المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ


امانى يسرى محمد
11-10-2022, 10:09 PM
تفسير الشيخ الشعراوى



{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}المائدة

الخبيث لا يستوي أبداً مع الطيب، بدليل أن الإنسان منا إذا ما ذهب لشراء سلعة فهو يفرز البضاعة ليختار الطيب ويبتعد عن الخبيث. وهذه قضية كونية مثلها تماماً مثل عدم تساوي الأعمى والبصير، وعدم استواء الظلمات والنور. ويأتي الحق إلى المحسات ليأخذ منها ما يوضح لنا الأمر المعنوي. ولذلك يحذرنا أن نغتر بكميات الأشياء ومقدارها، فإن الطيب القليل هو أربى وأعظم وأفضل من الكثير الخبيث. والأمر الطيب قد يرى الإنسان خيره في الدنيا، ومن المؤكد أن خيره في الآخرة أكثر بكثير مما يتصور أحد؛ لأن عمر الآخرة لا نهاية له، أما عمر الدنيا فهو محدود.

وكثير من الناس عندما يحضرون قسمة ما، فكل واحد يرغب في أن يأخذ لنفسه النصيب الأكبر؛ لأن الإنسان تغريه الكثرة. وهذا الطمع يشيع الخبث في جميع ما يأخذه الطامع، فالذي يطمع في حفنة من قمح- على سبيل المثال- تزيد على حقه، فهو يفسد حياته بهذا الشيء الخبيث. وذلك كخلط الماء الطاهر بماء نجس فتغلب النجاسة على الماء. إذن فلا يصح أن نحكم على الأشياء بكميتها وقَدْرِها، ولكن يجب أن نحكم على الأشياء بكيفيتها وصفتها وبعمرها في الخير.
والمثال الذي لا أمل من تكراره هو التلميذ الذي يكد لمدة عشرين عاماً فهو يتخرج إنساناً له مكانة لائقة، أما التلميذ الذي يقضي عشرين عاماً في اللعب واللهو فهو يتلقى وينال مستقبلا فاشلا مؤلما. إذن، على كل منا أن يقدر النفعية بديمومتها، ولا يغتر بكثرة الخبيث.
والمثال يتكرر في حياتنا ولابد أن نضعه أمام أعيننا لنرعى الله ولا ننساق كما ينساق كثير من الناس إلى هلاكهم، فبعض الناس لا يرتضون قسمة الله في مواريثهم، فيعطي بعضُهم للذكور ولا يعطي للإناث. أو يقلل من نصيب الإناث. ونقول لمن يفعل ذلك: أنت لا تعلم ماذا تفعل. ولو أن ابنك الذكر يعلم أن يد الله في الأشياء لقال لك: ارحمني ولا تزدني؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قال: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء: 11].

ولذلك يجب أن ينتبه الناس إلى أن قسمة الله هي أعدل قسمة، وإياك أن تظلم ابناً لك أو قريباً بزيادة فوق ما قدره الله له؛ لأن هذا عين الظلم. فإن فاتت على المورِّث وهو حي نقول لمن أخذ: احذر ولا تقبل ما هو فوق شرع الله وأَعِدْ ما هو فوق حقك. افعل ذلك برجولة الإيمان. وإياك أن تظن أن الذي سيديم الستر لأولادك هو هذه الزيادة التي ليس لك حق فيها؛ لأنك بهذه الزيادة ستقطع الأرحام وتغرس بذور الكراهية والبغض.

ولو نظرت إلى هذه المسألة وأقمتها على ما شرعه الله فستجد أن الرزق سيفيض عليك من كل جانب ما دمت قد راعيت حق الله في إرادته التي حكم بها لينشأ الاستطراق الأسري وتظهر العدالة الربانية؛ لذلك يجب ألا يجتريء أحد على قسمة الله؛ لذلك أقول لكل من يقرأ هذه الكلمات ويفكر في الاجتراء على قسمة الله.

تُب إلى الله ولا يصح أن تشوه استقامتك الإيمانية. وإياك أن يظن إنسان أنه كأب يمكنه أن يحتاط لأبنائه. فكثيراً ما رأينا أناساً تركهم أهلهم أغنياء وصاروا في عوز وفاقة وفقر، ورأينا أناساً أهلهم فقراء، وأفاض الله عليهم من رزقه، فسبحانه القائل: {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ الله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء: 9].

إذن فعلى المؤمن أن يحذر الكثرة إن كان بها شيء خبيث. ولنا العبرة في الحكاية التي حدثت مع أبي جعفر المنصور حينما بويع للخلافة، وذهب الناس يهنئونه بإمارة المؤمنين، ودخل عليه سيدنا مقاتل بن سليمان وكان أحد الواعظين.
هنا قال أبو جعفر لنفسه: جاء ليعكر علينا صفو يومنا، سأبدأه قبل أن يبدأني وقال له: عظنا يا مقاتل. قال مقاتل: أعظك بما رأيت أم بما سمعت؟
ذلك أن السمع أكثر من الرؤية، فالرؤية محدودة ومقصورة على ما تدركه العين، لكن السمع متعدد؛ لأن الإنسان قد يسمع أيضاً تجارب غيره من البشر.

قال أبو جعفر: تكلم بما رأيت. قال: يا أمير المؤمنين، مات عمر بن عبد العزيز وقد ترك أحد عشر ولداً. وخلف ثمانية عشر ديناراً كُفن منها بخمسة، واشتروا له قبراً بأربعة، ثم وزع الباقي على ورثته. ومات هشام بن عبد الملك، فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار، غير الضياع والقصور. كان نصيب الزوجات الأربع هو ثلاثمائة وعشرون ألف دينار، وهذا هو ثُمن التركة فقط. والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت بعيني هاتين في يوم واحد ولداً من أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله، وولدا من أولاد هشام بن عبد الملك يسأل الناس في الطريق.
إذن فعلى كل منا أن يعرف أنه لم يدخل الدنيا بثروة، وعليه أن يتأدب مع الله ويرعى حق الله، ولا يتدخل في قسمة الله.

{قُل لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث فاتقوا الله ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100].
على المسلم- إذن- أن يستحضر كل ملكاته العقلية حتى يميز الخبيث من الطيب ويرفض الشيء الخبيث؛ لأننا لو تدبرنا الحكم بعقولنا لوصلنا إلى أن حكم الله هو الحكم الحق العادل.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والفلاح- كما نعلم- مأخوذ من أمر محس وهو فلح الأرض، فالإنسان يأخذ حبة قمح ويزرعها فتعطيه سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. والحق سبحانه يسمي لنا كل عمل الآخرة بالفلاح؛ لأن الكلمة لها وقعها الجميل، فإذا كانت الأرض، وهي مخلوقة من مخلوقات الله بما تحتويه من كل العناصر اللازمة للزرع واللازمة لكل حياة، هذه الأرض تعطينا لقاء حبة قمح سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، فكم يعطيك خالق الأرض؟ فاتق الله أيها المسلم ولا تتدخل في قسمة الله، وضع أمامك هذا التوجيه الحكيم الذي ورد في الأثر: شرّكم من ترك عياله بخير وأقبل على الله بشرِّ.

وعلى الأبناء الذي ابتلوا بهذا أن يراجعوا الأمر بنخوة إيمانية؛ لأن الأب حينما أحب ابناً له وزاد له في الميراث كان أحمق الحب، وعلى الابن أن يحترم عاطفة الحب، وأن يجازي الأب عنها ويرحمه، فيعيد الأمر إلى نصابه ويعطي كل ذي حق حقه حتى لا يتعرض أبوه لعذاب النار الذي سيناله نتيجة تدخله لصالحه في قسمة الله.

نداء الايمان

https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_11/image.png.5bc4bb3e63e39077ec642731b7a03afb.png (https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_11/image.png.5bc4bb3e63e39077ec642731b7a03afb.png)