القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=21456
1732 0
05-22-2022 01:31 PM
#1  

افتراضيالتفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 2


قال الله تعالى حكاية عن إبليس: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ﴾.
هل الله تعالى أغوى الشيطان، أم الكبر الذي كان في نفسه أغواه؟
أولاً:لِنَعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ الإِضْلَالَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا أَنَّ الهِدَايَةَ بِيَدِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، فَكَمَا أَنَّ اللهَ تعالى يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً مِنْهُ، فَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَـسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.
فَلَا شَيْءَ في الوُجُودِ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا وَهُوَ مَخْلُوقٌ للهِ تعالى، صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ خَالِقُ الهِدَايَةِ، وَهُوَ خَالِقُ الضَّلَالِ، فَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً.

ثانياً: إِضْلَالُ اللهِ تعالى لِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ يِكُونُ بِالعَدْلِ، فَاللهُ تعالى بَيَّنَ الأَصْنَافَ الذينَ يُضِلُّهُمْ سُبْحَانَهُ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾.

وبناء على ذلك:
فَإِغْوَاءُ اللهِ تعالى لِإِبْلِيسَ لَا شَكَّ بِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ تعالى، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ اسْتِكْبَارِهِ وَفِسْقِهِ، قَالَ تعالى عَنْ إِبْلِيسَ:
﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾. وَهَذَا الفُسُوقُ بِسَبَبِ الاسْتِكْبَارِ، وَهَذَا الأَمْرُ جَاءَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. فِسْقٌ وَاسْتِكْبَارٌ وَعِنَادٌ وَإِصْرَارٌ
فَهَلْ إِضْلَالُهُ ظُلْمٌ أَمْ عَدْلٌ؟

﴿كُلَّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَاً﴾.
هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<<<


كيف نفهم قول الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
والله تعالى يقول: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾؟

أولاً: هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ نَزَلَتْ في حَقِّ عَمِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الشيخان عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَةِ.
فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ قُلْ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ».
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ المَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ».
فَأَنْزَلَ اللهُ:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْـمُشْرِكِينَ﴾. وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.

ثانياً: الهِدَايَةُ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَو شَاءَ اللهُ تعالى لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعَاً بِالقَهْرِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَلَا يَجْرِي في مُلْكِهِ إِلَّا مَا يُرِيدُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعَاً﴾. فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ الهِدَايَةُ خَلْقَاً وَإِيجَادَاً وَسَبَبَاً.

ثالثاً: جَعَلَ اللهُ تعالى في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبَاً، لِأَنَّهُ أَعْطَى العِبَادَ جُزْءَاً مِنَ الاخْتِيَارِ تَكْلِيفَاً لَهُمْ؛ فَمِن جُمْلَةِ أَسْبَابِ الهِدَايَةِ إِرسَالُ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَمِنْ حَيْثُ هِدَايَةُ السَّبَبِ فَهِيَ مُحَقَّقَةٌ للجَمِيعِ ﴿
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾. فَمَنْ شَاءَ آمَنَ، وَمَنْ شَاءَ كَفَرَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

وبناء على ذلك:

فَالهِدَايَةُ مِنَ اللهِ تعالى لِخَلْقِهِ عَلَى نَوْعَيْنِ
هِدَايَةُ دِلَالَةٍ، وَهِدَايَةُ مَعُونَةٍ وَخَلقٍ.

هِدَايَةُ الدِّلَالَةِ هِيَ هِدَايَةُ السَّبَبِ، وَهِيَ مَا أَشَارَ اللهُ تعالى إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تعالى:﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. يَعْنِي هِدَايَةَ دِلَالَةٍ؛ هَذِهِ هِيَ وَظِيفَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾.
وَأَمَّا هِدَايَةُ المَعُونَةِ وَالخَلْقِ فَهِيَ حَصْرَاً بِيَدِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. يَعْنِي لَا تَخْلُقُ في قَلْبِهِ الهِدَايَةَ.

وَبِذَلِكَ يُفْهَمُ قَوْلُهُ تعالى:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. يَعْنِي: لَا تَخْلُقُ الهِدَايَةَ في القَلْبِ.
وَقَوْلُهُ تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. يَعْنِي: تَدُلُّ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ.
فَالآيَةُ الأُولَى تُحْمَلُ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَالثَّانِيَةُ تُحْمَلُ عَلَى السَّبَبِ. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<<<<

ما سبب نزول قوله تعالى:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾؟
وما معناه؟
أولاً: روى الدارقطني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾: نَزَلَتْ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ.
وروى البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾: كَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ يَجْهَرُ بِهِ.
فَكَانَ المُشْرِكُونَ يَطْرُدُونَ النَّاسَ عَنْهُ، وَيَقُولُونَ: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.
وَكَانَ إِذَا أَخْفَى قِرَاءَتَهُ لَمْ يَسْمَعْ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:
﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلَاً﴾.

ثانياً: الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الاسْتِمَاعِ وَالإِنْصَاتِ للقُرآنِ الكَرِيمِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ التِّلَاوَةُ في الصَّلَاةِ أَم خَارِجَهَا، وَهِيَ عَامَّةٌ في جَمِيعِ الأَوْضَاعِ، وَكُلِّ الأَحْوَالِ.
وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ في الصَّلَاةِ، كَمَا جَاءَ في مُسْنَدِ الإِمَامِ أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا».
وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ، فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى المُقْتَدِي السُّكُوتُ عِنْدَ القِرَاءَة مُطْلَقَاً، فَيَسْمَعُ إِذَا جَهَرَ الإِمَامُ، وَيُنْصِتُ إِذَا أَسَرَّ، وَإِذَا قَرَأَ المُقْتَدِي كُرِهَ تَحْرِيمَاً.

وبناء على ذلك:
فَالآيَةُ نَزَلَتْ في رَفْعِ الأَصْوَاتِ في الصَّلَاةِ، وَأُمِرَ النَّاسُ بِالاسْتِمَاعِ وَالإِنْصَاتِ عِنْدَ التِّلَاوَة، سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً، وَهَذَا عِنْدَ فُقَهَاءِ الحَنَفِيَّةِ.
وَذَكَرَ الفُقَهَاءُ بِأَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لِذَا قَالُوا بِأَنَّ الاسْتِمَاعَ إلى تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ حِينَ يُقْرَأُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ لِتَرْكِ الاسْتِمَاعِ؛ وَهَذَا الوَاجِبُ وَاجِبٌ كِفَائِيٌّ إِذَا قَامَ بِهِ البَعْضُ سَقَطَ الإِثْمُ عَنِ البَاقِينَ.

يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الْأَصْلُ أَنَّ الاسْتِمَاعَ لِلْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، لِأَنَّهُ لِإِقَامَةِ حَقِّهِ بِأَنْ يَكُونَ مُلْتَفَتَاً إلَيْهِ غَيْرَ مُضَيَّعٍ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِنْصَاتِ الْبَعْضِ؛ كَمَا فِي رَدِّ السَّلَامِ. اهـ. هذا، والله تعالى أعلم.



التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 2 26168022_53185283383




ما تفسير قول الله تعالى:
﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً عَلِيمَاً﴾؟

قَوْلُهُ تعالى في سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً عَلِيمَاً﴾. يَعْنِي أَنَّ اللهَ تعالى لَا يُحِبُّ الجَهْرَ بِالسُّوءِ، وَلَا غَيْرَ الجَهْرِ بِهِ أَيْضَاً، مِنَ القَوْلِ القَبِيحِ، مِنْ سَبٍّ، أَو شَتْمٍ، أَو لَعْنٍ، أَو قَذْفٍ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، إِلَّا مَن كَانَ مَظْلُومَاً فَلَهُ أَنْ يُقَابِلَ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ.روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ» مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْمَ السِّبَابِ الوَاقِعِ مِنِ اثْنَيْنِ مُخْتَصٌّ بِالبَادِئِ مِنْهُمَا كُلَّهُ، إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الثَّانِي قَدْرَ الانْتِصَارِ فَيَقُولَ للبَادِئِ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ لَهُ.
هَذَا مِنْ بَابِ العَدْلِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾. وَلَكِنْ كَظْمُ الغَيْظِ وَالعَفْوُ وَالإِحْسَانُ لِمَن أَسَاءَ أَوْلَى، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِي نَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾.

بناء على ذلك:
فَاللهُ تعالى لَا يُحِبُّ الجَهْرَ بِالسُّوءِ وَلَا غَيْرَ الجَهْرِ بِهِ، وَيَمْقُتُ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ، وَيَشْمَلُ جَمِيعَ الأَقْوَالِ السَّيِّئَةِ التي تَسُوءُ وَتُحْزِنُ، كَالشَّتْمِ، وَالقَذْفِ، وَالسَّبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيُبْغِضُهُ اللهُ تعالى، وَلَكِنْ يُحِبُّ الحُسْنَ مِنَ القَوْلِ، وَالكَلَامَ الطَّيِّبَ اللَّيِّنَ.
إِلَّا مَن ظُلِمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَابِلَ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، بِدُونِ زِيَادَةٍ عَلَى مَظْلَمَتِهِ، وَلَا يَتَعَدَّى بِالقَوْلِ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَلَكِنَّ العَفْوَ أَوْلَى ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
روى الإمام أحمد في مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَاً شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، غَضِبْتَ وَقُمْتَ.
قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَعَزَّ اللهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا كَثْرَةً، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً، إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً». هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<


يقول الله تعالى في سورة الشعراء
﴿وَالشُّعَرَاء ُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾.
أي شعراء هؤلاء؟



قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاء ُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾. هُمْ شُعَرَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الفِسْقِ وَالمُجُونِ الذينَ يَتَّبِعُهُمْ الغَاوُونَ مِنَ النَّاسِ وَشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ.
هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ الذينَ يَذْهَبُونَ في كُلِّ وَادٍ كَالـهَائِمِ عَلَى وَجْهِهِ، لَا يَعْرِفُ قَصْدَهُ، وَلَا هَدَفَهُ، حَائِرٌ عَنِ الحَقِّ، بَعِيدٌ عَنْ طَرِيقِ الرَّشَادِ وَقَصْدِ السَّبِيلِ.
هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ الذينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ، يَمْدَحُونَ بِالبَاطِلِ مَنْ شَاؤُوا، وَيَهْجُونَ آخَرِينَ كَذِبَاً وَزُورَاً.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحَاً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرَاً» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وبناء على ذلك:
فَالشُّعَرَاءُ الذينَ عَنَاهُمُ اللهُ تعالى في آخِرِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ هُمُ الذينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، مِنَ المُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الفِسْقِ وَالفُجُورِ، وَالذينَ يَجْعَلُونَ الحَقَّ بَاطِلَاً، وَالبَاطِلَ حَقَّاً، يَمْدَحُونَ أَهْلَ البَاطِلِ، وَيَذُمُّونَ أَهْلَ الحَقِّ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ.
أَمَّا الشُّعَرَاءُ الذينَ يُدَافِعُونَ عَنِ الحَقِّ وَأَهْلِهِ، وَيَذُمُّونَ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ، فَلَيْسُوا مَشْمُولِينَ بِهَذَا.
روى الشيخان عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ ـ أَوْ هَاجِهِمْ ـ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اهْجُوا قُرَيْشَاً، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ».
لِذَا نَرَى الآيَةَ الكَرِيمَةَ اسْتَثْنَتِ الشُّعَرَاءَ الذينَ هُمْ أَهْلُ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرَاً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.
فَالشِّعْرُ كَلَامٌ، حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ.
يُروَى عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ قَوْمَاً أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ لَنَا إِمَامَاً إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ تَغَنَّى.
فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هُوَ؟
فَذُكِرَ لَهُ الرَّجُلُ.
فَقَالَ: قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ؛ فَإِنَّا إِنْ وَجَّهْنَا إِلَيْهِ يَظُنُّ أَنَّا تَجَسَّسْنَا عَلَيْهِ أَمْرَهُ.
قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوُا الرَّجُلَ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ.
فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ إِلَى عُمَرَ قَامَ فَاسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا حَاجَتُكَ؟ وَمَا جَاءَ بِكَ؟ إِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَنَا؛ كُنَّا أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْكَ أَنْ نَأْتِيَكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لَكَ؛ فَأَحَقُّ مَنْ عَظَّمْنَاهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَيَحَكَ، بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ سَاءَنِي.
قَالَ: وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: أَتَتَمَجَّنُ فِي عِبَادَتِكَ؟
قَالَ: لَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَكِنَّهَا عِظَةٌ أَعِظُ بِهَا نَفْسِي.
قَالَ عُمَرُ: قُلْهَا، فَإِنْ كَانَ كَلَامَاً حَسَنَاً قُلْتُهُ مَعَكَ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحَاً نَهَيْتُكَ عَنْهُ.
فَقَالَ:
وَفُـؤَادِي كُـلَّـمَـا عَـاتَـبْتُـهُ *** فِي مَدَى الْهِجْرَانِ يَبْغِي تَعَبِي
لَا أَرَاهُ الـــــدَّهْرَ إِلَّا لَاهِيَاً *** فِي تَـمَـادِيـهِ فَـقَـدْ بَـرَّحَ بِـي
يَا قَرِينَ السُّوءِ مَا هَذَا الصِّبَا *** فَنِيَ الْـعُـمْـرُ كَـذَا فِي اللَّعِبِ
وَشَـبَـابٌ بَـانَ عَنِّي فَمَضَى *** قَبْلَ أَنْ أَقْـضِـيَ مِـنْـهُ أَرَبِـي
مَـا أُرَجِّـي بَـعْـدَهُ إِلَّا الْـفَنَا *** ضَيَّقَ الشَّيْبُ عَلَيَّ مَـطْـلَـبِي
وَيْـحَ نَـفْـسِي لَا أَرَاهَـا أَبَـدَاً *** فِي جَـمِـيـلٍ لَا وَلَا فِي أَدَبِ
نَفْسُ لَا كُنْتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى *** رَاقِبِي المَوْلَى وَخَافِي وَارْهَبِي
قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رِضِيَ اللهُ عَنْهُ:
نَفْسُ لَا كُنْتِ وَلَا كَانَ الْهَوَى *** رَاقِبِي الْمَوْلَى وَخَافِي وَارْهَبِي
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَى هَذَا فَلْيُغَنِّ مَنْ غَنَّى. هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<


كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾.
وبين قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾؟


قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾. هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللهِ تعالى عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾.
فَالمُؤْمِنُونَ يُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَلَا يُفَرِّقُونَ مِنْ حَيْثُ الإِيمَانُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الجَمِيعَ مُرْسَلُونَ مِنْ قِبَلِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، وَأَنَّهُم جَاؤُوا بِعَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.
المُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ هُمْ إِخْوَةٌ لِعِلَّاتٍ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ». (المَقْصُودُ: أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فُرُوعُ الشَّرَائِعِ).
أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾. فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللهِ تعالى، بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالمُرْسَلِينَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ دَرَجَاتٌ، وَبَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، بِتَفْضِيلِ اللهِ تعالى، لَا بِتَفْضِيلِ البَشَرِ بَيْنَهُمْ.
فَاللهُ تعالى اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ يَصْطَفِيَ مِنَ المَلَائِكَةِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَتَفْضِيلِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَالِكَ وَرَضْوَانَ.

وَكَذَلِكَ اصْطَفَى وَخَصَّ وَفَضَّلَ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، وَجَعَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وبناء على ذلك:
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ، فَالآيَةُ الأُولَى إِخْبَارٌ مِنَ اللهِ تعالى بِأَنَّ المُؤْمِنِينَ لَا يُفَرِّقُونَ مِنْ حَيْثُ الإِيمَانُ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَالكُلُّ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
وَالآيَةُ الثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إِخْبَارٌ مِنَ اللهِ تعالى بِأَنَّ اللهَ فَضَّلَ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، فَفَضَّلَ الرُّسُلَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَفَضَّلَ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَفَضَّلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَعَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ؛ وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ بِأَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَن يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ حَتَّى نَلْقَى نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحَوْضِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
<<<<<<<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾؟



قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّٰهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. هُوَ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.
هَاتَانِ الآيَتَانِ تَتَحَدَّثَانِ عَنْ يَمِينِ اللَّغْوِ، وَيَمِينِ الغَمُوسِ، وَاليَمِينِ المُنْعَقِدَةِ.
فَيَمِينُ الغَمُوسِ: هِيَ اليَمِينُ الكَاذِبَةُ عَمْدَاً في المَاضِي مَعَ عِلْمِهِ بِالحَالِ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يَقُولُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى النَّفْيِ أَمْ عَلَى الإِثْبَاتِ، كَأَنْ يَقُولَ: وَاللّٰهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، أَو وَاللّٰهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ.
هَذِهِ اليَمِينُ التي قَالَ اللّٰهُ تعالى فِيهَا: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾. وَقَالَ فِيهَا: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾.
وَيَمِينُ اللَّغْوِ: هِيَ اليَمِينُ التي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ، كَقَوْلِهِمْ: لَا وَاللّٰهِ، بَلَى وَاللّٰهِ؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ قَصْدِ اليَمِينِ، فَيَسْبِقُ اللِّسَانُ إلى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ لِمَعْنَاهَا.
وَأَمَّا اليَمِينُ المُنْعَقِدَةُ: فَهِيَ اليَمِينُ عَلَى أَمْرٍ سَيَفْعَلُهُ الحَالِفُ في المُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَاصِدٌ اليَمِينَ.

وبناء على ذلك:
فَيَمِينُ اللَّغْوِ التي تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهَا العَبْدُ.
أَمَّا اليَمِينُ المُؤَاخَذُ بِهَا فَهِيَ اليَمِينُ الغَمُوسُ التي تَعَمَّدَ فِيهَا الحَالِفُ الكَذِبَ مَعَ عِلْمِهِ بِالكَذِبِ، لِأَنَّهُ عَزَمَ بِقَلْبِهِ عَلَى الكَذِبِ، وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ اليَمِينَ الكَاذِبَةَ، وَهَذِهِ المُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.
وَأَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ التي قَالَ اللّٰهُ تعالى فِيهَا: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾. فتَحَدَّثَتْ عَنْ يَمِينِ اللَّغْوِ، فَالعَبْدُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ عَلَيْهَا.
أَمَّا اليَمِينُ التي حَلَفَهَا العَبْدُ عَلَى أَمْرٍ سَيَفْعَلُهُ في المُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ قَاصِدٌ اليَمِينَ، فَهِيَ لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَلَا غَمُوسٍ، بَلْ هِيَ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ نَفْيَاً أَمْ إِثْبَاتَاً، كَأَنْ يَقُولَ: وَاللّٰهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَو وَاللّٰهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا.
فَيَمِينُ اللَّغْوِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا.
وَاليَمِينُ المُنْعَقِدَةُ إِذَا حَنَثَ فِيهَا فَفِيهَا الكَفَّارَةُ.
أَمَّا يَمِينُ الغَمُوسِ التي تَغْمِسُ صَاحِبَهَا في الإِثْمِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ في وُجُوبِ الكَفَّارَةِ فِيهَا.
فذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، بَلْ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا، وَرَدُّ الحُقُوقِ إلى أَهْلِهَا، إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ حُقُوقٌ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَلِيلَاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ (أَيْ: يَمِينَاً أُلْزِمَ بِهَا وَحُبِسَ بِسَبَبِهَا) يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللّٰهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللّٰهِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ اللّٰهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئَاً، وَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، طَيِّبَاً بِهَا نَفْسُهُ مُحْتَسِبَاً، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ ـ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ ـ وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللّٰهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ بَهْتُ مُؤْمِنٍ، أَوِ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَاً بِغَيْرِ حَقٍّ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَجِبُ فِيهَا الكَفَّارَةُ، مَعَ إِعَادَةِ الحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا، إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ حُقُوقٌ. هذا، واللّٰه تعالى أعلم.



التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 2 26168022_53185283383




ما تفسير قول الله تعالى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟
مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ ـ وَخَاصَّةً المُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ـ أَنَّ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ الأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ فِتْنَةٌ.وَالمُرَادُ بِهَذِهِ العَدَاوَةِ أَنَّ العَبْدَ قَدْ يَلْتَهِي بِالزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَدْ يَكُونُوا سَبَبَاً في قَطِيعَةِ الرَّجُلِ رَحِمَهُ، أَو سَبَبَاً في وُقُوعِهِ في المَعْصِيَةِ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ العَاطِفِيَّةِ وَالفِطْرِيَّةِ.

وبناء على ذلك:
فَالزَّوْجَةُ قَدْ تَكُونُ عَدُوَّةً لِزَوْجِهَا، وَذَلِكَ بِصَرْفِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، فَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ كَانَتْ سَبَبَاً في عُقُوقِ زَوْجِهَا لِوَالِدَيْهِ، وَسَبَبَاً في قَطِيعَةِ رَحِمِهِ، وَسَبَبَاً في سُكُوتِهِ عَنِ المُنْكَرَاتِ التي يَرَاهَا في بَيْتِهِ، وَخَاصَّةً مِنْ كَشْفِ العَوْرَاتِ، وَلِبَاسِ البَنَاتِ وَالزَّوْجَةِ الثِّيَابَ الفَاضِحَةَ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ؟
وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للوَلَدِ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في وُقُوعِ وَالِدِهِ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ كَذَلِكَ، فَكَمْ مِنَ الآبَاءِ وَقَعَ في حِرْمَانِ الإِنَاثِ مِنَ التَّرِكَةِ بِدَافِعٍ عَاطِفِيٍّ نَحْوَ وَلَدِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً لِكَسْبِ المَالِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَبْنَائِهِ؟

وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾. فَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ، فَالمَالُ وَالوَلَدُ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَشْكُرَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلَى نِعْمَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَذَلِكَ بِـصَرْفِ المَالِ في الطُّرُقِ الـمَشْرُوعَةِ، وَيُرَبِّي الوَلَدَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ المَالَ في الطُّرُقِ غَيْرِ المَشْرُوعَةِ، وَيُهْمِلَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾؟ هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,


ما هو تفسير قول الله تعالى
﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولَاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾؟


قَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَكْلِيمَ اللهِ تعالى لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيَاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولَاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾.
فَالوَحْيُ مِنَ اللهِ تعالى لِرُسُلِهِ لَهُ أَشْكَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، مِنْهَا الوَحْيُ الذي قَدْ يَكُونُ يَقَظَةً أَو مَنَامَاً، وَمِنْهَا التَّكْلِيمُ مُبَاشَرَةً مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَمِنْهَا عَنْ طَرِيقِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
هَذَا هُوَ التَّكْلِيمُ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَلَيْسَ هُوَ التَّكْلِيمُ الخَاصُّ الذي خَصَّ بِهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ بَعْضَ رُسُلِهِ، قَالَ تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ﴾. وَهَذَا تَكْلِيمٌ خَاصٌّ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللهُ تعالى، ثُمَّ الرَّسُولُ الذي خُصَّ بِهَذَا التَّكْلِيمِ الخَاصِّ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ أَوْحَى اللهُ تعالى إِلَيْهِ يَقَظَةً وَمَنَامَاً، وَكَلَّمَهُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَكْلِيمَاً خَاصَّاً، وَنَزَلَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَصَلَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.


وبناء على ذلك:
فَتَكْلِيمُ اللهِ تعالى للأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ يَقَظَةً أَو مَنامَاً، وَإِمَّا عَنْ طَرِيقِ التَّكْلِيمِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِمَّا عَنْ طَرِيقِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ كَلَّمَهُ اللهُ تعالى عَنْ طَرِيقِ الوَحْيِ، وَكَلَّمَهُ التَّكْلِيمَ العَامَّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَيِّدَنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَزَادَهُ تَبَارَكَ وتعالى بِأَنْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمَاً خَاصَّاً لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، عِنْدَمَا رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى.
وَلَا غَرَابَةَ في أَنْ يكَلِّمَهُ اللهُ تعالى كِفَاحَاً؛ فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى كَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَرَامٍ كِفَاحَاً، فَلَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
(معنى كفاحاً؛ كما قال شراح الحديث: مواجهة أو مباشرة ليس بينهما حجاب ولا رسول.)
روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرَاً»؟
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالَاً وَدَيْنَاً.
قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ»؟
قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدَاً قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحَاً؛ فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ.
قَالَ: يَا رَبِّ، تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً.
قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ».
قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,

يقول الله تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ﴾.
ما هو الصفح الجميل؟
قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾. هُوَ خِطَابٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْفَحَ الصَّفْحَ الجَمِيلَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ؛ وَهُوَ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَالصَّفْحُ عَمَّنْ أَسَاءَ هُوَ أَبْلَغُ مِنَ العَفْوِ، وَقَدْ يَعْفُو الإِنْسَانُ وَلَا يَصْفَحُ.وَالصَّفْحُ الجَمِيلُ هُوَ العَفْوُ عَمَّنْ أَسَاءَ، مَعَ مَحْوِ أَثَرِهِ مِنَ النَّفْسِ، وَبِدُونِ عِتَابٍ للمُسِيءِ.

وبناء على ذلك:
فَالصَّفْحُ الجَمِيلُ خُلُقٌ سَامٍ عَالٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا أَصْحَابُ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ، حَيْثُ يَصْفَحُونَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ بِدُونِ عِتَابٍ. هذا، والله تعالى أعلم.



التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 2 26168022_53185283383




ما معنى قول الله تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلَاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾؟
قَدْ جَاءَ في سُنَنِ ابْنِ مَاجَه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ، إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ؛ قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ: ﴿سَلَامٌ قَوْلَاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾.قَالَ: فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ، مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى نُورُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
فَأَهْلُ الجَنَّةِ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ تعالى وَسَلَامَهُ بِلَا وَاسِطَةَ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿قَوْلَاً﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مِنْ رَبٍّ﴾. لِيُعْلَمَ أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ عَلَى لِسَانِ سَفِيرٍ.
هذََا السَّلَامُ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ، وَالرَّحْمَةُ في تِلْكَ الحَالَةِ لأَهْلِ الجَنَّةِ أَنْ يَرْزُقَهُمُ اللهُ تعالى الرُّؤْيَةَ مَعَ سَمَاعِ السَّلَامِ لِتَكْمُلَ النِّعْمَةُ مِنَ اللهِ تعالى عَلَيْهِمْ.

وبناء على ذلك:
فقَوْلُهُ تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلَاً مِنْ رَبٍّ﴾. هُوَ سَلَامٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَبِّ الوُجُودِ، بَعْدَ تَبَادُلِ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمْ في دَارِ القَرَارِ، وَبَعْدَ تَحِيَّةِ وَسَلَامِ المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَالمَلَائِكَ ةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ هَذَا المُقَامِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾؟

كَأَنَّ الحَقَّ جَلَّ جَلَالُهُ يُحَرِّضُ عَبْدَهُ الذي أَنْعَمَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ بِالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ مِنَ الضَّيَاعِ، وَذَلِكَ بِشُكْرِهِ تَبَارَكَ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَيِّدُوا نِعَمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالشُّكْرِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَشُكْرُ اللهِ تَرْكُ المَعْصِيَةِ. رواه البيهقي.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾: لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنَ النِّعْمَةِ حَتَّى يَعْمَلُوا بِالمَعَاصِي فَيَرْفَعُ اللهُ عَنْهُمُ النِّعَمَ.
وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِذِكْرِ الإِلَهِ *** فَـإِنَّ الإِلَهَ سَرِيــعُ النِّقَمِ

وبناء على ذلك:
فَمِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ اللهِ تعالى وَرَحْمَتِهِ بِالخَلْقِ، أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنْ خَيْرٍ إلى شَرٍّ، وَمِنْ شَرٍّ إلى خَيْرٍ، وَمِنْ رَخَاءٍ إلى شِدَّةٍ، وَمِنْ شِدَّةٍ إلى رَخَاءٍ، وَمِنْ عِزٍّ إلى ذُلٍّ، وَمِنْ ذُلٍّ إلى عِزٍّ، حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
فَإِنْ كَانُوا في صَلَاحٍ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى شَرْعِ اللهِ تعالى، ثُمَّ غَيَّرُوا ظَاهِرَهُمْ وَبَاطِنَهُمْ، غَيَّرَ اللهُ تعالى عَلَيْهِمُ النِّعَمَ وَحَوَّلَهَا إلى غَيْرِهِمْ، وَأَذَاقَهُم نَتِيجَةَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنْ مُخَالَفَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

وَقَدْ يُمْهِلُهُمُ اللهُ تعالى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى تَغْيِيرِ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، أَخَذَهُمْ عَلَى غِرَّةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.

وَقَدْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهَذِهِ هِيَ الطَّامَّةُ الكُبْرَى وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، لِيَكُونَ العَذَابُ لَهُمْ أَشَدَّ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.
وَإِنْ كَانَ العِبَادُ غَارِقِينَ في المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالمُخَالَفَاتِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلى اللهِ تعالى ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، فَإِنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَا بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ وَجَدْبٍ وَقَحْطٍ وَتَمَزُّقٍ وَتَفَرُّقٍ وَتَكَالُبِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، إلى حَالَةٍ حَسَنَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾؟


قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً﴾. يَعنِي مَنْ يَعْمَلْ حَسَنَةً، وَيَكْتَسِبْ طَاعَةً، وَخَاصَّةً حُبَّ آلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنَاً، يَعْنِي نُضَاعِفْ لَهُ الثَّوَابَ في الحَسَنَةِ.
لِأَنَّ صَدْرَ الآيَةِ يَقُولُ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنٍ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ قَرَابَتُكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟
قَالَ: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا».

وبناء على ذلك:
فَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾. يَعْنِي: وَمَنْ يَكْتَسِبْ طَاعَةً، فَالاقْتِرَافُ هُوَ الاكْتِسَابُ، يُقَالُ: اقْتَرَفَ الذَّنْبَ أَيْ: اكْتَسَبَهُ، وَاقْتَرَفَ الحَسَنَةَ أَيْ: اكْتَسَبَهَا، وَاقْتَرَفَ المَالَ اقْتَنَاهُ، وَاقْتَرَفَ لِأَوْلَادِهِ اكْتَسَبَ لَهُمْ، وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا في الـشَّرِّ أَشْهَرُ، فَاسْتِعْمَالُهَا في اقْتِرَافِ الحَسَنَةِ أَيْ: في اكْتِسَابِهَا فَصِيحٌ عَلَى الأَصْلِ. هذا، والله تعالى أعلم.

<<<<<<<


ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾؟


هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَتَحَدَّثُ عَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ، بِحَيْثُ يُدْعَى النَّاسُ بِمَنِ انْتَمَوا إِلَيْهِ مِنْ نَبِيٍّ، أَو عَالِمٍ، أَو كِتَابٍ، فَيُقَالُ: يَا أَتْبَاعَ دِينِ كَذَا، أَو يَا أَتْبَاعَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَو يَا أَتْبَاعَ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، أَو يَا أَتْبَاعَ فُلَانٍ مِنَ العُلَمَاءِ.
وَقِيلَ: يُدْعَى النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِكِتَابِ أَعْمَالِهِمْ، فَيُقَالُ: يَا أَصْحَابَ كِتَابِ الخَيْرِ، وَيَا أَصْحَابَ كِتَابِ الشَّرِّ؛ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾. فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَيَقُولُ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾. وَهُمُ السُّعَدَاءُ أُولُوا الأَبْصَارِ وَالبَصَائِرِ في الدُّنْيَا.
وَآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ، فَيَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾.

وبناء على ذلك:
فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يَذْكُرُ في هَذِهِ الآيَةِ حَالَةَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُنَادَى عَلَى النَّاسِ، كُلٌّ بِإِمَامِهِ، يَعْنِي بِنَبِيِّهِ، فَيُقَالُ: يَا أُمَّةَ إِبْرَاهِيمَ، يَا أُمَّةَ مُوسَى، يَا أُمَّةَ عِيسَى، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ؛ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَهُ كِتَابُهُ، كِتَابُ عَمَلِهِ، فَمَنْ أَخَذَ كِتَابَهُ أَمَامَ نَبِيِّهِ بِيَمِينِهِ، فَيَقْرَأَهُ بِفَرَحٍ وَسُرُورٍ وَاسْتِبْشَارٍ، لِمَا يَرَى فِيهِ مِنَ العَمَلِ الذي يُبَيِّضُ الوَجْهَ.
وَمَنْ أَخَذَهُ بِشِمَالِهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى أَمَامَ نَبِيِّهِ، فَيَقْرَأَهُ فَيَنْدَمَ وَيَتَحَسَّرَ وَيُنَادِي بِالوَيْلِ وَالثُّبُورِ، لِمَا يَرَى فِيهِ مِنَ العَمَلِ الذي يُسَوِّدُ الوَجْهَ.
روى الترمذي والحاكم ـ واللفظ له ـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾.
قَالَ: «يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعَاً».
قَالَ: «وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ».
قَالَ: «فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا، إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا.
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعَاً، عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا، اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهِ؛ فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ ـ في رِوَايَةِ الترمذي: اللَّهُمَّ أَخْزِهِ ـ فَيَقُولُ: أَبْعَدَكُمُ اللهُ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا».
أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ نُدْعَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكِتَابُنَا بِيَمِينِنَا فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ بِرُؤْيَةِ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.


التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 2 26168022_53185283383




ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾؟
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾. يَتَحَدَّثُ عَنْ أَقْوَامٍ صَمُّوا آذَانَهُمْ عَنْ سَمَاعِ الحَقِّ، وَأَخْرَسُوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ بِهِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ شَرُّ مَنْ دَبَّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنْ خَلْقِ اللهِ تعالى.
فَقَدْ جَعَلَهُمُ اللهُ تعالى مِنْ جِنْسِ البَهَائِمِ، لِأَنَّهُمْ صَرَفُوا جَوَارِحَهُمْ عَمَّا خُلِقَتْ لَهُ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ شَرَّهَا، لِأَنَّهُمْ عَانَدُوا بَعْدَ الفَهْمِ، وَكَابَرُوا بَعْدَ العَقْلِ، وَفِي ذِكْرِهِمْ في مَعْرِضِ التَّشْبِيهِ بِهَذَا الأُسْلُوبِ، غَايَةٌ في الذَّمِّ.
وَمِثْلُ هَذَا الوَصْفِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ﴾.
ثُمَّ يَقُولُ تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾. يَعْنِي: وَلَو عَلِمَ اللهُ في هَؤُلَاءِ الذينَ صَمُّوا آذَانَهُمْ، وَأَخْرَسُوا أَلْسِنَتَهُمْ، خَيْرَاً وَصِدْقَاً في طَلَبِ الهِدَايَةِ، وَالرَّغْبَةِ فِيهِ، لَأَسْمَعَهُمُ الحُجَجَ وَالبَرَاهِينَ وَالمَوَاعِظَ، سَمَاعَ تَفَهُّمٍ وَتَدَبُّرٍ، أَيْ: لَجَعَلَهُمْ سَامِعِينَ حَتَّى يَسْمَعُوا سَمَاعَ المُصَدِّقِينَ، وَلَكِنْ عَلِمَ اللهُ تعالى أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، لِأَنَّهُ لَو أَسْمَعَهُمْ سَمَاعَ تَفَهُّمٍ لَتَوَلَّوْا مِمَّا سَمِعُوهُ مِنَ الحَقِّ وَأَعْرَضُوا.
وبناء على ذلك:
فَهَؤُلَاءِ فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ صَمُّوا آذَانَهُمْ كِبْرَاً وَعِنَادَاً، وَأَخْرَسُوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ بِهِ عُلُوَّاً وَاسْتِكْبَارَاً، فَهَؤُلَاءِ شَرُّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ تعالى، هَدَاهُمُ اللهُ تعالى هِدَايَةَ دِلَالَةٍ، وَلَمْ يَهْدِهِمْ هِدَايَةَ مَعُونَةٍ لِمَا عَلِمَ اللهُ تعالى فِيهِمْ مِنْ إِصْرَارٍ عَلَى الغِوَايَةِ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾؟

قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾. يَعْنِي فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، لَا دَافِعَ لِقَضَائِهِ، وَلَا مَانِعَ عَنْ حُكْمِهِ في أَرْضِهِ، وَلَا في سَمَائِهِ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمَاً قَدِيرَاً﴾. ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾. وَمَشِيئَتُهُ هِيَ النَّافِذَةُ.
وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ في حَقِّ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِخْوَتِهِ، حَيْثُ أَرَادَ إِخْوَتُهُ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنْ يَجْعَلُوهُ في الجُبِّ، وَأَرَادُوا بِهِ كُلَّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تعالى أَرَادَ بِهِ كُلَّ خَيْرٍ، فَكَانَ الأَمْرُ كَمَا أَرَادَ اللهُ تعالى وَدَبَّرَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللهِ تعالى.
وَمَنْ تَدَبَّرَ أَحْوَالَ الدُّنْيَا وَعَجَائِبَ أَحْوَالِهَا عَرَفَ وَتَيَقَّنَ أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ تعالى، وَأَنَّ قَضَاءَ اللهِ تعالى هُوَ الغَالِبُ، وَمَشِيئَتَهُ هِيَ العُلْيَا.
وبناء على ذلك:
فَالمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾. يَعْنِي: وَاللهُ غَالِبٌ غَيْرَهُ عَلَى إِنْجَازِ وَتَحْقِيقِ أَمْرِهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ العِبَادُ عِلْمَاً جَازِمَاً أَنَّ اللهَ تعالى إِذَا أَرَادَ قَـضَى المُرَادَ، وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلَا مَانِعَ وَلَا مُخَالِفَ، بَلْ هُوَ الغَالِبُ لِمَا سِوَاهُ.
وَيَقُولُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ في هَذِهِ الآيَةِ: يَعْنِي فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ. هذا، والله تعالى أعلم.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾؟
خِطَابُ اللهِ تعالى للنَّاسِ: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. فَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى عِبَادَهُ المُخْلَصِينَ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْـعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾.
وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيَّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيَّاً﴾.
وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾.
وَهُنَا: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾. أَيْ: لَيْسُوا يَذُوقُونَ العَذَابَ الأَلِيمَ، وَلَا يُنَاقَشُونَ في الحِسَابِ، بَلْ يُتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ، إِنْ كَانَ لَهُمْ سَيِّئَاتٌ، وَيُجْزَوْنَ الحَسَنَةَ بِـعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، إلى مَا يَشَاءُ اللهُ تعالى مِنَ التَّضْعِيفِ.
وبناء على ذلك:
فَالمُخْلِصُونَ وَالمُخْلَصُونَ يُعَامِلُهُمُ اللهُ تعالى بِالفَضْلِ لَا بِالعَدْلِ، وَيُحَاسِبُهُمْ حِسَابَاً يَسِيرَاً، وَيَسْتُرُهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ ابْتِدَاءً بِإِذْنِ اللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرَاً مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾؟
قَوْلُهُ تعالى: ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرَاً مِنَ الْأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ المُخْلَصِينَ﴾. هُوَ كَلَامُ المُشْـرِكِينَ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا عَيَّرَهُمْ أَحَدٌ بِالجَهْلِ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الأَوَّلِينَ كَالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجيلِ، لَأَخْلَصْنَا العِبَادَةَ للهِ تعالى، وَلَمْ نَكْفُرْ بِهِ؛ فَلَمَّا جَاءَهُمْ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ وَالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَبِالعِلْمِ الذي أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِهِ، كَفَرُوا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا شَأْنُ مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ فِيهِ.
وبناء على ذلك:
فَاللهُ تعالى يُخْبِرُ عَنِ المُشْرِكِينَ بِمَا كَانُوا يَقُولُونَ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا كِتَابٌ مِنَ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ التي أَنْزَلَهَا اللهُ تعالى لَاهْتَدَيْنَا بِهَا، وَتَطَهَّرْنَا بِهَا مِنْ جَاهِلِيَّتِنَا، وَمِنْ كُلِّ ضَلَالٍ وَشَرٍّ وَشِرْكٍ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِمَا سَبَقَهُ مِنَ الكُتُبِ وَمُهَيْمِنَاً عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقَاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنَاً عَلَيْهِ﴾. بِوَاسِطَةِ أَفْضَلِ رَسُولٍ وَنَبِيٍّ، كَفَرُوا بِهِ، وَكَذَّبُوهُ، وَحَارَبُوهُ.
حَالُهُمْ كَحَالِ أَهْلِ الكِتَابِ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى العَرَبِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. أَيْ: وَقَدْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ هَذَا الرَّسُولِ بِهَذَا الكِتَابِ يَسْتَنْصِرُونَ بِمَجِيئِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ إِذَا قَاتَلُوهُمْ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيُبْعَثُ نَبِيٌّ في آخِرِ الزَّمَانِ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ قَالَ: قَالُوا: فِينَا وَاللهِ وَفِيهِمْ ـ يَعْنِي في الأَنْصَارِ ـ وَفِي اليَهُودِ الذينَ كَانُوا جِيرَانَهُمْ، نَزَلَتْ هَذِهِ القِصَّةُ؛ يَعْنِي: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾.
نَسْأَلُ اللهَ الذي هَدَانَا للإِيمَانِ بالقُرْآنِ وَبِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَرْجُوهُ أَنْ يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.


التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 2 26168022_53185283383


من هو هارون المقصود بقوله تعالى
﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيَّاً﴾؟


قَدْ رَوَى الإمام مسلم عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ يَا أُخْتَ هَارُونَ، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا.
فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ.

فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ».
فَالسَّيِّدَةُ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ، لَمَّا حَمَلَتْ بِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ بِكَلِمَةِ: كُنْ، وَوَلَدَتْ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، اتَّهَمَهَا النَّاسُ بِالفَاحِشَةِ، وَتَعَجَّبُوا كَيْفَ تَقَعُ هَذِهِ السَّيِّدَةُ في الفَاحِشَةِ، وَهِيَ مِنْ نَسْلٍ طَاهِرٍ مِنْ جِهَةِ الأَبِ وَالأُمِّ؟

وَقَوْلُهُمْ لَهَا: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ مَعْنَاهُ: يَا شَبِيهَةَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، المَعْرُوفِ في زَمَانِهِمْ بِالطُّهْرِ وَالعَفَافِ، وَكَانَ اسمُهُ هَارُونَ.


وبناء على ذلك:
فَالمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾. هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوفٌ في زَمَنِ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَخَا سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. هذا، والله تعالى أعلم.

...............


ما تفسير قول الله تعالى
﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾؟


قَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ؟».
قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، وَلَا قَبْلُ، هَيْئَتُهُ كَذَا، هَيْئَتُهُ كَذَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ».
وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: «يَا عَبَّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ، وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ ـ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ ـ».
قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمَاً قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي.
قَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقَّاً، فَاللهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ».
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِـشْرِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ.
قَالَ: «لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللهُ مِنْكَ».
قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ.
قَالَ: «فَأَيْنَ المَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ، حَيْثُ خَرَجْتَ، عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا، فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَلِلْفَضْلِ كَذَا، وَلِقُثَمَ كَذَا، وَلِعَبْدِ اللهِ كَذَا؟».

قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.
وَفِي رِوَايَةِ الحَاكِمِ: فَفَدَى الْعَبَّاسُ نَفْسَهُ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ وَحَلِيفَهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلِمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾..
يَقُولُ العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَعْطَانِي مَكَانَ الْعِشْرِينِ الْأُوقِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ عِشْرِينَ عَبْدَاً، كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَـضْرِبُ بِهِ، مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. اهـ.
وَيَقُولُ سَيِّدُنَا العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ: وَدِدْتُ لَوْ أَخَذَ مِنِّي أَضْعَافَهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾.


وبناء على ذلك:
فَهَذِهِ الآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ في ظَاهِرِ الأَمْرِ نَزَلَتْ في حَقِّ سَيِّدِنَا العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَو في حَقِّ أُسَارَى بَدْرٍ، فَهِيَ مُطْلَقَةٌ، لِأَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

فِي الآيَةِ إِرْشَادٌ للأُمَّةِ بِأَنَّ اللهَ تعالى يَنْظُرُ إلى قُلُوبِ العِبَادِ وَمَا فِيهَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».
فَاللهُ تعالى يَعْلَمُ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، لِأَنَّ اللهَ تعالى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.
فَاللهُ تعالى يُعَامِلُ خَلْقَهُ مِنْ خِلَالِ مَا تَحْتَوِيهُ قُلُوبُهُمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
فَصَاحِبُ القَلْبِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ يَتَوَلَّاهُ اللهُ تعالى وَيُسَدِّدُهُ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ، وَيُؤْتِيهِ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ.

لِذَا عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِطَهَارَةِ قُلُوبِنَا، وَأَنْ لَا يَرَى فِيهَا مَوْلَانَا جَلَّ وَعَلَا إِلَّا مَا يُرْضِيهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِيهَا خَيْرَاً لَا شَرَّاً، وَخَاصَّةً عَلَى خَلْقِ اللهِ تعالى، وَإِذَا تَطَهَّرَتِ القُلُوبُ اسْتَقَامَتِ الجَوَارِحُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا، وَلَا تَجْعَلْ فِيهَا إِلَّا خَيْرَاً. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,


ما معنى قول الله تعالى
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾؟




يَقُولُ بَعْضُ العُلَمَاءِ: أَخْوَفُ آيَةٍ في كِتَابِ اللهِ تعالى، هِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾: هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ، وَلَيْسَ بِاللهِ شُغُلٌ.
وَقَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ: أَيْ سَنَقْصِدُ لِعُقُوبَتِكُمْ، وَنُحْكِمُ جَزَاءَكُمْ.
وروى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا في الرّقَّةِ وَالبُكَاءِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ذَكْوَانَ قَالَ: كَانَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ إِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ بَكَى، وَإِنْ شَهِدَ جِنَازَةً بَكَى، وَإِنْ جَلَسَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ بَكَى وَأَبْكَاهُمْ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَوْمَاً: يَا أَبَهْ كَمْ تَبْكِي؟ وَاللهِ لَوْ كَانَتِ النَّارُ خُلِقَتْ لَكَ مَا زِدْتَ عَلَى هَذَا الْبُكَاءِ.
فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا بُنَيَّ، وَهَلْ خُلِقَتِ النَّارُ إِلَّا لِي، وَلِأَصْحَابِي، وَلِإِخْوَانِنَا مِنَ الْجِنِّ، أَمَا تَقْرَأُ يَا بُنَيَّ: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾؟ أَمَا تَقْرَأُ يَا بُنَيَّ: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٍ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾؟ فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾.
قَالَ: فَجَعَلَ يَجُولُ فِي الدَّارِ وَيَصْرُخُ وَيَبْكِي، حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ.
فَقَالَتْ لِلْفَتَى أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ، مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا مِنْ أَبِيكَ؟
فَقَالَ: وَاللهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُهَوِّنَ عَلَيْهِ، لَمْ أُرِدْ أَنْ أَزِيدَهُ حَتَّى يَقْتُلَ نَفْسَهُ.

وبناء على ذلك:
فَاللهُ تعالى يَتَوَعَّدُ عَالَمَ الإِنْسِ وَالجِنِّ بِقَوْلِهِ: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾. مَعَ أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى لَيْسَ مَشْغُولَاً بِأَمْرٍ حَتَّى يَفْرَغَ لَهُمْ، لِأَنَّ أَمْرَهُ بِكَلِمَةِ كُنْ.
وَالحَقِيقَةُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَلَا تُغْلِطُهُ المَسَائِلُ، وَلَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ المُلِحِّينَ.
فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ المَقْصُودُ بِهَا الوَعِيدُ، كَمَا يَقُولُ القَائِلُ لِمَنْ يَتَوَعَّدُهُ: سَأَتَفَرَّغُ لَكَ.


وَلَيْسَ المَعْنَى أَنَّ اللهَ تعالى يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، ثُمَّ يَفْرُغُ مِنْ هَذَا وَيَأْتِي هَذَا، فَاللهُ تعالى يُدِيرُ كُلَّ شَيْءٍ في آنٍ وَاحِدٍ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَفِي السَّمَاوَاتِ، يُدِيرُهُ كُلَّ ذَلِكَ في آنٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.
التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 2 26168022_53185283383





ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾؟


قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾. يَعْنِي كَمَا يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في تَفْسِيرِهِ: يُخْبِرُ اللهُ عزَّ وجلَّ عَنْ عِلْمِهِ التَّامِّ المُحِيطِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، دَقِيقِهَا وَلَطِيفِهَا؛ لِيَحْذَرَ النَّاسُ عِلْمَهُ فِيهِمْ، فَيَسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ، وَيَتَّقُوهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَيُرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنَّهُ تعالى يَعْلَمُ العَيْنَ الخَائِنَةَ وَإِنْ أَبْدَتْ أَمَانَةً، وَيَعلَمُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ خَبَايَا الصُّدُورِ مِنَ الضَّمَائِرِ وَالسَّرَائِرِ.


قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾: هُوَ الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ، وَفِيهِمُ المَرْأَةُ الحَسْنَاءُ، أَوْ تَمُرُّ بِهِ وَبِهِمُ المَرْأَةُ الحَسْنَاءُ، فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ إِلَيْهَا، فَإِذَا فَطِنُوا غَضَّ، فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ، فَإِذَا فَطِنُوا غَضَّ، وَقَدِ اطَّلَعَ اللهُ تعالى مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ وَدَّ لَو اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا. هَذَا أَوَّلَاً.


ثانياً: يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُطْبَعُ المُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الخِيَانَةَ وَالكَذِبَ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَالمُرَادُ بِخَائِنَةِ الأَعْيُنِ الإِيمَاءُ بِالعَيْنِ بِمَا يُظْهِرُ خِلَافَهُ، روى الحاكم عَنْ سَعْدٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ اخْتَبَأَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثَاً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حِينَ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟».


فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟
فَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ».


وبناء على ذلك:
فَاللهُ تعالى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ، وَيَعْلَمُ مَا في النُّفُوسِ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.
فَهُوَ تَبَارَكَ وتعالى يَعْلَمُ نَوَايَا القُلُوبِ، وَيَعْلَمُ مَا يُرِيدُ العَبْدُ مِنْ حَرَكَاتٍ وَسَكَنَاتٍ في جَمِيعِ جَوَارِحِهِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ.
أَسْأَلُ اللهَ تعالى الحِفْظَ وَالسَّلَامَةَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,



ما تفسير قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾؟

يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعَاً يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.

يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ: يَقُولُ تعالى: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ فِيمَا تَقُصُّهُ عَلَيْهِمْ وَتُذَكِّرُهُمْ بِهِ ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعَاً﴾ يَعْنِي: الجِنَّ وَأَوْلِيَاءَهُمْ ﴿مِنَ الإِنْسِ﴾ الذينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ في الدُّنْيَا، وَيَعُوذُونَ بِهِمْ وَيُطِيعُونَهُمْ، وَيُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورَاً: ﴿يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ﴾ أَيْ: ثُمَّ يَقُولُ: يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ. وَسِيَاقُ الكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى المَحْذُوفِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ﴾ أَيْ: مِنْ إِضْلَالِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلَّاً كَثِيرَاً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَا مَـعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ﴾ يَعْنِي: أَضْلَلْتُمْ مِنْهُمْ كَثِيرَاً. وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالحَسَنُ، وَقَتَادَةُ.

﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ يَعْنِي: أَنَّ أَوْلِيَاءَ الجِنِّ مِنَ الإِنْسِ قَالُوا مُجِيبِينَ للهِ تعالى عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا. اهـ.
وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾: أَيْ: انْتَفَعَ الإِنْسُ بِتَزْيِينِ الشَّهَوَاتِ لَهُمْ، وَانْتَفَعَ الجِنُّ بِطَاعَةِ الإِنْسِ لَهُمْ.


وبناء على ذلك:
فَالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَنْ يَوْمِ المَحْشَرِ، عِنْدَمَا يَجْمَعُ اللهُ تعالى الجِنَّ وَالإِنْسَ جَمِيعَاً، فَيَقُولُ: يَا جَمَاعَةَ الجِنِّ، قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ إِغْوَاءِ الإِنْسِ وَإِضْلَالِهِمْ، فَيُجِيبُ الإِنْسُ الذينَ أَطَاعُوا الجِنَّ وَاسْتَمَعُوا إلى وَسْوَسَتِهِمْ وَتَوَلَّوْهُمْ: رَبَّنَا انْتَفَعَ كُلٌّ مِنَّا بِالآخَرِ، انْتَفَعَ الإِنْسُ بِالشَّيَاطِينِ حَيْثُ دَلُّوهُمْ عَلَى الشَّهَوَاتِ وَعَلَى أَسْبَابِ التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا، وَانْتَفَعَ الجِنُّ بِالإِنْسِ حَيْثُ أَطَاعُوهُمْ وَسَاعَدُوهُمْ عَلَى مُرَادِهِمْ، وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا، أَيْ المَوْتَ أَو يَوْمَ البَعْثِ وَالجَزَاءِ، اعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا، فَاحْكُمْ فِينَا بِمَا تَشَاءُ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ، وَلَقَدْ أَظْهَرْنَا الحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ عَلَى مَا فَرَّطْنَا في الدُّنْيَا.
فَأَجَابَهُمُ اللهُ الحقُّ تعالى بِقَوْلِهِ: النَّارُ مَأْوَاكُمْ وَمَنْزِلُكُمْ أَنْتُمْ وَإِيَّاهُم وَأَعْوَانُكُمْ، وَأَنْتُمْ مَاكِثُونَ فِيهَا مُخَلَّدُونَ عَلَى الدَّوَامِ. هذا، والله تعالى أعلم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,

ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾؟

قَدْ جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ.

فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟

فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ.

فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟

فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾».

فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾.

وَالوَسَطُ: العَدْلُ وَوَسَطُ الشَّيءِ وَأَوسَطُهُ وَوَاسِطَتُهُ تَعنِي أَفْضَلَهُ وَأَوْسَعَهُ وَأَهَمَّهُ وَيُقَالُ وَاسِطَةُ العِقْدِ لِأَكْبَرِ حَبَّةٍ فِيْهِ.

فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ المُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿أُمَّةً وَسَطَاً﴾ أَيْ: عَدْلَاً خِيَارَاً.

وَالمُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّاسِ، الشَّهَادَةُ عَلَى الأُمَمِ يَوْمَ القِيَامَةِ، أَنَّ رُسَلَهُمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ رِسَالَاتِ اللهِ تعالى.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ.

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟

فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ ـ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ ـ.

فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟

فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ.

قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً﴾..

قَالَ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ.

قَالَ: فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ.

قَالَ: ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ».

وروى الإمام أحمد أيضاً عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا؟

فَيَقُولُونَ: لَا.

فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ؟

فَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟

فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ.

فَيُدْعَى وَأُمَّتُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ؟

فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.

فَيُقَالُ: وَمَا عِلْمُكُمْ؟

فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبِيُّنَا، فَأَخْبَرَنَا: أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطَاً ـ قَالَ: يَقُولُ: عَدْلَاً ـ ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.


المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان









الكلمات الدلالية (Tags)
2, وعلوم, [, أحمد, القرآن, النعسان], التفسير, الشيخ, س.ج, شريف

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل