن الإنسان الذي لم يحفظ لسانه في الدنيا عن الباطل، بل عاش مرسِلًا له العَنان في مساوئ القول، فإنه ينال يوم القيامة قسطًا من العقاب الشديد؛ جزاء تفريطه، وعدم توبته من فحش لسانه.



فشرُّ اللسان يوم القيامة سببٌ للإفلاس من الحسنات:

قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إن المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيَت حسناته قبل أن يقضيَ ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار))[9] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn9).



وشر اللسان يوم القيامة سبب لدخول النار:

قال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزِلُّ بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب))[10] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn10).



وقال عليه الصلاة والسلام: ((من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه، أسكنه الله رَدْغَةَ الخَبال، حتى يخرج مما قال))[11] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn11)، وردغة الخبال: صديد أهل النار.



وقد يكون شر الكلام - الذي يورد صاحبه النار - في مزاح وإضحاك بالباطل؛ قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((ألا هل عسى رجل منكم أن يتكلم بالكلمة يُضحك بها القوم؛ فيسقط بها أبعد من السماء، ألا عسى رجل يتكلم بالكلمة يُضحك بها أصحابه؛ فيسخط الله بها عليه، لا يرضى عنه حتى يُدخِله النار))[12] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftn12).



ألا فاتقوا الله - عباد الله - في ألسنتكم؛ بالاحتراز من زَلَلِها، والتقليل مما لا فائدة منه في كلامها، وليكن النطق فيما به نفع أو دفع ضرر، وليكن القول في زمانه ومكانه المناسبين، وبقدر الحاجة، واختيار الألفاظ والمعاني الموافقة للحال، بلا إكثار ولا إقلال، قبل أن يندم العَجِلُ في قوله، والمسيء في نطقه، والمتعدي بشر لسانه على بني جنسه.



واعلموا - رحمكم الله - أن القلم أحد اللسانين، فكما يُطلب من الإنسان أن يُحفظ لسانه إلا من خير، يُطلب منه كذلك أن يحفظ قلمه، واليوم نابت (لوحة المفاتيح) على الجوال والحاسوب مناب القلم كثيرًا، فاتقوا الله في هذه الوسيلة عندما تكتبون فيها عبر رسائل نصية، أو رسائل، أو منشورات، أو مقاطع، عبر الواتساب أو التلجرام أو الفيسبوك أو تويتر أو اليوتيوب وغيرها من الوسائل، فإن الرسالة أو التعليق أو التسجيل أو إعادة الإرسال لذلك كلها داخلة في حكم القول الذي يجلب الحسنات أو السيئات، والمنافع أو المضرات، والمحبة أو العداوات، وإذا كان قول اللسان يخرج ويذهب ويُنسى أحيانًا، فإن النطق عبر وسائل الاتصالات أو التواصل الاجتماعي قد يدوم ويبقى ويصل إلى أعداد لا يعلمهم إلا الله.



فطوبى لمن أطاب الكلام في كل الأحوال، وأحسن إلى الأنام في الأقوال والأعمال، وخرج من الدنيا وليس على لسانه ذنوب، يُحاسب عليها بين يدي علام الغيوب.



جعلنا الله وإياكم ممن استعمل لسانه في الخيرات، وحبسه عن السوء والمضرات.

هذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير...


[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref1) ألقيت في مسجد الشوكاني - مشورة - في: 18/ 3/ 1444هـ، 14/ 10/ 2022م.


[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref2) رواه أحمد والترمذي، وهو حسن.

[3] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref3) رواه أحمد بسند حسن.

[4] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref4) رواه البيهقي والطبراني، وهو صحيح.

[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref5) رواه البيهقي وأبو يعلى، وهو صحيح.

[6] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref6) رواه أحمد والترمذي وغيرهما، وهو صحيح.

[7] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref7) إحياء علوم الدين (3/ 108).

[8] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref8) رواه أحمد وابن حبان وغيرهما، وهو صحيح.

[9] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref9) رواه مسلم.

[10] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref10) متفق عليه.

[11] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref11) رواه الحاكم وصححه.


[12] (https://www.alukah.net/sharia/0/158230/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%A9/#_ftnref12) رواه أبو الشيخ، وهو صحيح.



عبدالله بن عبده نعمان العواضي (https://www.alukah.net/authors/view/home/8009/عبدالله-بن-عبده-نعمان-العواضي/)



شبكة الالوكة