السنة النبوية الشريفة

كل ماأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول او فعل او تقرير او صفة خلقية او خُلقية,سم للأحاديث النبوية و شرحها مع ذكر الراوي و مصدر الحديث.

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=23755
1593 0
انواع عرض الموضوع
02-09-2023 06:56 AM
#1  

افتراضيمن درر العلامة ابن القيم عن السنة النبوية


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:


فالسنة النبوية، من المواضيع التي بحثَها العلَّامة ابن القيم رحمه الله في أكثر من كتاب من مصنفاته، ولا غَرْوَ في ذلك، فالناسُ بحاجةٍ إلى تحكيم السُّنَّة، والتحاكُم إليها، ودعوة الناس إليها، في جميع أمورهم الدينية والدنيوية.



هذا وقد يسَّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا مما ذكره العلَّامة ابنُ القيم رحمه الله عن السُّنَّة في بعض كتبه، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.




أشرح الناس صدرًا، وأرفعهم ذكرًا أتبعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

أتبع الناس لرسوله صلى الله عليه وسلم أشرحُهم صدرًا، وأوضعُهم وزرًا، وأرفعهم ذكرًا، وكلما قويت متابعتُه علمًا وعملًا وحالًا واجتهادًا، قويت هذه الثلاثة حتى يصير صاحبُها أشرح الناس صدرًا، وأرفعهم في العالمين ذكرًا، وأما وَضْعُ وِزْرِه فكيف لا يُوضَع عنه وِزْرُه ومَن في السماوات والأرض ودوابُّ البرِّ والبحر يستغفرون له؟



وهذه الأمور الثلاثة متلازمة، كما أضدادها متلازمة، فالأوزار والخطايا تقبضُ الصدر وتُضيقه، وتُخمِل الذكر وتضعُه، وكذلك ضيق الصدر يضع الذكر ويجلب الوِزْر، فما وقع أحد في الذنوب والأوزار إلا من ضيق صدره وعدم انشراحه، وكلما ازداد الصدر ضيقًا كان أدعى إلى الذنوب والأوزار؛ لأن مرتكبها إنما يقصد بها شرح صدره، ودفع ما هو فيه من الضيق والحرج، وإلا فلو اتسع بالتوحيد والإيمان ومحبة الله ومعرفته وانشرح بذلك لا ستغنى عن شرحه بالأوزار؛ [الكلام على مسألة السماع].




ما يدعو إليه الرسول حياة القلوب وما يدعو إليه مخالفوه هو موت القلوب:

ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو حياة القلوب، ونجاة النفوس، ونور البصائر، وما يدعو إليه مخالفوه فهو موت القلوب، وهلاك النفوس، وعَمَى البصائر، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: 24].



وتأمَّل كيف أخبر عن حيلولته بين المرء وقلبه بعد أمره بالاستجابة له ولرسوله، كيف تجد في ضمن هذا الأمر والخبر أن من ترك الاستجابة له ولرسوله حالَ بينه وبين قلبه، عقوبةً له على ترك الاستجابة، فإنه سبحانه يُعاقب القلوب بإزاغتها عن هداها ثانيًا، كما زاغت هي عنه أولًا، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5]، وقال: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [الأنعام: 110]، وقال: ﴿ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [التوبة: 127]، فصرف قلوبهم عن الهدى ثانيًا، لما انصرفوا عنه بعد إذ جاءهم أولًا.



وقد حذَّر سبحانه من خالف أمر رسوله بإصابة الفتنة في قلبه وعقله ودينه، وإصابة العذاب الأليم له، إما في الآخرة أو في الدنيا والآخرة، فقال: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، قال سفيان وغيره من السلف: وأي فتنة؟ إنما هي الكفر.



وأخبر سبحانه وتعالى أن من تولى عن طاعة رسوله، فإنه لا بدَّ أن يُصيبه بمصيبةٍ وقارعةٍ بقدر توليه عن طاعته، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 49]؛ [الكلام على مسألة السماع].





وجوب الرجوع إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله عند التنازع:

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59]، وقد أجمع الناس على أن الردَّ إلى الله هو الردُّ إلى كتابه، والردُّ إلى الرسول هو الردُّ إليه في حياته، وإلى سُنَّته بعد مماته، فأمر سبحانه عباده المؤمنين أن يردوا ما تنازعوا فيه إليه وإلى رسوله وخاطبهم أولًا بلفظ الإيمان، ثم جعل- آخرًا- الإيمان شرطًا في هذا الرد، فالإيمان يوجب عليهم هذا الردَّ وينتفي عند انتفائه، فمن لم يردَّ ما تنازع فيه هو وغيره إلى الله ورسوله لم يكن مؤمنًا.



وتأمَّل قوله: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ كيف أعاد الفعل وهو طاعة الرسول، ليدل أنه يُطاع استقلالًا، وإنْ أمرَ بما ليس في القرآن الأمرُ به، ونهى عما ليس في القرآن النهيُ عنه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يُعد الفعل في طاعة أولي الأمر؛ بل جعلها ضمنًا وتبعًا لطاعة الرسول، فإنهم إنما يُطاعون تبعًا لطاعة الرسول إذا أمروا بما أمر به، ونهوا عما نهى عنه، لا تجب طاعتُهم في كل ما يأمرون به وينهون عنه.



ثم قال: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ ولم يقل: "وإلى الرسول" إعلامًا بأن ما رُدَّ إلى الله فقد رُدَّ إلى رسوله، وما رُدَّ إلى رسوله فقد رُدَّ إليه سبحانه، وأن ما حكم به فقد حكم به رسولُه، وما حكم به رسولُه فهو حكمه سبحانه.



وقال: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ وهذا يعمُّ دقيق ما تنازع فيه المسلمون وجليله، فمَن ظنَّ أن هذا في شرائع الإسلام دون حقائق الإيمان، وفي أعمال الجوارح دون أعمال القلوب...أو في فروع الدين دون أصوله وباب الأسماء والصفات والتوحيد؛ فقد خرج عن موجب الآية علمًا وعملًا وإيمانًا؛ [الكلام على مسألة السماع].




الذين يعارضون الرسل بعقولهم بسبب جهلهم وضلالهم المركَّب والبسيط:

إذا علم الإنسان بعقله أن الرسول أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينافي خبره، كان الواجب عليه أن يسلم لما أخبر به الصادق الذي هو أعلم منه، وينقاد له، ويتهم عقله، ويعلم أن عقله بالنسبة إليه أقل من عقل أجهل الخلق بالنسبة إليه هو... فيا لله العجب! إذا كان عقله يوجب عليه أن ينقاد لطبيب... فيما يخبر به من قوى الأدوية والأغذية والأشربة... وصفاتها وكمياتها ودرجاتها... لظنه أنه... أعلم بهذا الشأن منه، وأنه إذا صدقه كان في تصديقه حصول الشفاء والعافية، مع علمه بأنه يخطئ كثيرًا، وأن كثيرًا من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب؛ بل يكون استعماله لما يصفه سببًا من أسباب هلاكه... وكيف لا يسلك هذا المسلك مع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؟!... والذين عارضوا أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال المركَّب والبسيط ما لا يُحصيه إلا مَن هو بكل شيء محيط؛ [الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة].




كل من عارض نصوص الأنبياء بقياسه ورأيه، فهو من أتباع الشيطان:

اللعين...الحكمة كانت توجب عليه خضوعه لآدم فعارض حكمة الله وأمره برأيه الباطل ونظره الفاسد، فقياسُه باطلٌ نصًّا وعقلًا، وكل من عارض نصوص الأنبياء بقياسه ورأيه، فهو من خلفائه وأتباعه، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة من هذا البلاء الذي ما رُمي العبد بشرٍّ منه، ولأن يلقى الله بذنوب الخلائق كلها ما خلا الإشراك به أسلمُ له مِن أن يلقى الله وقد عارض نصوص أنبيائه برأيه ورأي بني جنسه؛ [بدائع الفوائد].




أصحُّ الناس عقلًا مَن كان عقله موافقًا للسُّنَّة:

أعلم الناس وأصحهم عقلًا ورأيًا واستحسانًا: من كان عقلُه ورأيُه واستحسانه وقياسه موافقًا للسُّنَّة لأن الرأي المخالف للسُّنَّة جهل...فصاحبه ممَّن اتَّبَع هواه بغير هُدًى من الله وغايته الضلال في الدنيا والشقاء في الآخرة؛[إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان].




الأخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك كل ما خالفه:

الذي ندين الله به ولا يسعنا غيره أن الحديث إذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذُ بحديثه، وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنًا من كان، لا راويه ولا غيره؛ إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث، أو لا يحضُره وقت الفُتْيا، أو لا يتفطَّن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأوَّل فيه تأويلًا مرجوحًا، أو يقوم في ظنِّه ما يُعارِضُه، ولا يكون معرضًا في نفس الأمر، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه.


ولو قُدِّر انتفاء ذلك كله - ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه- لم يكن الراوي معصومًا، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك؛ [أعلام الموقعينعن ربِّ العالمين].





من اتبع الرسول عليه الصلاة والسلام بقلبه وعمله فإن الله عز وجل معه:

قوله تعالى: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ [التوبة: 40]، فمن أصح الإشارات إشارة هذه الآية، وهي أن من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به بقلبه وعمله، وإن لم يصحبه ببدنه فإن الله معه؛ [الكلام على مسألة السماع].




وجوب الانقياد والتسليم لحكم الرسول في جميع مسائل النزاع:

قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]، فأقسم سبحانه بأجلِّ مُقسم به - وهو نفسه عز وجل- على أنهم لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يُحكِّموا رسوله في جميع موارد النزاع، وهو كل ما شجر بينهم من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين، فإن لفظة (ما) من صيغ العموم، فإنها موصلة تقتضي نفي الإيمان إذا لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم.


ولم يقتصر على هذا حتى ضمَّ إليه انشراح الصدر بحكمه؛ حيث لا يجدوا في أنفسهم حرجًا - وهو الضِّيقُ والحصر - من حُكمه، بل يتلقوا حكمه بالانشراح، ويقابلوه بالقبول، لا أنهم يأخذونه على إغماض، ويشربونه على قذًى، فإن هذا منافٍ للإيمان؛ بل لا بدَّ أن يكون أخذه بقبول ورضًا وانشراح صدر.


ومتى أراد العبدُ أن يعلَمَ منزلته من هذا، فلينظر في حاله وليُطالع قلبه عند ورود حُكمه على خلاف هواه وغرضه، أو خلاف ما قلَّد أسلافه من المسائل الكبار وما دونها، ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة: 14، 15] ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضمَّ إليه قوله: ﴿ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]، فذكر الفعل مُؤكدًا له بمصدره القائم مقام ذكره مرتين، وهو الخضوع له والانقياد لما حكم به طوعًا ورضًا وتسليمًا لا قهرًا ومصابرةً كما يسلم المقهور لمن قهره كرهًا؛ بل تسليم عبد محب مطيع لمولاه وسيِّده الذي هو أحبُّ شيء إليه، يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه، ويعلم أنه أولى به من نفسه، وأبرُّ به منها، وأرحمُ به منها، وأنصحُ له منها، وأعلم بمصالحه منها، وأقدرُ على تحصيلها؛ [الرسالة التبوكية].




أقسام الخلائق بالنسبة لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام:

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوته وما بعثه الله به من الهدى في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ ما بعثني اللهُ به من الهُدْى والعِلْم كمثل غَيْثٍ أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكَلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادِبَ أمسكَت الأرضَ، فسقى الماء وزَرَعُوا، وأصاب طائفةً أخرى إنما هي قِيعانٌ لا تُمسِك ماءً ولا تُنبِت كلأً، فذلك مثل مَن فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هُدى الله الذي أُرسلت به)) فشبَّه صلى الله عليه وسلم العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سببُ حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.


وشبَّه القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث، كما شبَّه سبحانه القلوب بالأودية في قوله تعالى: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا [الرعد: 17].






وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث:

إحداها: أرض زكية قابلة للشرب والنبات، فإذا أصابها الغيث ارتوت ثم أنبتت من كل زوج بهيج، فهذا مثل القلب الزكي الذكي، فهو يقبل العلم بذكائه، ويثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه، فهو قابل للعلم، مثمر لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.


والثانية: أرض صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بورودها والسقي منها والازدراع، وهذا مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرف له فيه ولا استنباط؛ بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((فرُبَّ حاملِ فِقْهٍ إلى مَن هو أفْقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فِقْهٍ غير فقيهٍ)).


والأرض الثالثة: أرض قاع، وهو المستوى الذي لا يقبل النبات ولا يمسك الماء، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع بشيء منها.

فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه؛ وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ الماء، وهو مثل الفقير الذي لا مال له، ولا يحسن يمسك مالًا.

فالأول: عالم معلم، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرسل.

والثاني: حافظ مؤدٍّ لما سمعه، فهذا يحمل إلى غيره ما يتجر به المحمول إليه ويستثمر.

والثالث: لا هذا ولا هذا، فهو الذي لم يقبل هدًى الله، ولا رفع به رأسًا.


فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم؛ منها قسمان سعيدان، وقسم شقي، فعلى العاقل الناصح لنفسه أن ينظر من أي الأقسام هو، ولا يغتر بالعادة ويخلد إلى البطالة، فإن كان من قسم سعيد انتقل منه إلى ما هو فوقه وبذل جهده، والله ولي التوفيق والنجاح.


وإن كان من قسم شقي انتقل منه إلى القسم السعيد في زمن الإمكان، قبل أن يقول: ﴿ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان: 27]؛ [الرسالة التبوكية].




الردُّ في كل تنازعٍ في مسائل الدين إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله:

قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ [النساء: 59] نكرة في سياق الشرط تعُم كلَّ ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين: دِقِّه وجِلِّه، جليِّه وخفيِّه، ولو لم يكن في كتاب الله وسنة رسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن كافيًا، لم يأمر بالرَّد عليه؛ إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرَّدِّ عند النزاع إلى مَن لا يوجد عنده فصل النزاع؛ [أعلامالموقعين عن رب العالمين].




الشرور العامة والشر والألم والغَمُّ الذي يصيب العبد بسبب مخالفة الرسول:

ومَن تدبر العالم والشرور الواقعة فيه، علم أن كل شر في العالم فسببه مخالفة الرسول والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنما هو بسبب طاعة الرسول، وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هو من موجبات مخالفة الرسول وما يترتب عليه، فلو أن الناس أطاعوا الرسول حقَّ طاعته لم يكن في الأرض شرٌّ قط.


وهذا كما أنه معلوم في الشرور العامة والمصائب الواقعة في الأرض، فكذلك هو في الشرِّ والألم والغَمِّ الذي يُصيب العبد في نفسه، فإنما هو بسبب مخالفة الرسول؛ وإلا فطاعتُه هي الحصن الذي مَن دخله فهو من الآمنين، والكهف الذي مَن لجأ إليه فهو من الناجين.


فلا نجاة للعبد ولا سعادة إلا باجتهاده في معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علمًا، والقيام به عملًا، وكمال هذه السعادة بأمرين آخرين:

أحدهما: دعوة الخلق إليه.

والثاني: صبره وجهاده على تلك الدعوة؛ [الرسالة التبوكية].




من ائتمَّ بأهل السُّنَّة قبله ائتمَّ به مَن بعده ومَن معه:

أثنى الله سبحانه على عباده المؤمنين الذين يسألونه أن يجعلهم أئمة يُهتدى بهم، فقال تعالى في صفات عباده: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]، قال مجاهد: اجعلنا مؤتمين بالمتقين، مقتدين بهم، وهذا من تمام فهم مجاهد رحمه الله، فإنه لا يكون الرجل إمامًا للمتقين حتى يأتم بالمتقين، فمن ائتمَّ بأهل السُّنَّة قبله، ائتمَّ به من بعده ومن معه؛ [رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه].




إبطال السُّنَّة بدعوى النسخ والإجماع:

اتخذ كثير من الناس دعوى النسخ والإجماع سُلَّمًا إلى إبطال كثير من السُّنَن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بالهيِّن، ولا تتركُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّةً صحيحة أبدًا بدعوى إجماع ولا دعوى نسخ، إلا أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخِّر، نقلته الأُمةُ وحفِظته؛ إذ محال على الأُمَّة أن تُضيِّع الناسخ الذي يلزمها حفظه، وتحفظ المنسوخ الذي قد بطَل العمل به، ولم يبق من الدين، وكثير من المُقلِّدة المتعصبين إذا رأوا حديثًا يخالف مذهبهم يتلقونه بالتأويل، وحمله على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلًا، فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم، فزِعوا إلى دعوى الإجماع على خلافه، فإن رأوا من الخلاف ما لا يُمكنهم معه دعوى الإجماع، فزِعُوا إلى القول بأنه منسوخ، وليست هذه طريق أئمة الإسلام؛ بل أئمة الإسلام كلهم على خلاف هذه الطريق، وأنهم إذا وجدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّةً صحيحةً صريحةً لم يبطلوها بتأويل، ولا دعوى إجماع، ولا نسخٍ؛ [الصلاة].




منزلة السُّنَّة مع كتاب الله تعالى:

الذي يجب على كل مسلم اعتقاده أنه ليس في سُنَن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سُنَّةٌ واحدةٌ تخالف كتاب الله؛ بل السُّنَن مع كتاب الله تعالى على ثلاث منازل:

المنزلة الأولى: سنة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل.

المنزلة الثانية: سنة تُفسِّر الكتاب، وتبيِّن مراد الله منه، وتقيِّد مطلقه.

المنزلة الثالثة: سنة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب، فتُبيِّنه بيانًا مبتدأً.


ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة، وليس للسُّنَّة مع كتاب الله منزلة رابعة؛ [الطرُق الحكمية في السياسة الشرعية].




تلقِّي السُّنَّة بالسمع والطاعة، وعدم ردها بدعوى عدم ظهور الحكمة:

تُتلقى السُّنَّة بالسمع والطاعة والإذعان، سواء ظهر لنا وجه حُكْمه أو لم يظهر.


ولو رُدَّت السُّنَن بعدم ظهور الحكمة والمناسبة، لكان ذلك ردًّا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وخروجًا عن المتابعة، وخلعًا لربقة العبودية من العنق، ولو ساغ للعبد ألَّا يقبل من السُّنَّة إلا ما رأى فيه الحكمة والمناسبة، لبطل الدين وتلاعب به المبطلون، وصار عُرضةً لردِّ الرادِّين، وعياذًا بالله من هذا الرأي الباطل؛ [رفع اليدين في الصلاة].




الحذر من تقديم الآراء والعقول على سُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام:

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2]، فإذا كان رفعُ أصواتهم فوق صوته سببًا لحِبُوط أعمالهم، فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟ أو ليس هذا أولى أن يكون مُحبطًا لأعمالهم؟؛ [أعلام الموقعين عن رب العالمين].


فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ



شبكة الالوكة








الكلمات الدلالية (Tags)
من, القيم, النبوية, السنة, العلامة, ابن, درر, عن


الانتقال السريع


الساعة الآن 12:57 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل