القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=21911
1422 0
07-04-2022 03:32 AM
#1  

افتراضيتفسير سورة المائدة ( 101- 110 ) تفسير السعدي(من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان


{101، 102} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} .ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم، وعن حالهم في الجنة أو النار، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة.وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة، وكالسؤال عما لا يعني، فهذه الأسئلة، وما أشبهها هي المنهي عنها، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء -[246]- من ذلك فهذا (1) مأمور به، كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .{وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} أي: وإذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن، فتسألون عن آية أشكلت، أو حكم خفي وجهه عليكم، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء، تبد لكم، أي: تبين لكم وتظهر، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه.{عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} أي: سكت معافيا لعباده منها، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه. {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} أي: لم يزل بالمغفرة موصوفا، وبالحلم والإحسان معروفا، فتعرضوا لمغفرته وإحسانه، واطلبوه من رحمته ورضوانه.وهذه المسائل التي نهيتم عنها {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي: جنسها وشبهها، سؤال تعنت لا استرشاد. فلما بينت لهم وجاءتهم {أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم".



{103، 104} {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} .هذا ذم للمشركين الذين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما أحله الله، فجعلوا بآرائهم الفاسدة شيئا من مواشيهم محرما، على حسب اصطلاحاتهم التي عارضت ما أنزل الله فقال: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} وهي: ناقة يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة.{وَلا سَائِبَةٍ} وهي: ناقة، أو بقرة، أو شاة، إذا بلغت شيئا اصطلحوا عليه، سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل، وبعضهم ينذر شيئا من ماله يجعله سائبة.{وَلا حَامٍ} أي: جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم.فكل هذه مما جعلها المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان. وإنما ذلك افتراء على الله، وصادرة من جهلهم وعدم عقلهم، ولهذا قال: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} فلا نقل فيها ولا عقل، ومع هذا فقد أعجبوا بآرائهم التي بنيت على الجهالة والظلم


{105} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي: اجتهدوا في إصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الصراط المستقيم، فإنكم إذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم، ولم يهتد إلى الدين القويم، وإنما يضر نفسه.ولا يدل هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضر العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هداه، إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.نعم، إذا كان عاجزا عن إنكار المنكر بيده ولسانه وأنكره بقلبه، فإنه لا يضره ضلال غيره.وقوله: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} أي: مآلكم يوم القيامة، واجتماعكم بين يدي الله تعالى. {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من خير وشر


{106 - 108} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .يخبر تعالى خبرا متضمنا للأمر بإشهاد اثنين على الوصية، إذا حضر الإنسان مقدماتُ الموت وعلائمه. فينبغي له أن -[247]- يكتب وصيته، ويشهد عليها اثنين ذوي عدل ممن تعتبر شهادتهما.{أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي: من غير أهل دينكم، من اليهود أو النصارى أو غيرهم، وذلك عند الحاجة والضرورة وعدم غيرهما من المسلمين.{إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ} أي: سافرتم فيها {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} أي: فأشهدوهما، ولم يأمر بشهادتهما إلا لأن قولهما في تلك الحال مقبول، ويؤكد عليهما، بأن يحبسا {مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} التي يعظمونها.{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} أنهما صدقا، وما غيرا ولا بدلا هذا {إِنِ ارْتَبْتُمْ} في شهادتهما، فإن صدقتموهما، فلا حاجة إلى القسم بذلك.ويقولان: {لا نَشْتَرِي بِهِ} أي: بأيماننا {ثَمَنًا} بأن نكذب فيها، لأجل عرض من الدنيا. {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} فلا نراعيه لأجل قربه منا {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} بل نؤديها على ما سمعناها {إِنَّا إِذًا} أي: إن كتمناها {لَمِنَ الآثِمِينَ} .{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا} أي: الشاهدين {اسْتَحَقَّا إِثْمًا} بأن وجد من القرائن ما يدل على كذبهما وأنهما خانا {فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان} .أي: فليقم رجلان من أولياء الميت، وليكونا من أقرب الأولياء إليه. {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} أي: أنهما كذبا، وغيرا وخانا. {وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: إن ظلمنا واعتدينا، وشهدنا بغير الحق.قال الله تعالى في بيان حكمة تلك الشهادة وتأكيدها، وردها على أولياء الميت حين تظهر من الشاهدين الخيانة: {ذَلِكَ أَدْنَى} أي: أقرب {أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} حين تؤكد عليهما تلك التأكيدات. {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي: أن لا تقبل أيمانهم، ثم ترد على أولياء الميت.{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الذين وصْفُهم الفسق، فلا يريدون الهدى والقصد إلى الصراط المستقيم.وحاصل هذا، أن الميت - إذا حضره الموت في سفر ونحوه، مما هو مظنة قلة الشهود المعتبرين- أنه ينبغي أن يوصي شاهدين مسلمين عدلين.فإن لم يجد إلا شاهدين كافرين، جاز أن يوصي إليهما، ولكن لأجل كفرهما فإن الأولياء إذا ارتابوا بهما فإنهم يحلفونهما (1) بعد الصلاة، أنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا غيرا، ولا بدلا فيبرآن بذلك من حق يتوجه إليهما.فإن لم يصدقوهما ووجدوا قرينة تدل على كذب الشاهدين، فإن شاء أولياء الميت، فليقم منهم اثنان، فيقسمان بالله: لشهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين، وأنهما خانا وكذبا، فيستحقون منهما ما يدعون.وهذه الآيات الكريمة نزلت في قصة "تميم الداري" و "عدي بن بداء" المشهورة حين أوصى لهما العدوي، والله أعلم.ويستدل بالآيات الكريمات على عدة أحكام:منها: أن الوصية مشروعة، وأنه ينبغي لمن حضره الموت أن يوصي.ومنها: أنها معتبرة، ولو كان الإنسان وصل إلى مقدمات الموت وعلاماته، ما دام عقله ثابتا.ومنها: أن شهادة الوصية لا بد فيها من اثنين عدلين.ومنها: أن شهادة الكافرين في هذه الوصية ونحوها مقبولة لوجود الضرورة، وهذا مذهب الإمام أحمد. وزعم كثير من أهل العلم: أن هذا الحكم منسوخ، وهذه دعوى لا دليل عليها.ومنها: أنه ربما استفيد من تلميح الحكم ومعناه، أن شهادة الكفار -عند عدم غيرهم، حتى في غير هذه المسألة- مقبولة، كما ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.ومنها: جواز سفر المسلم مع الكافر إذا لم يكن محذور.ومنها: جواز السفر للتجارة.ومنها: أن الشاهدين -إذا ارتيب منهما، ولم تبد قرينة تدل على خيانتهما، وأراد الأولياء- أن يؤكدوا عليهم اليمين، ويحبسوهما من بعد الصلاة، فيقسمان بصفة ما ذكر الله تعالى.ومنها: أنه إذا لم تحصل تهمة ولا ريب لم يكن حاجة إلى حبسهما، وتأكيد اليمين عليهما.ومنها: تعظيم أمر الشهادة حيث أضافها تعالى إلى نفسه، وأنه يجب الاعتناء بها والقيام بها بالقسط.ومنها: أنه يجوز امتحان الشاهدين عند الريبة منهما، وتفريقهما لينظر عن شهادتهما.ومنها: أنه إذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة - قام اثنان من أولياء الميت فأقسما بالله: أن أيماننا أصدق من أيمانهما، ولقد خانا وكذبا.ثم يدفع إليهما ما ادعياه، فتكون -[248]- القرينة -مع أيمانهما- قائمة مقام البينة


{109، 110} {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} .يخبر تعالى عن يوم القيامة وما فيه من الأهوال العظام، وأن الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} أي: ماذا أجابتكم به أممكم.فـ {قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} وإنما العلم لك يا ربنا، فأنت أعلم منا. {إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} أي: تعلم الأمور الغائبة والحاضرة.{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ} أي: اذكرها بقلبك ولسانك، وقم بواجبها شكرا لربك، حيث أنعم عليك نعما ما أنعم بها على غيرك.{إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أي: إذ قويتك بالروح والوحي، الذي طهرك وزكاك، وصار لك قوة على القيام بأمر الله والدعوة إلى سبيله. وقيل: إن المراد "بروح القدس" جبريل عليه السلام، وأن الله أعانه به وبملازمته له، وتثبيته في المواطن المشقة.{تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا} المراد بالتكليم هنا، غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام، وإنما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب، وهو الدعوة إلى الله.ولعيسى عليه السلام من ذلك، ما لإخوانه من أولي العزم من المرسلين، من التكليم في حال الكهولة، بالرسالة والدعوة إلى الخير، والنهي عن الشر، وامتاز عنهم بأنه كلم الناس في المهد، فقال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} الآيات{وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} فالكتاب يشمل الكتب السابقة وخصوصا التوراة فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل -بعد موسى- بها ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليهوالحكمة هي معرفة أسرار الشرع وفوائده وحكمه وحسن الدعوة والتعليم ومراعاة ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} أي طيرا مصورا لا روح فيه فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وتبرئ الأكمه الذي لا بصر له ولا عين {وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} فهذه آيات بيِّنَات ومعجزات باهرات يعجز عنها الأطباء وغيرهم أيد الله بها عيسى وقوى بها دعوته {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ} لما جاءهم الحق مؤيدا بالبينات الموجبة للإيمان به {إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} وهموا بعيسى أن يقتلوه وسعوا في ذلك فكفَّ الله أيديهم عنه وحفظه منهم وعصمهفهذه مِنَنٌ امتَنَّ الله بها على عبده ورسوله عيسى ابن مريم ودعاه إلى شكرها والقيام بها فقام بها عليه السلام أتم القيام وصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم{111 - 120} {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا} .إلى آخر الآيات (1) أي: واذكر نعمتي عليك إذ يسرت لك أتباعا وأعوانا. فأوحيت إلى الحواريين أي: ألهمتهم، وأوزعت قلوبهم الإيمان بي وبرسولي، أو أوحيت إليهم على لسانك، أي: أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله، فأجابوا لذلك وانقادوا، وقالوا: آمنا بالله، واشهد بأننا مسلمون، فجمعوا بين الإسلام الظاهر، والانقياد بالأعمال الصالحة، والإيمان الباطن المخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف الإيمان.والحواريون هم: الأنصار، كما قال تعالى كما قال عيسى ابن مريم (2) للحواريين: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} .{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنزلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} أي: مائدة فيها طعام، وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله، واستطاعته على ذلك. وإنما ذلك من باب العرض والأدب منهم.ولما كان سؤال آيات الاقتراح منافيا للانقياد للحق، وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين ربما أوهم ذلك، وعظهم عيسى عليه السلام فقال: -[249]- {اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فإن المؤمن يحمله ما معه من الإيمان على ملازمة التقوى، وأن ينقاد لأمر الله، ولا يطلب من آيات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئا.فأخبر الحواريون أنهم ليس مقصودهم هذا المعنى، وإنما لهم مقاصد صالحة، ولأجل الحاجة إلى ذلك فـ {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا} وهذا دليل على أنهم محتاجون لها، {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} بالإيمان حين نرى الآيات العيانية، فيكون (3) الإيمان عين اليقين، كما كان قبل ذلك علم اليقين. كما سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} فالعبد محتاج إلى زيادة العلم واليقين والإيمان كل وقت، ولهذا قال: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} أي: نعلم صدق ما جئت به، أنه حق وصدق، {وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} فتكون مصلحة لمن بعدنا، نشهدها لك، فتقوم الحجة، ويحصل زيادة البرهان بذلك.(1) في ب أكمل الآيات إلى قوله: (وهو على كل شيء قدير) .
(2) هكذا في الأصل والمراد بَيِّنٌ وهو كما قال الله تعالى حكاية لقول عيسى ابن مريم للحواريين.
(3) في ب: حتى يكون.






تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن
لجميع السور بهذا الرابط
من المكتبة الشاملة الحديثة
تفسير سورة المائدة ( 101- 110 ) تفسير السعدي(من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان image.png.432678aee9








الكلمات الدلالية (Tags)
(, ), 101-, 110, في, كلام, كتاب, الكريم, المنان, المائدة, الرحمن, السعدي(من, تفسير, تيسير, سورة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل