رابعاً: ما كان مملوكاً لك من عقار للسكن وسيارة خاصة ومزرعة بقصد الانتفاع منها لا بقصد التجارة، لا تجب فيها الزكاة. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
قَالَ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. كيف يلقي سيدنا موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الألواح، وفيها كلام الله تعالى؟ ا
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾. يَعْنِي جَعَلَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُوسَى مَحْبُوبَاً عِنْدَهُ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ كَانَ كَرِيمَاً عَلَى النَّاسِ، وَمَحْبُوبَاً عِنْدَهُمْ، وَيَفْتَحُ اللهُ لَهُ القُلُوبَ المُغْلَقَةَ، فَقَدْ فَتَحَ اللهُ تعالى لَهُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَقَلْبَ زَوْجَتِهِ ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدَاً﴾. فَكَلِمَةُ ﴿وَأَلْقَيْتُ﴾ تَعْنِي: جَعَلْتُ.
ثانياً: لَمَّا رَجَعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَوَجَدَ قَوْمَهُ قَدِ اتَّخَذُوا العِجْلَ، غَضِبَ غَضَبَاً شَدِيدَاً، وَحَزِنَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الحُزْنِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً﴾.
الأَسَفُ: هُوَ المُبَالَغَةُ في الحُزْنِ وَالغَضَبِ، أَمَّا كَلِمَةُ آسَفَهُ فَتَعْنِي أَغْضَبَهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾. يَعْنِي: فَلَمَّا أَغْضَبُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ.
فَسَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا رَأَى مِنْ قَوْمِهِ مَا رَأَى غَضِبَ أَشَدَّ الغَضَبِ مَعَ أَشَدِّ الحُزْنِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾؟
وَقَالَ لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدَاً حَسَنَاً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾.
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الخِطَابِ لِقَوْمِهِ أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَخَاهُ سَيِّدَنَا هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَوَضَعَ الأَلْوَاحَ التي تَلَقَّاهَا مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَانِبَاً لِسُؤَالِ أَخِيهِ وَلِلَوْمِهِ لَوْمَاً شَدِيدَاً، ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّهُ قَـصَّرَ عَنْ مَقْدِرَةٍ، قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾.
فَبَيَّنَ لَهُ سَيِّدُنَا هَارُونُ المَوْقِفَ، وَقَالَ لَهُ كَمَا أَخْبَرَنَا تعالى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
وَكَانَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَدِيدَ الغَضَبِ للهِ تعالى، لَكِنَّهُ سَرِيعُ الفَيْءِ، فَعِنْدَمَا عَرَفَ الحَقِيقَةَ مِنْ أَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. طَلَبَ الغُفْرَانَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَلْقَى التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ مَا حَمَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ غَيِّهِمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ﴾. لَا يَعْنِي أَنَّهُ رَمَاهَا، بَلْ وَضَعَهَا جَانِبَاً، وَسَأَلَ اللهَ المَغْفِرَةَ لَهُ أَوَّلَاً لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ﴾. أَيْ: هَؤُلَاءِ الذينَ كَفَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَخَذُوا يُدَبِّرُونَ للقَضَاءِ عَلَيْهِ.
وَالمَكْرُ: هُوَ التَّدْبِيرُ الذي يَجْتَهِدُ صَاحِبُهُ في إِخْفَائِهِ عَمَّنْ يَمْكُرُ بِهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
مَكْرٌ مَحْمُودٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً جَمِيلاً.
وَمَكْرٌ مَذْمُومٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً قَبِيحاً.
قَالَ تعالى في المَكْرَيْنِ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرَاً وَمَكَرْنَا مَكْرَاً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. فَمَكْرُ اللهِ تعالى مَحْمُودٌ، وَمَكْرُهُمْ مَذْمُومٌ، وَمِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ» رواه الترمذي وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَالكُفَّارُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَكَرُوا، يَعْنِي دَبَّرُوا حِيلَةً لِقَتْلِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ دَبَّرَ أَمْرَاً آخَرَ لِحِمَايَتِهِ، فَأَلْقَى شَبَهَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ مَكَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَيْهِ، وَاللهُ تعالى خَيْرُ مَنْ يُدَبِّرُ الأُمُورَ، وَلَا يَغْلِبُهُ أَحَدٌ.
فَمَكْرُ اللهِ تعالى صِفَةُ مَدْحٍ في حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خِدَاعُ وَمَكْرُ المَاكِرِينَ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ حِيَلُهُمْ وَأَكَاذِيبُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيطِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَعَلَى إِفْشَالِ خُطَطِهِمْ التي دَبَّرُوهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. فَيَعْنِي: اذْكُرْ يَا رَسُولَ اللهِ للعِظَةِ وَالاعْتِبَارِ قِصَّةَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِذْ قَالَ اللهُ تعالى لَهُ في نِدَاءٍ رَحِيمٍ: إِنِّي مُنَجِّيكَ مِنْ أَذَى الذينَ مَكَرُوا بِكَ.
قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. هَذِهِ التَّوْفِيَةُ لَيْسَتْ كَتَوْفِيَةِ بَاقِي الأَنْفُسِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾.
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ كَلِمَةَ ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الوَفَاةِ، بَلْ هِيَ مِنَ التَّوْفِيَةِ فَاللهُ تَعَالَى وَفَّاهُ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ البَقَاءِ فِي الأَرْضِ؛ كَمَا تَقُولُ: وُفِّيَ العَامِلُ حَقَّهُ، أَيْ: بِدُونِ نُقْصَانٍ.
وَلَيْسَ في الآيَةِ إِشَارَةٌ إلى أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَيْهِ رُوحَاً، كَمَا تُرْفَعُ أَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، بَلْ رَفَعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾.
مَا دَامَ الذينَ مَكَرُوا بِهِ أَرَادُوا قَتْلَهُ رَفَعَهُ اللهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَلَا يَصْلُحُ مُقَابِلَاً لَهُمَا رَفْعُهُ بِالرُّوحِ.
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ رَفْعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ، لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمَاً عَادِلَاً، فَـلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ القِلَاصُ (جَمْعُ قَلُوصٍ وَهِيَ مِنَ الإِبِلِ كَالفَتَاةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالحَدَثِ مِنَ الرِّجَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُزْهَدَ فِيهَا وَلَا يُرْغَبَ في اقْتِنَائِهَا لِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ القِلَاصُ لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الإِبِلِ التي هِيَ أَنْفَسُ الأَمْوَالِ عِنْدَ العَرَبِ) فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى المَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ». وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَيَنْزِلُ بِجَسَدِهِ الطَّاهِرِ مِنَ المَلَكُوتِ الأَعْلَى.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَبْطَلَ كَيْدَ الذينَ أَرَادُوا قَتْلَ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَهُ تَبَارَكَ وتعالى إِلَيْهِ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا الرَّفْعُ فِيهِ إِشَارَةٌ إلى مَعْنَى الكَرَامَةِ وَالإِعْزَازِ وَالحِمَايَةِ، وَأَنَّهُ تعالى حَامِيهِ مِنْهُمْ، وَمَانِعُهُ دُونَهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَتْلِهِ.
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلى الأَرْضِ، لِأَنَّ الوَاوَ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَالمَعْنَى إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذينَ كَفَرُوا، وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ أَنْ تَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
ما تفسير قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؟ وهل كان يريد أجراً على دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُظْهِرَ تَرَفُّعَهُ وَسُمُوَّهُ عَنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِهَا، لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِهِ وَأَخْلَاقِهِ، فَهُوَ القَائِلُ لِعَمِّهِ: «يَا عَمِّ، وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْته» كذا في الرَّوْضِ الأُنُفِ.
وَهُوَ القَائِلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَهُوَ القَائِلُ لِقَوْمِهِ عِنْدَمَا عَرَضُوا عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا وَقَالُوا لَهُ: فَإِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بِهَذَا الحَدِيثِ مَالَاً فَذَلِكَ لَكَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ تَجْمَعَ لَهُ حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالَاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَرَفَاً فَنَحْنُ مُشَرِّفُوكَ حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ فَوْقَكَ وَلَا تُقْطَعَ الأُمُورُ دُونَكَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا عَنْ لَمَمٍٍ يُصِيبُكَ لَا تَقْدِرُ عَنِ النُّزُوعِ عَنْهُ بَذَلْنَا لَكَ خَزَائِنَنَا حَتَّى يُعْذَرَ في طَلَبِ الطِّبِّ لِذَلِكَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكَاً مَلَّكْنَاكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الوَلِيدِ؟». قَالَ: نَعَمْ.
فَقَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. حَتَّى مَرَّ بِالسَّجْدَةِ فَسَجَدَ، وَعُتْبَةُ مُلْقٍ يَدَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا. رواه ابن عساكر.
فَحَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ النَّاسِ.
إِذَا كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ﴾. فَهَلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ أَجْرَاً؟
وَكَيْفَ يَطْلُبُ أَجْرَاً وَاللهُ تعالى قَالَ لَهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾؟
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ، فَيَكُونُ المَعْنَى: لَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي جُعْلَاً وَلَا مُكَافَأَةً وَلَا نَفْعَاً مَادِّيَّاً، وَلَكِنْ أَطْلُبُ تَقْدِيرَ صِلَةِ الرَّحِمِ والقَرَابَةِ التي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَتَكُفُّوا شَرَّكُمْ عَنِّي، وَتَذَرُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّي، فَالمَوَدَّةُ لَيْسَتْ أَجْرَاً، وَقَدْ روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ﴿إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾.
قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : «إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاشَاهُ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ الـبَشَرِ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ أَجْرَهُ عَلَى اللهِ تعالى ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ﴾.
وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى أَنْ يَقُولَ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. يَعْنِي: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي شَيْئَاً مِنَ الأَجْرِ وَالمَالِ، بَلْ أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَذَرُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، فَلَا تُؤْذُونِي بِمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ، وَطَلَبُ المَوَدَّةِ لَيْسَ أَجْرَاً، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ لِي رَجُلٌ: قَالُوا للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا أَو لَنَأْمُرَنَّهَا فَلَتُخْبِلَنَّكَ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ﴾.
لَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَوِّفُونَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن آلِهَتِهِمْ، وَيُحَذِّرُونَهُ مِنْ غَضَبِهَا، عِنْدَمَا يَصِفُهَا بِأَنَهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَمْلِكُ حَوْلَاً وَلَا قُوَّةً، وَكَانُوا يَتَوَعَّدُونَهُ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُفَّ عَنْ ذِكْرِهَا بِسُوءٍ فَسَتُصِيبُهُ بِالأَذَى، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾؟
فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى كَافِيَهُ، فَمَنْ ذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَاذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ العُبُودِيَّةِ، وَقَامَ بِحَقِّهَا حَقَّ القِيَامِ، فَمَنِ الذي يَشُكُّ في كِفَايَةِ اللهِ تعالى لِعَبْدِهِ، وَهُوَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ؟
﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ كَيْفَ يَخَافُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ في قَبْضَةِ اللهِ تعالى؟
فالذي يَحْرُسُهُ اللهُ تعالى لَا يُخِيفُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ وَاضِحَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلى دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ اللهَ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَمَشِيئَتُهُ هِيَ النَّافِذَةُ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ الذي يَعْلَمُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الضَّلَالَةَ فَيُضِلُّهُ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الهُدَى فَيَهْدِيهِ، وَإِذَا قَـضَى أَمْرَاً فَلَا رَادَّ لَهُ.
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. بَلَى؛ إِنَّهُ عَزِيزٌ قَوِيٌّ يُجَازِي كُلَّاً بِمَا يَسْتَحِقُّ، فَيَنْتَقِمُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الانْتِقَامَ، وَيَحْفَظُ وَيَرْعَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ.
وَهَلْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكْفِيَهُ اللهُ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ، كَسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾. بَلَى وَرَبِّي كَافِيهِ.
اللَّهُمَّ بِجَاهِهِ عِنْدَكَ اكْفِنَا شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ بِمَا شِئْتَ وَكَيْفَ شِئْتَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
قَالَ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. كيف يلقي سيدنا موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الألواح، وفيها كلام الله تعالى؟ ا
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾. يَعْنِي جَعَلَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُوسَى مَحْبُوبَاً عِنْدَهُ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوبَاً عِنْدَ اللهِ كَانَ كَرِيمَاً عَلَى النَّاسِ، وَمَحْبُوبَاً عِنْدَهُمْ، وَيَفْتَحُ اللهُ لَهُ القُلُوبَ المُغْلَقَةَ، فَقَدْ فَتَحَ اللهُ تعالى لَهُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَقَلْبَ زَوْجَتِهِ ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدَاً﴾. فَكَلِمَةُ ﴿وَأَلْقَيْتُ﴾ تَعْنِي: جَعَلْتُ.
ثانياً: لَمَّا رَجَعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَوَجَدَ قَوْمَهُ قَدِ اتَّخَذُوا العِجْلَ، غَضِبَ غَضَبَاً شَدِيدَاً، وَحَزِنَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الحُزْنِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفَاً﴾.
الأَسَفُ: هُوَ المُبَالَغَةُ في الحُزْنِ وَالغَضَبِ، أَمَّا كَلِمَةُ آسَفَهُ فَتَعْنِي أَغْضَبَهُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾. يَعْنِي: فَلَمَّا أَغْضَبُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ.
فَسَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا رَأَى مِنْ قَوْمِهِ مَا رَأَى غَضِبَ أَشَدَّ الغَضَبِ مَعَ أَشَدِّ الحُزْنِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾؟
وَقَالَ لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدَاً حَسَنَاً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾.
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الخِطَابِ لِقَوْمِهِ أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَخَاهُ سَيِّدَنَا هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَوَضَعَ الأَلْوَاحَ التي تَلَقَّاهَا مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ جَانِبَاً لِسُؤَالِ أَخِيهِ وَلِلَوْمِهِ لَوْمَاً شَدِيدَاً، ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّهُ قَـصَّرَ عَنْ مَقْدِرَةٍ، قَالَ تعالى عَنْ هَذَا المَوْقِفِ: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾.
فَبَيَّنَ لَهُ سَيِّدُنَا هَارُونُ المَوْقِفَ، وَقَالَ لَهُ كَمَا أَخْبَرَنَا تعالى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
وَكَانَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَدِيدَ الغَضَبِ للهِ تعالى، لَكِنَّهُ سَرِيعُ الفَيْءِ، فَعِنْدَمَا عَرَفَ الحَقِيقَةَ مِنْ أَخِيهِ هَارُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. طَلَبَ الغُفْرَانَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَلْقَى التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ مَا حَمَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ غَيِّهِمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ﴾. لَا يَعْنِي أَنَّهُ رَمَاهَا، بَلْ وَضَعَهَا جَانِبَاً، وَسَأَلَ اللهَ المَغْفِرَةَ لَهُ أَوَّلَاً لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّبِعَةَ عَلَى أَخِيهِ، وَطَلَبَ المَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُمْ خَوْفَاً مِنْهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ * إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ﴾. أَيْ: هَؤُلَاءِ الذينَ كَفَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَخَذُوا يُدَبِّرُونَ للقَضَاءِ عَلَيْهِ.
وَالمَكْرُ: هُوَ التَّدْبِيرُ الذي يَجْتَهِدُ صَاحِبُهُ في إِخْفَائِهِ عَمَّنْ يَمْكُرُ بِهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
مَكْرٌ مَحْمُودٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً جَمِيلاً.
وَمَكْرٌ مَذْمُومٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى بِهِ فِعْلاً قَبِيحاً.
قَالَ تعالى في المَكْرَيْنِ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرَاً وَمَكَرْنَا مَكْرَاً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. فَمَكْرُ اللهِ تعالى مَحْمُودٌ، وَمَكْرُهُمْ مَذْمُومٌ، وَمِنْ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ» رواه الترمذي وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَالكُفَّارُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَكَرُوا، يَعْنِي دَبَّرُوا حِيلَةً لِقَتْلِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ دَبَّرَ أَمْرَاً آخَرَ لِحِمَايَتِهِ، فَأَلْقَى شَبَهَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ مَكَرُوا بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَيْهِ، وَاللهُ تعالى خَيْرُ مَنْ يُدَبِّرُ الأُمُورَ، وَلَا يَغْلِبُهُ أَحَدٌ.
فَمَكْرُ اللهِ تعالى صِفَةُ مَدْحٍ في حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، وَذَلِكَ أَنَّهُ بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خِدَاعُ وَمَكْرُ المَاكِرِينَ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ حِيَلُهُمْ وَأَكَاذِيبُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وتعالى قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيطِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَعَلَى إِفْشَالِ خُطَطِهِمْ التي دَبَّرُوهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. فَيَعْنِي: اذْكُرْ يَا رَسُولَ اللهِ للعِظَةِ وَالاعْتِبَارِ قِصَّةَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِذْ قَالَ اللهُ تعالى لَهُ في نِدَاءٍ رَحِيمٍ: إِنِّي مُنَجِّيكَ مِنْ أَذَى الذينَ مَكَرُوا بِكَ.
قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. هَذِهِ التَّوْفِيَةُ لَيْسَتْ كَتَوْفِيَةِ بَاقِي الأَنْفُسِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾.
وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ كَلِمَةَ ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الوَفَاةِ، بَلْ هِيَ مِنَ التَّوْفِيَةِ فَاللهُ تَعَالَى وَفَّاهُ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنَ البَقَاءِ فِي الأَرْضِ؛ كَمَا تَقُولُ: وُفِّيَ العَامِلُ حَقَّهُ، أَيْ: بِدُونِ نُقْصَانٍ.
وَلَيْسَ في الآيَةِ إِشَارَةٌ إلى أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَيْهِ رُوحَاً، كَمَا تُرْفَعُ أَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، بَلْ رَفَعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينَاً * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾.
مَا دَامَ الذينَ مَكَرُوا بِهِ أَرَادُوا قَتْلَهُ رَفَعَهُ اللهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً، لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَلَا يَصْلُحُ مُقَابِلَاً لَهُمَا رَفْعُهُ بِالرُّوحِ.
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ رَفْعَهُ رُوحَاً وَجَسَدَاً مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ سَيَنْزِلُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ، لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمَاً عَادِلَاً، فَـلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ القِلَاصُ (جَمْعُ قَلُوصٍ وَهِيَ مِنَ الإِبِلِ كَالفَتَاةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالحَدَثِ مِنَ الرِّجَالِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُزْهَدَ فِيهَا وَلَا يُرْغَبَ في اقْتِنَائِهَا لِكَثْرَةِ الأَمْوَالِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ القِلَاصُ لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الإِبِلِ التي هِيَ أَنْفَسُ الأَمْوَالِ عِنْدَ العَرَبِ) فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى المَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ». وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَيَنْزِلُ بِجَسَدِهِ الطَّاهِرِ مِنَ المَلَكُوتِ الأَعْلَى.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَبْطَلَ كَيْدَ الذينَ أَرَادُوا قَتْلَ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَفَعَهُ تَبَارَكَ وتعالى إِلَيْهِ رُوحَاً وَجَسَدَاً، وَهَذَا الرَّفْعُ فِيهِ إِشَارَةٌ إلى مَعْنَى الكَرَامَةِ وَالإِعْزَازِ وَالحِمَايَةِ، وَأَنَّهُ تعالى حَامِيهِ مِنْهُمْ، وَمَانِعُهُ دُونَهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَتْلِهِ.
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ سَيَمُوتُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلى الأَرْضِ، لِأَنَّ الوَاوَ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾. لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَالمَعْنَى إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذينَ كَفَرُوا، وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ أَنْ تَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
ما تفسير قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؟ وهل كان يريد أجراً على دعوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
الاجابة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُظْهِرَ تَرَفُّعَهُ وَسُمُوَّهُ عَنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعِهَا، لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِهِ وَأَخْلَاقِهِ، فَهُوَ القَائِلُ لِعَمِّهِ: «يَا عَمِّ، وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي، عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْته» كذا في الرَّوْضِ الأُنُفِ.
وَهُوَ القَائِلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَهُوَ القَائِلُ لِقَوْمِهِ عِنْدَمَا عَرَضُوا عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِكُلِّ صُوَرِهَا وَأَشْكَالِهَا وَقَالُوا لَهُ: فَإِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بِهَذَا الحَدِيثِ مَالَاً فَذَلِكَ لَكَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ تَجْمَعَ لَهُ حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالَاً، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَرَفَاً فَنَحْنُ مُشَرِّفُوكَ حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ فَوْقَكَ وَلَا تُقْطَعَ الأُمُورُ دُونَكَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا عَنْ لَمَمٍٍ يُصِيبُكَ لَا تَقْدِرُ عَنِ النُّزُوعِ عَنْهُ بَذَلْنَا لَكَ خَزَائِنَنَا حَتَّى يُعْذَرَ في طَلَبِ الطِّبِّ لِذَلِكَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكَاً مَلَّكْنَاكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الوَلِيدِ؟». قَالَ: نَعَمْ.
فَقَرَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. حَتَّى مَرَّ بِالسَّجْدَةِ فَسَجَدَ، وَعُتْبَةُ مُلْقٍ يَدَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا. رواه ابن عساكر.
فَحَاشَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ النَّاسِ.
إِذَا كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ﴾. فَهَلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ أَجْرَاً؟
وَكَيْفَ يَطْلُبُ أَجْرَاً وَاللهُ تعالى قَالَ لَهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾؟
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ، فَيَكُونُ المَعْنَى: لَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي جُعْلَاً وَلَا مُكَافَأَةً وَلَا نَفْعَاً مَادِّيَّاً، وَلَكِنْ أَطْلُبُ تَقْدِيرَ صِلَةِ الرَّحِمِ والقَرَابَةِ التي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَتَكُفُّوا شَرَّكُمْ عَنِّي، وَتَذَرُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّي، فَالمَوَدَّةُ لَيْسَتْ أَجْرَاً، وَقَدْ روى الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ﴿إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾.
قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلَّا وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : «إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاشَاهُ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرَاً مِنَ الـبَشَرِ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ أَجْرَهُ عَلَى اللهِ تعالى ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ﴾.
وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى أَنْ يَقُولَ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. يَعْنِي: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّي شَيْئَاً مِنَ الأَجْرِ وَالمَالِ، بَلْ أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَذَرُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، فَلَا تُؤْذُونِي بِمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ، وَطَلَبُ المَوَدَّةِ لَيْسَ أَجْرَاً، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ روى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ لِي رَجُلٌ: قَالُوا للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا أَو لَنَأْمُرَنَّهَا فَلَتُخْبِلَنَّكَ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ﴾.
لَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَوِّفُونَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن آلِهَتِهِمْ، وَيُحَذِّرُونَهُ مِنْ غَضَبِهَا، عِنْدَمَا يَصِفُهَا بِأَنَهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَمْلِكُ حَوْلَاً وَلَا قُوَّةً، وَكَانُوا يَتَوَعَّدُونَهُ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُفَّ عَنْ ذِكْرِهَا بِسُوءٍ فَسَتُصِيبُهُ بِالأَذَى، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾؟
فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى كَافِيَهُ، فَمَنْ ذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَاذَا يُخِيفُهُ؟ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ العُبُودِيَّةِ، وَقَامَ بِحَقِّهَا حَقَّ القِيَامِ، فَمَنِ الذي يَشُكُّ في كِفَايَةِ اللهِ تعالى لِعَبْدِهِ، وَهُوَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ؟
﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ كَيْفَ يَخَافُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ في قَبْضَةِ اللهِ تعالى؟
فالذي يَحْرُسُهُ اللهُ تعالى لَا يُخِيفُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ وَاضِحَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلى دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ اللهَ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَمَشِيئَتُهُ هِيَ النَّافِذَةُ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ الذي يَعْلَمُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الضَّلَالَةَ فَيُضِلُّهُ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الهُدَى فَيَهْدِيهِ، وَإِذَا قَـضَى أَمْرَاً فَلَا رَادَّ لَهُ.
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. بَلَى؛ إِنَّهُ عَزِيزٌ قَوِيٌّ يُجَازِي كُلَّاً بِمَا يَسْتَحِقُّ، فَيَنْتَقِمُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الانْتِقَامَ، وَيَحْفَظُ وَيَرْعَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ.
وَهَلْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكْفِيَهُ اللهُ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ، كَسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾. بَلَى وَرَبِّي كَافِيهِ.
اللَّهُمَّ بِجَاهِهِ عِنْدَكَ اكْفِنَا شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الفُجَّارِ بِمَا شِئْتَ وَكَيْفَ شِئْتَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى حكاية عن الرجل المؤمن: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ الذي يُقَالُ عَنِ اسْمِهِ حَبِيبٌ النَّجَّارُ، قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرَاً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئَاً وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذَاً لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾.
عِنْدَمَا قَالَ هَذَا الكَلَامَ قَتَلُوهُ، وَكَانَ بِذَلِكَ شَهِيدَاً، فَقِيلَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: ادْخُلِ الجَنَّةَ؛ تَكْرِيمَاً لَهُ بِدُخُولِهَا بَعْدَ قَتْلِهِ، كَمَا هِيَ سُنَّةُ اللهِ تعالى في الشُّهَدَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. فَلَمَّا عَايَنَ نَعِيمَهَا ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ﴾. وَهَذَا مَا وَرَدَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَهَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ تَمَنَّى أَنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ بِحَالِهِ لِيَعْلَمُوا حُسْنَ مَآلِهِ، وَحَمِيدَ عَاقِبَتِهِ؛ أَو تَمَنَّى ذَلِكَ لِيُؤْمِنُوا مِثْلَ إِيمَانِهِ، فَيَصِيرُوا إلى مَا صَارَ إِلَيْهِ.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: نَصَحَ قَوْمَهُ حَيَّاً وَمَيْتَاً؛ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى شَفَقَةِ وَرَحْمَةِ المُؤْمِنِ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
قَالَ تعالى في حق أهل النار: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾. هل يفهم من هذه الآية أن أهل النار لا يسمعون، مع أن الله تعالى قال: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقَاً وَهِيَ تَفُورُ﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ قَالَ تعالى في الكَافِرِينَ: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيَاً وَبُكْمَاً وَصُمَّاً﴾. وَجَاءَ تَأْكِيدُ هَذَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾. فَأَهْلُ النَّارِ يَسْمَعُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ، يَسْمَعُونَ شَهِيقَ جَهَنَّمَ وَزَفِيرَهَا، وَيَسْمَعُونَ صَوْتَ مَنْ يَتَوَلَّى تَعْذِيبَهُمْ مِنَ الزَّبَانِيَةِ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمَاً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾. وَ لَكِنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مَا يَسُرُّهُمْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَأَهْلُ النَّارِ يَكُونُونَ في عَمَاءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَا يَسْمَعُونَ مَا تَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِحُجَّةٍ، فَهُمْ يُصِيبُهُمْ العَمَى وَالصَّمَمُ وَالبَكَمُ، كَمَا عَمُوْا عَنِ الحَقِّ فَلَمْ يُبْصِرُوهُ، وَعَنِ الاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ، وَعَنِ النُّطْقِ بِهِ، فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا يَسْمَعُونَ مَا يَلَذُّ لَهُمْ سَمَاعُهُ، وَلَا يَنْطِقُونَ بِمَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا في الدُّنْيَا: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال
ما معنى قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَاً﴾. حَقَائِقُ يُؤَكِّدُهَا اللهُ تعالى.
الحَقِيقَةُ الأُولَى: أَنَّ الإِنْسَانَ إِنِ اهْتَدَى فَهِدَايَتُهُ عَائِدَةٌ بِالخَيْرِ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَلَّ فَضَلَالُهُ مَغَبَّتُهُ عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾.
الحَقِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُ وِزْرَهُ فَقَطْ، وَلَا يَتَحَمَّلُ وِزْرَ غَيْرِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. إِلَّا إِذَا كَانَ وِزْرُهُ فِي إِضْلَالِ غَيْرِهِ ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾. يَعْنِي وِزْرَ ضَلَالِهِمْ وَوِزْرَ إِضْلَالِهِمْ.
الحَقِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَا عَذَابَ إِلَّا بَعْدَ إِنْذَارٍ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَاً﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. أَيْ: لَا يَحْمِلُ إِنْسَانٌ وِزْرَ إِنْسَانٍ آخَرَ وَ﴿وَازِرَةٌ﴾ وَصْفٌ لِنَفْسٍ، أَيْ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ وَازِرَةٌ إِثْمَ نَفْسٍ أُخْرَى، إِلَّا إِذَا كَانَ أَصْحَابُ النُّفُوسِ الوَازِرَةِ سَبَبَاً في إِيقَاعِ غَيْرِهِمْ في الوِزْرِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئَاً». هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال :
في قوله تعالى عن أهل النار: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾. ونحن نعلم بأننا نموت موتة واحدة فقط، فمتى تكون الموتة الثانية؟
الاجابة :
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ في المُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ للإِمَامِ الحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾. قَالَ: هِيَ مِثْلُ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: ﴿كُنْتُمْ أَمْوَاتَاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَخَيْرُ مَا يُفَسِّرُ القُرْآنَ القُرْآنُ، فَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾. قَوْلُهُ تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتَاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
فَالمَوْتَةُ الأُولَى هِيَ قَبْلَ الإِيجَادِ، وَالمَوْتَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الإِيجَادِ، وَالحَيَاةُ الأُولَى هِيَ الحَيَاةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الفَانِيَةُ، وَالحَيَاةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الحَيَاةُ البَاقِيَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كُنْتُمْ أَمْوَاتَاً مَعْدُومِينَ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقُوا، ثُمَّ خُلِقْتُمْ وَأُخْرِجْتُمْ إِلَى الدُّنْيَا، فَأَحْيَاكُمْ، ثُمَّ أَمَاتَكُمْ المَوْتَ المَعْهُودَ، ثُمَّ يُحِيِيكُمْ للبَعْثِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَهُنَاكَ إِمَاتَتَانِ، وَإِحْيَاءَانِ، الإِمَاتَةُ الأُولَى قَبْلَ الوُجُودِ في الدُّنْيَا، وَالإِمَاتَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الحَيَاةِ، وَالحَيَاةُ الأُولَى بَعْدَ الوِلَادَةِ، وَالحَيَاةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ البَعْثِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾.
فَالمَوْتَتَانِ هُمَا كَوْنُ الإِنْسَانِ في عَالَمِ العَدَمِ فَهَذِهِ المَوْتَةُ الأُولَى، وَالأُخْرَى مَوْتَةُ الانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا إلى الدَّارِ الآخِرَةِ.
وَأَمَّا الحَيَاتَانِ فَهُمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا الفَانِيَةُ، وَالحَيَاةُ الآخِرَةُ البَاقِيَةُ.
وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الأُولَى الفَانِيَةَ حَيَاةً طَيِّبَةً، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
وَأَنْ يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الثَّانِيَةَ البَاقِيَةَ حَيَاةَ السُّعَدَاءِ، الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.
وَأَنْ لَا يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الأُولَى الفَانِيَةَ حَيَاةَ الأَشْقِيَاءِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
وَأَنْ لَا يَجْعَلَ حَيَاتَنَا الثَّانِيَةَ البَاقِيَةَ حَيَاةَ الأَشْقِيَاءِ الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾. اللَّهُمَّ آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان