القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=21680
1533 0
06-12-2022 06:11 PM
#1  

افتراضي{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}


دعا نوح ربه [فقال:] { أَنِّي مَغْلُوبٌ } لا قدرة لي على الانتصار منهم، لأنه لم يؤمن من قومه إلا القليل النادر، ولا قدرة لهم على مقاومة قومهم، { فَانْتَصِرْ } اللهم لي منهم، وقال في الآية الأخرى: { رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } الآيات
تفسير السعدى

قد يمر بالإنسان منا أوقات يحس فيها بالكرب والضيق، تحل به مصيبة، وتنزل به بلية، فتضيق عليه الأرض بما رحبت، يحس بالآلام والأحزان قد أحاطت به من كل جانب، وقد يكون سبب هذا الحزن هو: مصيبة خاصة على المستوى الشخصي للإنسان نفسه، وقد تكون مصيبة على مستوى الأمة جميعا، حين يرى كثرة جراحها، وتكالب أعداء الله عليها من اليهود والنصارى والمنافقين الذين يسومنها سوء العذاب، عندها يضعف الكثيرون، ويصابون بالخور، ولربما أصيبوا بما هو أشد من ذلك، وهو اليأس والقنوط من نصر الله -عز وجل-.


وهنا يحتاج المسلم إلى مثبت لهذا القلب، يثبته في خضم هذه الأحداث، وهذه الفتن التي تموج موج البحر.


إن المؤمن بأمس الحاجة في أوقات الأزمات والشدائد إلى شيء ينزل على قلبه، فيسكن رعبه، ويهدأ من روعه.



ومن أعظم ما يجد المؤمن له أثرا في قلبه، ويزيد من رسوخ الإيمان في هذا القلب: الاقتداء بهدي المرسلين -عليهم صلوات الله وسلامه-، والقراءة في صفتهم وأخبارهم، كيف واجهوا الحياة، وكيف استطاعوا أن يقفوا أمام أعداء الله -عز وجل- بصبر وثبات عجيب، فكانت العاقبة لهم، وكانت النهاية في صفهم، فأصبحوا هم المنتصرين في آخر الوقت.

ومن جملة أنبياء الله الذين حكى الله خبرهم في القرآن الكريم، وكان لهم صبر عظيم في مواجهة أعداء الله -جل وعلا-، بل هو أول الصابرين في مواجهة أقوامهم، وهو أبو الأنبياء، وأول أولي العزم من الرسل؛ نبي الله نوح -عليه الصلاة والسلام-.

لقد جاهد هذا النبي حق الجهاد، وصبر وصابر وثبت، فكانت العاقبة له.

إنه جلس في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، تخيل معي أن يبقى نبي 950 عاما، يدعو إلى الله -جل وعلا-، كم مر به من جيل؟ وكم واجه من الناس يدعوهم في سرائهم وضرائهم وفي حال جهرهم وعلانيتهم؟

يتلطف معهم، يرغبهم في أمر دينهم، ويبين لهم كل ما يجنيه كل من دخل في هذا الدين من خيري الدنيا والآخرة.


قال الله -جل وعلا- عنه: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[نوح: 2-4].


وقد استنفذ كما قلت معهم كل الوسائل: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ)[نوح: 5-7


أنا لا أريد ملكا ولا سلطانا ولا مالا، إنما أدعوهم لتغفر لهم يا رب أجمعهم وأدعو لهم: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ) إلى التوحيد: (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)[نوح: 7-9].


إن هناك خلقا من خلق الله لا تنفع فيهم الموعظة، ولا تجدي فيهم النصيحة، لم يتغيروا ولم يتبدلوا، أمثال هؤلاء لا تنفع معهم النصائح ولا تجدي فيهم المواعظ؛ لأن قلوبهم مطموسة -والعياذ بالله-؛ لأن بصائرهم عمياء فلا ينفع الواحد منهم أن تذكره وتخوفه بالله؛ لأنه لم يرجو لله وقارا، ولم يعرف قدر ربه -جل وعلا-، فلذا هو مصر ومستكبر على حاله الباطل، وعلى طريقه الغوي، يغوي فيه عباد الله، وربما حارب الدعوة، وناصبها العداء.


وهؤلاء لم يتغيروا ولن يتبدلوا طال الزمان أو قصر، كثرت المواعظ أو قلت، بل إن الله -جل وعلا- حكى عنهم أنهم حتى لو بعثوا يوم القيامة، ورأوا الناس أمام أعينهم، لرجعوا إلى ما كانوا عليه في الدنيا، والله -جل وعلا- يحكي عن خلقه، وهو أعلم بما كان ويكون، وما سوف يكون.

هذا هو حال قوم نوح -عليه السلام- لبث فيهم 950 عاما، دعاهم إلى الله -عز وجل-.

أتعرفون كم أسلم معه طوال هذه الفترة الزمنية العظيمة؟
قال الله -عز وجل-: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ)[هود: 40].

كم هو هذا القليل؟
أقرب الأقوال التي ذكرها المفسرون في أكثر الأعداد من جملة من آمن من قوم نوح، هي: ثمانون فردا فقط، وبعضهم يقول: اثنا عشر فردا فقط.
تخيل نبي من أنبياء الله، من أولي العزم من الرسل، جلس في قومه هذه المدة الزمنية الطويلة، فلم يدخل معه في الإسلام إلا ثمانون فقط!.


إنها رسالة للدعاة إلى الله -عز وجل-: أن يصبروا ويصابروا، وأن لا يستعجلوا النتائج، وأن لا يظنوا أن نجاح الدعوة مرهون بكثرة الأعداد، كلا، ليس كثرة الأعداد والأتباع دليل على نجاح الدعوة.
فهذا نوح هل نقول أنه فشل في الدعوة، كلا، بل نجح وقام بما أوجب الله عليه، وهذا هو منتهى ما يراد من الداعية إلى الله: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)[البقرة: 272].

المهم أن تقوم بالدعوة، أن تقوم بالواجب، أما النتائج فأمرها إلى الله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)[القصص: 56].

لما رأى نوح ذلك كله، شكا أمره إلى ربه -جل وعلا-، وهكذا كل من أصيب بالبلاء، وكل داعية واجه الإعراض عن دعوته، ليس له إلا الله -جل وعلا-، فشكا إلى ربه، وقال: (رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نوح: 21-22].



دعا الله أن يهلكهم جميعا، وأن يستأصلهم فلا يبقي منهم أحدا: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)[نوح: 26].
لم يا نوح؟ ما السبب؟
(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ) يفسدوا حتى على الصالحين: (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)[نوح: 27].
هنا استجاب الله لوليه وعبده الصالح نوح، والله -جل وعلا- لا يخيب من دعاه.

فلا تغتر بانتفاش الباطل وتضخمه، وكثرة أعداده، وتواطأ أهل الشرق والغرب على المسلمين، وعلى أهل الدعوة والخير.
لا تظن أن هذا الأمر سيستمر أتعلم لماذا؟

لأن هؤلاء أولياء الله، ولهم دعوات في ظلمات الليل يدعون الله، والله مطلع وعالم بكل شيء، وهو الذي وعد أن ينصر عباده المؤمنين: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 171-173].
ولكننا نستعجل دائما.


{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: ١٠]
اهتف بها بوجعك ، بمرضك ، بانكسارك ، بعجزك ..{إني مغلوب فانتصر} تلك دعوة مختصره ، تغيرت من أجلها السماء والأرض .. يريد الله من دعائك قلبك وليس كثرة كلامك .

وجعنا ليس بسبب ظروفنا ، بل بسبب عدم قدرتنا على الدعاء بصدق لفراغ قلوبنا من الإخلاص لله ، والجلوس بين يديه لمناجاته في غسق الليل بقلب صادق أواه يشكي حاله لربه يناديه {إني مغلوب فانتصر} قلها ياعزيزي إن غلبك الهم ، وإن اجتاح الحزن صدرك ، قل له : يارب إني مهموم ، مريض ، مديون ، مظلوم ، أظهر له ضعفك ..لحظة شعورك بانقطاع قدرتك هي لحظة الدعاء والإجابة .. قل يارب

لما دعا نوح عليه السلام ربه كان موقنا بالفرج لكن لايدري كيف ، ولم يتصور أن البشر سيغرقون إلا هو ومن معه في السفينة .. فثق بربك ، لقد فتح الله لدعوته السماء {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر} ما أسرع إجابة الله للعبد الصادق ! كان صوته في قمة الضعف والحاجة والتوسل .. تلك الأصوات هي التي تطرق أبواب السماء بشدة .. ويستجاب لها

عبدالله بن محمد العسكر








الكلمات الدلالية (Tags)
فَانْتَصِرْ}, مَغْلُوبٌ, {فَدَعَا, أَنِّي, رَبَّهُ

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:16 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل