منتدى العالم الاسلامي

كل ما يتعلق بديننا الحنيف على مذهب أهل السنة فقط مواضيع في الدين - Islamic Forum

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=21388
1808 1
05-18-2022 05:16 AM
#1  

افتراضيفوائد من "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فمن مؤلفات العلامة ابن القيم رحمه الله، كتابه النافع العظيم "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" تكلم فيه عن أقسام القلوب، وعللها، والأدوية النافعة لتلك العلل، كما تحدث عن مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم، والكتاب مليء بالفوائد المتنوعة، وقد يسَّر الله الكريم فاخترت بعضًا منها وهي فوائد مختصرة، أسأل الله أن ينفعني والجميع بها.



انقسام القلوب إلى صحيح وسقيمٍ وميت:
القلب الصحيح هو القلب السليم، الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به،...وهو الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله.

القلب الصحيح: هو الذي همه كله في الله، حبه كله له، وقصده له، وبدنه له، وأعماله له، ونومه له، ويقظته له، وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث، وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابِّه.

القلب الثاني: الميت الذي لا حياة به، فهو لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره، وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه....الهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائسه، والغفلة مركبه...الدنيا تسخطه وترضيه.

القلب الثالث: له حياة وبه علة فله مادتان تمده هذه مرة، وهذه أخرى، وهو لِما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات والحسد والكبر والعجب...ما هو مادة هلاكه.

مرض القلب:
قد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يُوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة.

القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء من الشبهة أو الشهوة، حيث لا يقدر على دفعهما إذا وردا عليه، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك، وهو يدفعه بقوته وصحته.

مرض القلب...نوع لا يتألم به صاحبه في الحال...كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألمًا، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم...وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض.

كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن، ويشقى بما يشقى به البدن، فكذلك البدن يتألم كثيرًا بما يتألم به القلب، ويُشقيه ما يشقيه.

شفاء أمراض القلب بالأدوية الإيمانية وبالقرآن:
أنفع الأغذية: غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية: دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء.

قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57]، وجماع أمراض القلب...أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شفاء للنوعين.....ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه.

القرآن...شفاؤه لمرض الشهوات...بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة، بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده.

القرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، فيصلح القلب، فتصلح إرادته، ويعود إلى فطرته التي فُطِرَ عليها، فتصلح أفعاله الاختيارية الكسبية... فيتغذى القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويقويه، ويؤيده ويفرحه، ويسره وينشطه.

زكاة القلب:
القلب إذا تخلص من الذنوب بالتوبة فقد استفرغ من تخليطه فتخلصت قوة القلب وإرادته للخير، فاستراح من تلك الجواذب الفاسدة والمواد الرديئة، زكا ونما، وقوي واشتد، وجلس على سرير ملكه، ونفذ حكمه في رعيته، فسمعت له وأطاعت.

القلب...لا سبيل له إلى زكاته إلا بعد طهارته، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30]، فجعل الزكاة بعد غض البصر وحفظ الفرج.

طهارة القلب:
قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 1 - 4] وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب ها هنا القلب، والمراد بالطهارة إصلاح الأخلاق والأعمال.

القلب الطاهر- لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث- لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته، بخلاف القلب الذي لم يطهره الله، فإنه يتغذى من الأغذية التي تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة.

حرم الله سبحانه الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث، ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره فإنها دار الطيبين، ولهذا يقال لهم: ﴿ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر: 73]؛ أي: ادخلوها بسبب طيبكم...فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شيء من الخبث.

الله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفًا على الطهارة، فلا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر، وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفًا على الطيب والطهارة، فلا يدخلها إلا طيب طاهر، فهما طهارتان: طهارة البدن، وطهارة القلب.

من علامات صحة القلب:
كلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة، وقرب منها، حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.

من علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدله عليه، ويُذكر به، ويذاكره بهذا الأمر...وإذا فاته ورده وجد لفواته ألمًا أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده.

ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه، حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه، الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به.



ومن علامات صحته: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همُّه وغمُّه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه، وقُرة عينه وسرور قلبه.



ومنها: أن يكون أشحَّ بوقته أن يذهب ضائعًا من أشد الناس شحًّا بماله.



ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه، وتقصيره في حق الله.



من مكايد الشيطان:
من كيده للإنسان: أنه يُورده الموارد التي يُخيل إليه أن فيها منفعته، ثم يُصدرُهُ المصادر التي فيها عطبه، ويتخلى عنه ويُسلمه ويقف يشمت به، ويضحك منه، فيأمره بالسرقة والزنى والقتل ويدل عليه ويفضحه.

من كيد عدو الله أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم، ولا يأمرونهم بالمعروف ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان...وكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمانه قوي خوفه منهم.

من مكايده: أنه يسحر العقل دائمًا حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذي يضره، حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء له، وينفره من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له، حتى يخيل له أنه يضره.

من كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلي والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع، ويقولون: القلب إذا كان محفوظًا مع الله كانت هواجسه وخواطره معصومة من الخطأ! وهذا من أبلغ كيد العدو فيهم.

من أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى...أوليائه من الفتنة بالقبور حتى آل الأمر فيها أن عُبِد أربابها من دون الله وعُبدت قبورهم واتخذت أوثانًا وبُنيت عليها الهياكل وعبدت مع الله.

من مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، التي تصد القلوب عن القرآن، وتجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان.

من مكايده التي كاد بها الإسلام وأهله: الحيل، والمكر، والخداع، الذي يتضمن تحليل ما حرمه الله، وإسقاط ما فرضه، ومضادته في أمره ونهيه، وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه.

من مكايده ومصايده: ما فتن به عُشَّاق الصور، وتلك لعمر الله الفتنة الكبرى، والبلية العظمى، التي استعبدت النفوس لغير خالقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد، ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد، فصيرت القلب للهوى أسيرًا، وجعلته حاكمًا وأميرًا، فأوسعت القلوب محنة، وملأتها فتنة، وحالت بينها وبين رُشدها، وصرفتها عن طريق قصدها.



من كيد الشيطان العجيب:
من كيده العجيب: أنه يشامُّ النفوس، حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها: قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة.



فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ في تثبيطه وإضعاف همته وإراداته عن المأمور به وثقله عليه، وهون عليه تركه، حتى يتركه جملة أو يقصر فيه ويتهاون به، وإن رأى الغالب علية قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به، ويوهمه أنه لا يكفيه، وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة.



وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الوادين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جدًّا الثابت على الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.



فقصّر بقوم في خلطة الناس حتى اعتزلوهم في الطاعات، كالجمعة والجماعات والجهاد وتعلم العلم، وتجاوز بقوم حتى خالطوهم في الظلم والمعاصي والآثام.

وقصر بقوم حتى منعهم من الاشتغال بالعلم الذي ينفعهم، وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم، دون العمل به.

وقصر بقوم حتى قالوا: إن الله سبحانه لا يُشفِّع أحدًا في أحد البتة، ولا يرحم أحدًا بشفاعة أحدٍ، وتجاوز بآخرين حتى زعموا أن المخلوق يشفع عنده بغير إذنه، كما يشفع ذو الجاه عند الملوك ونحوهم. وقصّر بقوم حتى نفوا حقائق أسماء الرب تعالى وصفاته وعطلوه منها، وتجاوز بآخرين حتى شبهوه بخلقه ومثلوه بهم.

وقصر بقوم حتى عادوا أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلوهم، واستحلوا من حرمتهم، وتجاوز بقوم حتى ادعوا فيهم خصائص النبوة من العصمة وغيرها، وربما ادعوا فيهم الإلهية.

وقصر بقوم حتى أخملوا أعمال القلوب ولم يلتفتوا إليها، وعدوها فضلًا أو فضولًا، وتجاوز بآخرين حتى قصروا نظرهم وعملهم عليها، ولم يلتفتوا إلى كثير من أعمال الجوارح.

المحبة النفعة، والمحبة الضارة:
المحبة النافعة: هي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه من السعادة والنعيم. والمحبة الضارة: هي التي تجلب لصاحبها ما يضره من الشقاء والألم والعناء.



أنواع المحبة النافعة والضارة:
المحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته. والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها.



العبد ينبغي أن تكون محبته وكراهته موافقتين لمحبة الله تعالى وكراهته:
العبدُ أحوجُ شيء إلى معرفة ما يضُره ليجتنبه، وما ينفعه ليحرص عليه ويفعله، فيُحب النافع، ويُبغض الضار، فتكون محبته وكراهته موافقتين لمحبة الله تعالى وكراهته، وهذا من لوازم العبودية والمحبة، ومتى خرج عن ذلك أحب ما يُسخط ربه، وكره ما يحبه، فنقصت عبوديته بحسب ذلك.



محبة الله جل جلاله أصل الدين:
محبة الله سبحانه والأُنس به، والشوق إلى لقائه، والرضا به وعنه، أصل الدين.

هو سبحانه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، التي تتضمن كمال محبته، وكمال تعظيمه، والذلّ له، ولأجل ذلك أرسل رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، وعلى ذلك وضع الثواب والعقاب وأُسّست الجنةُ والنار وانقسم الناس إلى شقيٍّ وسعيد.

لا شيء أحبُّ إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربها ومدبرها ورازقها، ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح وسرور النفس وقوت القلوب ونور العقول وقرة العيون، وعمارة الباطن.

ليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزكية أحلى ولا ألذّ ولا أطيب ولا أسرّ ولا أنهم من محبته والأنس به والشوق إلى لقائه. والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتمّ من كل نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كل لذة.

من كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب، وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يُعرفُ إلا بالذوق والوجد، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبًّا لغيره، ولا أُنسًا به، وكلما ازداد له حبًّا ازداد له عبودية وذلًّا وخضوعًا ورقًّا له، وحرية عن رقِّ غيره.

القلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذُّ ولا يطمئنُّ ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه ولو حصل له جميع ما يلتذُّ به من المخلوقات لم يطمئن إليها ولم يسكن إليها بل لا تزيده إلا فاقة وقلقًا حتى يظفر بما خُلق له، وهُيِّئ له، من كون الله وحده نهاية مراده وغاية مطالبه.

ما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة الله تعالى، وطمأنينة بذكره، وتنعم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأُنس بقربه، وإن لم يحُسّ به لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به، وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه.


إذا عُرف هذا فالعبد في حال معصيته واشتغاله عنه بشهوته ولذته تكون تلك اللذة والحلاوة الإيمانية قد استترت عنه وتوارت أو نقصت أو ذهبت فإنها لو كانت موجودة كاملة لما قدم عليها لذة وشهوة لا نسبة بينها بوجه ما بل هي أدنى من حبة خردل بالنسبة إلى الدنيا وما فيها.

ولهذا تجد العبد إذا كان مخلصًا لله، منيبًا إليه، مطمئنًا بذكره، مشتاقًا إلى لقائه...منصرفًا عن هذه المحرمات، لا يلتفت إليها، ولا يعول عليها.

فوائد محاسبة النفس:
في محاسبة النفس عدة مصالح: منها: الاطلاع على عيوبها، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله.

من فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله عليه، ومن لم يعرف حق الله عليه فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه، وهي قليلة المنفعة جدًّا.

من فوائد محاسبة النفس النظر في حق الله على العبد، فإن ذلك يورثه مقت نفسه، والإزراء عليها، ويخلصه من العجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه، واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله.

الغناء:
للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء، فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه.

القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدًا؛ لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسنه، ويُهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح.

الحيل والخداع:
المخادعة هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه؛ لتحصيل مقصود المخادع.

المحتال بالباطل يعامل بنقيض قصده شرعًا وقدرًا، وقد شاهد الناس عيانًا أنه من عاش بالمكر مات بالفقر...وقد اطردت سُنته الكونية سبحانه في عباده، بأنَّ من مكر بالباطل مُكر به، ومن احتال احتيل عليه، ومن خادع غيره خُدع.

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]، فلا تجد ماكرًا إلا وهو ممكُور به، ولا مخادعًا إلا وهو مخدوع، ولا محتالًا إلا وهو محتال عليه.

نحن نعلم علمًا لا نشك فيه أن الحيل التي تتضمن تحليل ما حرمه الله تعالى وإسقاط ما أوجبه، لو كانت جائزة لسنها الله سبحانه وندب إليها لما فيها من التوسعة والفرج للمكروب والإغاثة للملهوف، كما ندب إلى الإصلاح بين الخصمين.



من المعلوم أن الربا لم يُحرم لمجرد صورته ولفظه، وإنما حُرِّم لحقيقته ومعناه ومقصوده...فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حُرمت لأجلها، مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله.

المفسدة العظيمة التي اشتمل عليها الربا، لا تزول بتغيير اسمه من الربا إلى المعاملة، ولا بتغيير صورته من صورة إلى صورة، والحقيقة معلومة متفق عليها بينهما قبل العقد، يعلمها مِنْ قلوبهما عالم السرائر، فقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد، ثم غيرا اسمه إلى المعاملة، وصورته إلى التابع الذي لا قصد لهما فيه البتة، وإنما هو حيلة ومكر، ومخادعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

العشق:
العشقُ إذا تمكن من القلب فإنه يعزّ عليه التخلص منه.



إذا كان الشيطانُ يريدُ أن يوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين في الخمر والميسر، ويصُدهم بذلك عن ذكر الله وعن الصلاة، فالعداوة والبغضاء والصد الذي يُوقعه بالعشق أعظم بكثير.



الزنى بالفرج وإن كان أعظم من الإلمام بالصغيرة، كالنظرة والقبلة واللمس، لكن إصرار العاشق على محبة الفعل وتوابعه ولوازمه، وتمنيه له، وحديث نفسه به أنه لا يتركه، واشتغال قلبه بالمعشوق: قد يكون أعظم ضررًا من فعل الفاحشة مرةً بشيء كثير، فإن الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة، أو يربي عليها.

الملائكة:
الملائكة...هم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه، وأولياؤه في الدنيا والآخرة، وهم الذين يُرُونه في منامه ما يخافُهُ ليحذره، وما يُحبُّه ليقوى قلبه، ويزداد شكرًا، وهم الذين يعدونه بالخير ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر ويحذرونه منه. فهم أولياؤُه وأنصاره، وحفظته، ومُعلموه، وناصحوه، والداعون له، والمستغفرون له، وهم الذين يُصلون عليه ما دام في طاعة ربه، ويُصلون عليه ما دام يُعلِّم الناس الخير، ويُبشرونه بكرامة الله تعالى في منامه، وعند موته، ويوم بعثه وهم الذين يزهدونه في الدنيا، ويرغبونه في الآخرة، وهم الذين يذكرونه إذا نسي وينشطونه إذا كسل، ويثبتونه إذ جزع، وهم الذين يسعون في مصالح دنياه وآخرته.



الفتن:
الفتنة نوعان: فتنة الشبهات، وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما.

فتنة الشبهات تُدفعُ باليقين، وفتنة الشهوات تُدفع بالصبر.

إذا سلم العبدُ من فتنة الشبهات والشهوات حصل له أعظم غايتين مطلوبتين، بهما سعادته وفلاحه وكماله، وهما الهُدى والرحمة.

أصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.

فتنة الشبهات: من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصولُ الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى.

ولا يُنجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في دِقِّ الدين وجِلِّه، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، وما يُثبتُه الله من الصفات والأفعال والأسماء، وما ينفيه عنه.

من مظاهر رحمة أرحم الراحمين:
مما ينبغي أن يُعلم: أن الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرحم الناس بك من شقَّ عليك في إيصال مصالحك، ودفع المضار عنك.

من إتمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه، ومنعه من كثير من أعراضه وشهواته: من رحمته به، ولكن العبد لجهله وظُلمه يتهم ربه، ولا يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه.

من رحمته سبحانه بعباده ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمةً وحميةً لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به؛ فهو الغني الحميد، ولا بُخلًا منه عليهم بما نهاهم عنه؛ فهو الجواد الكريم.

من رحمته: أن نغّص عليهم الدنيا وكدَّرها؛ لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في دار جواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليُعطيهُم، وابتلاهم ليُعافيهُم، وأماتهم ليُحييهم.

من رحمته بهم: أن حذرهم نفسه، لئلا يغتروا به، ويعاملوه بما لا تحسُنُ معاملته به، قال الله تعالى:﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾[آل عمران: 30].

قال غير واحد من السلف: من رأفته بالعباد حذرهم الله من نفسه؛ لئلا يغتروا به.

من حِكَم ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم عليهم:
ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانًا، فيه حِكَم عظيمة، لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل. فمنها: استخراج عبوديتهم، وذُلهم لله، وانكسارهم له، وافتقارهم إليه، وسؤالهم نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائمًا منصورين قاهرين غالبين لبطروا وأشروا، ولو كانوا دائمًا مقهورين مغلوبين منصورًا عليهم عدوهم لما قامت للدين قائمة، ولا كانت للحق دولة، فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرفهم بين غلبتهم تارة، وكونهم مغلوبين تارةً، فإذا غُلبوا تضرعوا إلى ربهم، وأنابوا إليه، وخضعوا له، وانكسروا له، وتابوا إليه، وإذا غَلَبوا أقاموا دينه وشعائره، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا عدوه، ونصروا أولياءه.


شبكة الالوكة








05-19-2022 11:39 AM
#2  

افتراضيرد: فوائد من "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم

بارك الله فيكى وجعل عملك بميزان حسناتك



اظهار التوقيع
توقيع
احبك ربى
كما شهرزاد.. حكت لتُبقي نفسها على قيد الحياة، أكتبُ لأبقِى نفسي على قيد الحياة. إنّني مع كلّ نصٍّ أكتبه أكتشف حقيقة أخرى مخبأة في داخلي.




الكلمات الدلالية (Tags)
"إغاثة, فوائد, لابن, من, مصايد, القيم, اللهفان, الشيطان"

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"مركبات جديدة" مميزات لعبة جراند ثفت أوتو 5 الإصدار الأخير 2021 Grand Theft Auto ام رونزا مواضيع عامه ومنوعه 0 11-23-2021 01:44 AM
Garnier Skin Naturals BB،كريم أساس"Fit Me،ماسكرا Twist Up The Volume،مصحح الحواجب من "MN ام رونزا ميك اب ومكياج 0 10-27-2020 10:31 PM
Bento lunchbox ideas افكار لاعداد وجبة فطور صحيه،أحدث أفكار "اللانش بوكس" لتعزيز مناعة طفلك ام رونزا اطباق واكلات للاطفال 0 09-19-2020 04:54 PM
صور من الريف تحاكي البيئة الفراتية البسيطة،صور "ديكورات" ريفية بطلّة عصرية 2020 ام رونزا صور 2021 1 06-18-2020 09:57 PM
الإمارات تدين "جريمة الحوثيين".. وتحذر من "سابقة خطيرة" مى اهم الاخبار اليومية - news 0 12-07-2019 01:12 AM


الساعة الآن 12:35 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل