تدبر آية....(الكلم الطيب) 3 من [ امانى يسرى محمد ]

القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=22286
1936 0
انواع عرض الموضوع
08-26-2022 01:58 AM
#1  

افتراضي(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) ومضامينها التربوية


قـال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].



يقول ابن كثير رحمه الله؛ أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب؛ فإنما هي عن سيئات تقدَّمت لكم، ويعفو عن كثير من السيئات، فلا يُجازيكم عليها؛ بل يعفو عنهـا، ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [فاطر: 45]، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّر الله بها مــن خطايـاه)) [1]-[2].



ويقول ابن عاشور رحمه الله: إن من المصائب التي تصيب الناس في الدنيا ما سلَّطه الله عليهم؛ جزاءً على سوء أعمالهم، وإذا كان ذلك ثابتًا بالنسبة لأناس معيَّنين، كان فيه نذارة وتحذير لغيرهم ممن يفعل من جنس أفعالهم أن تحل بهم مصائب في الدنيا جزاء على أعمالهم؛ زيادة في التنكيل بهم، إلا أن هذا الجزاء لا يطَّرد، فقد يُجازي الله قومًا على أعمالهم جزاءً في الدنيا مع جزاء الآخرة، وقد يترك قومًا إلى جزاء الآخرة[3].



المضامين التربوية:

تتضمن الآية الكريمة جملةً من المضامين التربوية التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها في وقت كثرت على الأمة المسلمة المصائب والرزايا؛ لعلنا بتدبُّرنا هذه الآية وأمثالها وما احتوته من مضامين أن يكون فيها عظة وعبرة وتذكير بأهمية العودة الصادقة إلى الله تعالى، ومن هذه المضامين:

أولًا: إن ما يُصيب الإنسان أو الجماعة قلَّ عددُه أو كثُر إنما هو بسبب ما ارتكبته الجوارح من المعاصي والذنوب، وجاء ذلك مؤكدًا في عدة آيات: منهــا قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، وقوله: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79]، وقوله: ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: 48]، وقوله: ﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 6]، وقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾ [غافر: 21].



إن كل هذه الآيات الكريمات وغيرها توضِّح وتؤكد سنة كونية عامة لا تتغيَّر ولا تتبدَّل بأن ما يصيب الإنسان أو الجماعة من مصائب ونكبات وبلاء هو بسبب ذنوبه ومعاصيه؛ ولذلك يجب على المسلم الحذر ثم الحذر من ارتكاب المعاصي والذنوب، ومخالفة أوامر الله تعالى.



ثانيًا: إن ما يصيب الإنسان في الغالب الأعم هو المتسبِّب الرئيس فيه بسبب تقصيره في جنب الله تعالى، إما في عدم اتِّباع أوامره أو في عدم اجتناب نواهيه، ويتجلَّى هنا عدل الله تعالى بأنه لا يظلم أحدًا ولو مثقال ذرة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44]، وقـال تعالى: ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 182]، وقـوله سبحـانه: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 51]، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًّا.



ثالثًا: إن القاعدة الشرعية والسنة الكونية تؤكِّد أن من عمل خيرًا لقي خيرًا، ومن عمل شرًّا لقي شرًّا؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، فالجزاء من جنس العمل، وهذا يجعل الإنسان المسلم يحتاط لنفسه من الوقوع في المعاصي والذنوب؛ لأنه سيعاقب عليها إما عاجلًا وإما آجلًا، إلا أن يتداركه الله تعالى بواسع رحمته وعفوه، وفي المقابل يجب أن يحرص ويسعى جاهدًا في الإكثار من عمل الخير؛ فهو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة.



رابعًا: من طبيعة الإنسان الفرح والسرور عند حصول نعمة وصحَّة وأمن وراحة واطمئنان، ومن طبيعته أيضًا الضجر والقنوط وكفران النعمة عند حصول المرض وضيق عيش حتى إن كان هو المتسبِّب فيه بسبب ما ارتكبه من معاصٍ وذنوب؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: 48]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ [الفجر: 15، 16].



وفي كلا الحالين يجب على الإنسان العودة الصادقة إلى الله تعالى في العُسْر واليُسْر، وأن يحاسب نفسه على تقصيره وتفريطه، ويُسارع بالتوبة والإنابة والندم على ما فرَّط في جنب الله، كما يجب عليه شكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من صحَّة وعافية، وقد ورد في الحديث الشريف عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر؛ فكان خيرًا له))[4].



خامسًا: نلحظ اليوم ما تصاب به بعض الدول المسلمة وغير المسلمة من نكبات وأزمات ومصائب شتى، فنسمع ونرى الزلازل والبراكين والفيضانات والحرائق والرياح العاتية والحروب الأهلية الطاحنة وتفشِّي الأمراض الغريبة، وتفشِّي الفقر وقلة الأمن على النفس والمال والعرض...إلخ.



وهناك فئة من الناس وخصوصًا من غير المسلمين تفسِّر ذلك بأسباب مادية بحتة ليس لله تعالى فيها نصيب البتة؛ ولكن لو دقَّقْت وبحثت عن ذلك كله، لوجدت أن السبب الرئيس هو البعد عن الله تعالى بعامة، وبسبب انتشار المعاصي والذنوب بخاصة؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وقوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة: 65]، وقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124، 126]، وقـال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ﴾ [الجن: 17].



كل ذلك يؤكد بوضوح تامٍّ أن ما تصاب به بعض الدول اليوم هو بسبب ما كسبته أيديهم وبنصِّ القرآن الكريم -كما مرَّ معنا من الآيات الموضِّحة لذلك - وليس بعد كتاب الله تعالى إثبات أو شهادة، ويوضِّح ابن القيم رحمه الله: بأن كل نقص وبلاء وشر في الدنيا والآخرة، فسببه الذنوب ومخالفة أوامر الله تعالى، فليس في العالم شرٌّ قطُّ إلا سببه الذنوب، أما آثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال أمر مشهود في العالم لا ينكره ذو عقل سليم؛ بل يعرفه المؤمن والكافر والبر والفاجر[5].



فلو نظرنا إلى أحوال الدول التي لحقت بها المصائب، لوجدنا من المحرَّمات والمنكرات والفواحش الشيء الكثـير؛ فمنهـا: (الربا، والغش في البيع والشراء، والكذب والخيانة، والزنا، واللواط، وشرب الخمور وتصنيعها وبيعها في الداخل والخارج، وزراعة بعض أنواع المخدِّرات، وتبرُّج النساء، وتشبُّه بعضهن بالرجال، وتشبُّه بعض الرجال بالنساء، والحكم بالقوانين الوضعية وترك الحكم بما أنزل الله تعالى...إلخ).



سادسًا: سعة رحمة الله تعالى وشمول فضله للناس بألَّا يُعاقبهم على بعض ذنوبهم؛ بل يعفو عن الكثير منها، وهذا يُؤكِّده أيضًا قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 155]، وقوله تعالى: ﴿ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 34]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].



سابعًا: إن من أعظم طرق دفع المصائب إذا وقعت سواء كانت صغيرة أم كبيرة هو اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء لرفع البلاء، والتوبة النصوح، ومداومة الاستغفار، وقد أوضح ابن القيم رحمه الله ما ورد عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قوله: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع بلاء إلا بتوبة[6].



والآيات المؤكدة على التوبة والاستغفار كثيرة جدًّا، فمنها قوله تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود: 3]، وقوله تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، وقوله: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 10]، وقوله: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، وقوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16]، وقوله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].



ثامنًا: بسبب الذنوب والمعاصي لقيت كثير من الأمم السابقة حتفها، وأُبيدَتْ أمَمٌ عن بكرة أبيها، ولقد أخبر الله سبحانه بما عاقب به أهل المعاصي والذنوب من الأمم السابقة، وهم كثير، جاء ذكرهم في مواضع متعددة في القرآن الكريم، فمنهــم:

1- قوم نوح عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [نوح: 21]، وقال: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الذاريات: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴾ [النجم: 52].



ونتيجة عصيانهم وفسقهم وظلمهم وطغيانهم أهلكهم الله تعالى بالطوفان كما مرَّ في الآية السابقة [العنكبوت: 14]، وقـال تعـالى أيضًا: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفرقان: 37].



2- قوم عاد ونبيهم هود عليه السلام، فأخبر الله تعالى بقوله: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 65]، وقال تعالى: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ﴾ [هود: 50]، وقال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [هود: 59]، وقال: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 123]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15].



ونتيجة جحودهم وعصيانهم وتكذيبهم واستكبارهم في الأرض بغير الحـق كان جزاؤهم أن أرسل الله عليهم الريح العقيم؛ قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 16]، وقال تعالى: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 41، 42]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6].



3- قوم ثمود ونبيهم صالح عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [النمل: 45]، وسمَّى الله تعالى قوم ثمود أصحاب الحجر؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ [الحجر: 80، 81]، ثم قال الله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ [هود: 68]، وقال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 141].



ونتيجة كفرهم وتكذيبهم وإعراضهم عن الله تعالى أخذهم سبحانه تعالى بأنـواع شتى من العذاب؛ قـال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]، وقال: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴾ [القمر: 31]، وقـال تعالى: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [الأعراف: 78].



4- قوم لوط عليه السلام؛ فقـال الله تعالى فيهم: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [النمل: 54، 55]، وقال تعالى: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 165، 166].



ولتكذيبهم للرسل وتعديهم الصارخ على محارم الله تعالى، أهلكهم الله سبحانه بأنواع من العذاب؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [هود: 82]، وقال تعالى: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ﴾ [الحجر: 73، 74]، وقال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ﴾ [القمر: 33، 34].




تاسعًا: يجب ألا يغيب عن الأذهان مطلقًا أن ما يصيب الإنسان من خير أو شر؛ فكل ذلك بِقَدَر الله تعالى، ومصداق ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 78].



ويُوضِّح ابن كثير رحمه الله تفسير الشاهد في هـذه الآية: ﴿ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 78]؛ أي: الجميع بقضاء الله وقدره، وهـو نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر[7].



ثم قال الله تعالى في الآية التي بعدها وهي موضحة أسباب ما يلحق بالإنسان من خير وشر، فقال عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79]، ويعلق ابن كثير رحمه الله على معنى ذلك فيقول: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النساء: 79]؛ أي: من فضل الله ومنته ولطفه ورحمته ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79]؛ أي: فمـن قِبَلكَ ومـن عَمَلك أنت، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30] [8].



عاشرًا: يجب أيضًا ألَّا يغيب عن الأذهان أنه قد يقع بالإنسان بلاء، ولا يكون سببه المعاصي والذنوب، وإنما يكون لزيادة قُرب المبتلى مـن الله تعالى وتعظيم الأجر له؛ ولذلك نجد الأنبياء هم أشد الناس بلاءً مع عصمتهم من الوقوع في المعاصي والذنوب، وفي الحديث الشريف سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشدُّ بلاءً، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل))، فإذا كان الرجل صلب الدين، يُبتلى الرجل على قدر دينه، فمن ثخـن دينه ثخن بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه"[9].



المهم في هذا الأمر هو الرضا والتسليم بقضاء الله تعالى وقدره والوثوق به، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، والحمد لله رب العالمين.



[1] (البخاري؛ صحيح البخاري، باب: مـا جــاء في كفـارة الـمرض، حـديث رقم 5640، ج 19، ص 35).

[2] (ابن كثير؛ تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 117 - 118).

[3] (ابن عاشور؛ التحرير والتنوير، ج 13، ص 130).

[4] (مسلم؛ صحيح مسلم، باب المؤمن أمره كله خير، حديث رقم 2999، ج4، ص 2295).

[5] (ابن القيم؛ مدارج السالكين، ج 1، ص 424).

[6] (ابن القيم؛ الجواب الكافي، ج 1، ص 49).

[7] (ابن كثير؛ تفسير القرآن العظيم، ج1، ص 528).

[8] (ابن كثير؛ تفسير القرآن العظيم، ج1، ص 529).

[9] (الترمـذي، سنن الترمـذي، باب: الصبر على البلاء، حـديث رقم 2398، ج 4، ص 601)، (وصححه الألباني في تعليقه).






د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي



شبكة الالوكة











الكلمات الدلالية (Tags)
(وما, فبما, كسبت, من, مصيبة, ومضامينها, أيديكم), أصابكم, التربوية


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الديكور الكلاسيكي أناقة لا تنتهي،ديكور كلاسيكي بسيط،الديكور الكلاسيكي،ديكور مودرن ام رونزا اساسيات المنزل 1 06-15-2020 01:42 PM
كيف تصنعين ديكور حفل الزفاف،أفكار ديكورات حفلات زفاف وديكورات خطوبة2020 رايما تجهيز العروسة 0 01-30-2020 06:57 PM
الرقم المعتمد بيكو 01093055835 ( صيانة بيكو المهندسين ) 01283377353 فريزر بيكو بططططبتتت قسم المول - السوق الالكتروني 0 12-10-2019 01:52 PM
اريكه كلاسيكيه,موديلات اريكه جديده,صور اريكه كنب,اريكه غرف نوم,الاريكة المخملية 2020 لوسيندا صالونات وانتريهات 2021 0 06-15-2019 08:14 PM
الخط الساخن لصيانة امريكول الشروق| 01060037840| اصلاح تكييفات امريكول| 01210999852| امريكول renam قسم المول - السوق الالكتروني 0 03-19-2019 02:52 PM


الساعة الآن 10:17 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل