القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=22053
1127 0
07-26-2022 05:32 PM
#1  

افتراضيتفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء) من الآية 101 الى الآية103


{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}


والضرب في الأرض مقصود به أن يمشي المؤمن في الأرض بصلابة وعزم وقوة. والقصر في الصلاة هو اختزال الكمية العددية لركعاتها. وفي اللغة (اختصار) و(اقتصار). (الاقتصار) أن تأخذ بعضا وتترك بعضاً، و(الاختصار) هو أخذ الكل بصفة موجزة. مثال ذلك عندما نختصر كتاباً ما فنحن نوجز كل المعاني التي فيه في عدد أقل من الكلمات.
وقد يفكر إنسان في أن يكتب خطاباً، ثم يقول لنفسه: سأرسل برقية في الموضوع نفسه. وهنا لابد أن يختزل الكلمات لتحمل معاني كثيرة في ألفاظ موجزة.
والإسهاب- كما نعلم- لا يأخذ من الوقت مثلما يأخذ الإيجاز؛ فعندما يريد الإنسان الإيجاز فهو يقدح ذهنه- في وقت أطول- ليصل إلى المعاني في كلمات أقل.


ويحكى عن سعد زغلول- زعيم ثورة 1919 المصرية- أنه كتب رسالة لصديق فأطال، وأنهى رسالته بهذه الكلمات: وإني أعتذر إليك عن التطويل فليس عندي الوقت الكافي للإيجاز.

ويحكي التاريخ عن الخليفة المسلم الذي أراد أن يهدد قائد الروم.. فكتب إليه؛ أما بعد: فسآتيك بجيش أوله عندك وآخره عندي. وهكذا أوجز الخليفة حجم الخطر الداهم الذي سيواجه ملك الروم من جيش عرمرم سيملأ الأرض إلخ.


وينقل التاريخ عن أحد قادة العرب وموقفه القتالى الذي كان صعباً في (دومة الجندل) أنه كتب إلى خالد بن الوليد كلمتين لا غيرهما (إياك أريد) ولم يقل أكثر من ذلك ليتضح من هذا الإيجاز حجم المعاناة التي يعانيها. وقد أوردنا هذا الكلام ونحن بصدد الحديث عن القصر والإيجاز.


والقصر في الصلاة هو أن يؤدي المؤمن كُلاًّ من صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلاً من أربع ركعات، أما الصبح والمغرب فكلاهما على حاله، الصبح ركعتان، والمغرب ثلاث ركعات. وحكمة مشروعية ذلك أن الصلاة في وقت الحرب تقتضي ألا ينشغل المقاتلون عن العدو، ولا ينشغلوا أيضا عن قول الحق: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً} [النساء: 103].
فإذا شرع الله للخوف صلاة، وللحرب صلاة فمعنى ذلك أنه لا سبيل أبداً لأن ينسى العبد المؤمن إقامة الصلاة. وإذا كانت الصلاة واجبة في الحرب فلن تكون هناك مشاغل في الحياة أكثر من مشاغل الحرب والسيف. وصلاة الحرب- أي صلاة الخوف- جاء بها القرآن، أما صلاة السفر فقد جاءت بها السنة أيضا، وفيها يقصر المؤمن صلواته أيضاً: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً} [النساء: 101].
ولو رأى الكافرون المؤمنين مصفوفين جميعاً في الصلاة فقد يهجمون عليهم هجمة واحدة. ولذلك شرع الحق قصر الصلاة.
ويكون الخطاب من بعد ذلك موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة...}.


تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء) من الآية 101 الى الآية103 image.png.947d26a0f3


{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}


حين يقول الحق: {فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ} نفهم أن ينقسم المؤمنون إلى طائفتين: طائفة تصلي مع رسول الله، وأخرى ترقب العدو وتحمي المؤمنين.


ولكن كيف تصلي طائفة خلف رسول الله ولا تصلي أخرى وكلهم مؤمنون يطلبون شرف الصلاة مع رسول الله؟

ويأمر الحق أن يقسم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ليصلي بكل طائفة مرة، ليشرف كل مقاتل بالصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقصر الصلاة- كما عرفنا- ينطبق على الصلاة الرباعية وهي الظهر والعصر والعشاء أما صلاة الفجر وصلاة المغرب فلا قصر فيهما، فليس من المتصور أن يصلي أحد ركعة ونصف ركعة، وفي علم الحساب نحن نجبر الكسور إلى الرقم الأكبر.


وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بهيئات متعددة، ولا مانع من أن نلم بها إلماماً عاجلاً؛ لأن تعليم هذه الصلاة عادة يكون واجباً على الأئمة والعلماء الذين يصلون بالجيوش في حالة الحرب. ولصلاة الخوف طرق وكيفيات: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُقَسِّم الجيش إلى قسمين؛ قسم يصلي معه وقسم يرقب العدو، ويصلي بكل فرقة ركعتين.
وهناك طريقة أخرى وهي أن يصلي بطائفة وفرقة ركعة واحدة، ثم ينصرفون وتأتي الطائفة التي حمت الطائفة الأولى في أثناء الصلاة لتصلي هذه الطائفة الثانية ركعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا يسلم رسول الله لأنه أنهى الصلاة.
وبعد ذلك تصلي الطائفة الأولى الركعة الثانية التي عليها في القصر وتسلم، ثم تصلي الطائفة الثانية التي عليها في القصر وتسلم.
وهناك كيفية ثالثة وهي أن تأتي الطائفة الأولى تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ولا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم معها الركعة الثانية بل يظل واقفاً قائماً إلى أن تخرج من صلاتها بالتسليم لتنادي الطائفة التي تقف في مواجهة العدو لتصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم بينما هي الركعة بركعتها الثانية ويسلم النبي صلى الله عليه وسلم بها وتنال الطائفة الأولى بشرف بدء الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتحظى الطائفة الثانية بشرف السلام معه صلى الله عليه وسلم.
وهنا نسأل: هل هذه الصلاة بهذا الأسلوب مقصورة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإتماماً به لأن الصلاة معه هي الشرف؟ فكيف يصلي المقاتلون الخوف بعده صلى الله عليه وسلم؟ قال العلماء: إذا كنت تعتبر القائمين بأمر القيادة هم خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الولاية فتقام صلاة الخوف على صورتها التي جاءت في القرآن، ولكن إذا كان لكل جماعة إمام فلتصل كل جماعة صلاة القصر كاملة خلف الإمام.





{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ} وهذه الأسلحة المقصود بها الأسلحة الحقيقية مثل السيف أو الرمح أو النبلة أو البندقية فيأخذها المقاتل معه، أما من معه سلاح ثقيل فلن يأخذه بطبيعة الحال إلى الصلاة.
{فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أخرى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} والقول القرآني هنا ليس مجرد ألفاظ تقال ولكنها ألفاظ لها مدلولات من رب العالمين، فمن قدموا إلى الصلاة أولاً: تركوا خلفهم من يحميهم.
ولكن الطائفة الثانية التي سوف تترك المواقع من أجل الركعة الثانية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فبالهم مشغول بذواتهم وبحماية من يصلون، فلعلهم حين يذهبون إلى الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلهيهم المسألة؛ لذلك قال الله: {وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} وهكذا نجد أن الطائفة الأولى ملزمة بأخذ السلاح، والطائفة الثانية ملزمة بأخذ الحذر والسلاح.


وقد يقول قائل: صحيح إن الأسلحة تؤخذ، ولكن كيف يؤخذ الحذر وهو عملية معنوية؟
ونقول: إنه سبحانه يصور المعنويات ويجسمها تجسيم الماديات حتى لا يغفل الإنسان عنها، فكأن الحذر آلة من آلات القتال، وإياك أيها المقاتل أن تغفل عنها.
وهذا أمر يشيع في أساليب القرآن الكريم، فالحق سبحانه يقول: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9].
والدار هي مكان باستطاعة الإنسان أن يتبوأه ويقيم به، فما معنى أن يتبوأ الإنسان الإيمان وهو أمر معنوي؟. إنه سبحانه في هذا القول يصف الأنصار الذين أكرموا وفادة المهاجرين، والدار- كما نعرف- هي المكان الذي يرجع إليه الإنسان، والإيمان هو مرجع كل أمر من الأمور.
إذن فقد جعل الحق سبحانه الإيمان كأنه يُتبوأ، أي جعله شيئاً ينزل الإنسان فيه، والإيمان كذلك حقاً، والدار في هذا القول مقصود بها هنا المدينة المنورة، حيث استقبل الأنصار المهاجرين. {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون} [الحشر: 9].
وهكذا يجسم الحق المعنويات لنفهم منها الأمر وكأنه أمر حسّي، تماماً كما قال الحق: {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً}.
وهذا ما يوضح لنا لماذا أمر الله أن يأخذ المسلمون الحذر والأسلحة؛ لأن المقاتل يجب أن يخاف على سلاحه ومتاعه. فلو فقدها المقاتل لفقد أداة القتال ولصارت أدوات قتاله لعدوه. فحين يأخذ المقاتل السلاح من عدوه، يتحول السلاح إلى قوة ضد العدو.


لذلك كان التحذير من فقد الأسلحة والأمتعة حتى لا تضاف قوة السلاح والمتاع إلى قوة العدو؛ لأن في ذلك إضعافاً للمؤمن وقوة لخصمه.
وعدو الإسلام يود أن يغفل المسلمون عن الأسلحة والمتاع، والمؤمن ساعة الصلاة يستغرق بيقظته مع الله، ولكن على الإنسان ألا يفقد يقظته إن كان يصلي أثناء الحرب، فلا يصح أن ينسى الإنسان سلاحه أثناء القتال حتى وهو يصلي، فالقتال موقف لله، فلا تفصل القتال في سبيل الله عن الصلاة لله.
{وَدَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} والغفلة هي نسيان طارئ على ما لا يصح أن يُنسى، وفي هذا نحذير واضح؛ لأن الغفلة أثناء القتال هي حلم للكافرين حتى يحققوا هدفهم المتمثل في قول الله: {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً}. فمعسكر الكفر يتمنى أن يهجم على المؤمنين في لحظة واحدة، هذا هو المقصود بقوله: {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً}.


ولكن لنر من بعد ذلك قول الحق: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مرضى أَن تضعوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً} [النساء: 102].
ونجد هنا أن كلمة (الحذر) تكررت، وسبحانه بجلال جبروته أعد للكافرين عذاباً مهيناً، وفي ذلك بشارة منه أن الكافرين لن ينالوا من المؤمنين شيئاً، فلماذا جاء الأمر هنا بأخذ الحذر؟. إن أخذ الحذر لا يعني أن الله تخلى عن المؤمنين، ولكن لتنبيه المؤمنين أن يأخذوا بالأسباب، ولا يغفلوا عن المسبب لأنه سبحانه هيأ وأعد العذاب المهين للكافرين. {إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}.

وهذا ما يجب أن نفهمه حتى لا يتوهم أحد أن الله عندما نبه كثيراً بضرورة الأخذ بالحذر ثم أنه يتخلى عنا، لا. إنّه سبحانه يوضح لنا أن نأخذ بالأسباب ولا نهملها وهو القائل {إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}.
ومن بعد ذلك قال الحق: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة...}.




تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء) من الآية 101 الى الآية103 image.png.579e21121c


{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}



كأن المؤمن مطالب بألا يسوِّف ويُؤَخِّر الصلاة عن وقتها، وأن يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وذلك لتكون الصلاة دائماً في بؤرة شعور الإنسان، بل إن المؤمن مطالب بذكر الله حتى وهو يسايف عدوه وينازله، فهو يحمل السيف ولسانه رطب بذكر الله ويقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).


والإنسان حين يسبح الله حتى وهو في حالة الاشتباك مع العدو لا ينساه الله. والمؤمن قد يؤخر الصلاة في حالة الاشتباك مع العدو والالتحام به، ولكن عليه أن يدفع قلبه ونفسه إلى ذكر الله، ففي وقت الصلاة يكون مع ربه فليذكره قائماً وقاعداً وفي كل حال، وبعد أن يطمئن المسلم لموقفه القتالي فليقض الصلاة. وأنه لا يترك ربه أبداً بل وهو في الحرب يكون ذلك منه أولى؛ لأنه في حالة الاحتياج إليه سبحانه، والقتال يدفع المؤمن إلى الاستعانة بربه، وإذا كان المسلم يعرف أن لله في أوقاته تجليات، فلا يحرمن واحد نفسه من هذه التجليات في أي وقت، وذكر الله يقرِّب العبد من مولاه- فسبحانه- مع عبده إذا ذكره، فإن كان الإنسان مشبعاً بالاطمئنان وقت الخوف والقتال فليذكر الله ليدعم موقفه بالقوة العليا.


وقوله الحق: {فَإِذَا اطمأننتم فَأَقِيمُواْ الصلاة} أي إذا انتهى الاشتباك القتالي فعلى المؤمن أن ينتقل من ذكر الله أثناء الاشتباك إلى الصلاة التي حان ميقاتها أثناء القتال. فقد كان ذكر الله وقت الاشتباك من أجل ألا يضيع وقت الصلاة بلا كرامة لهذا الوقت، وبلا كرامة للقاء العبد مع الرب. ولماذا كل ذلك؟ ويأتي القول الفصل: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً}.


وقد أوضح لنا الحق صلاة الخوف، وشرع سبحانه لنا ذكره إذا ما جاء وقت الصلاة في أثناء الاشتباك القتالي، وإذا ما اتفق توقيته مع وقت الصلاة، وشرحت لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم كيفية قصر الصلاة في أثناء السفر، لماذا كل ذلك؟ لأن الصلاة فرض لا غنى عنه على الإطلاق {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً}. أي أن الصلاة لها وقت.
ولا يصح أن يفهم أحد هذا المعنى- كما يفهمه البعض- بأن صلاة الظهر- على سبيل المثال- وقتها ممتد من الظهر إلى العصر، وصحيح أن الإنسان إذا عاش حتى يصلي الظهر قبيل العصر فإنها تسقط عنه، ولكن ماذا يحدث لو مات العبد وقد فات عليه وقت يسعها؟ إذن فقد أثم العبد، ومن يضمن حياته حتى يؤدي الصلاة مؤجلة عن موعد أدائها؟.
وقد يقول قائل: أحياناً أسمع أذان الصلاة وأكون في عمل لا أستطيع أن أتركه؛ فقد أكون في إجراء جراحة.
أو راكباً طائرة. ونقول: أسألك بالله إذا كنت في هذا العمل الذي تتخيل أنك غير قادر على تركه وأردت أن تقضي حاجة، فماذا تصنع؟ إنك تذهب لقضاء حاجتك، فلماذا استقطعت جزءاً من وقتك من أجل أن تقضي حاجتك؟ وقد تجد قوماً كافرين يسهلون لك سؤالك عن دورة المياه لتقضي حاجتك.


وساعة يراك هؤلاء وأنت تصلي فأنت ترى على وجوههم سمة الاستبشار؛ لأن فيهم العبودية الفطرية لله، وتجد منهم من يسهل ذلك ويحضر لك مُلاءة لتصلي فوقها، ويقف في ارتعاش سببه العبودية الفطرية لله، فلا تقل أبداً: إن الوقت لا يتسع للصلاة؛ لأن الله لا يكلف أبداً عبده شيئا ليس في سعته، والحق كلف العبد بالصلاة ومعها الوقت الذي يسعها.
ولله المثل الأعلى، نحن نرى رئيس العمال في موقع ما يوزع العمل على عماله بما يسع وقت كل منهم، فما بالنا بالرب الخالق، ولذلك يقول الحق: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].
والصلاة رزق عبودي يحررك من أي خوف، وفضلها لا حدود له لأن فارضها هو الخالق المربي، فكيف تبخل على نفسك أن تكون موصولا بربك؟
ويقول الحق من بعد ذلك: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابتغآء القوم...}.




نداء الايمان



تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء) من الآية 101 الى الآية103 image.png.ccd36847de









الكلمات الدلالية (Tags)
101, من, النساء), الى, الآية, الآية103, الشيخ, الشعراوى(, تفسير, سورة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:02 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل