القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=22149
1598 0
08-05-2022 05:19 AM
#1  

افتراضيتفسير سورة هود تفسير السعدي{69- 95) (من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان -


لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ( 69 - 83 ) إلى آخر القصة .



أي: ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ) من الملائكة الكرام، رسولنا ( إِبْرَاهِيمَ ) الخليل ( بِالْبُشْرَى ) أي: بالبشارة بالولد، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم، فيبشروه بإسحاق، فلما دخلوا عليه قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ أي: سلموا عليه، ورد عليهم السلام.
ففي هذا مشروعية السلام، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام، وأن السلام قبل الكلام، وأنه ينبغي أن يكون الرد، أبلغ من الابتداء, لأن سلامهم بالجملة الفعلية، الدالة على التجدد، ورده بالجملة الاسمية، الدالة على الثبوت والاستمرار، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية.
فَمَا لَبِثَ إبراهيم لما دخلوا عليه أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أي: بادر لبيته، فاستحضر لأضيافه عجلا مشويا على الرضف سمينا، فقربه إليهم فقال: ألا تأكلون؟.
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ أي: إلى تلك الضيافة نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً وظن أنهم أتوه بشر ومكروه، وذلك قبل أن يعرف أمرهم.
فـ قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ أي: إنا رسل الله, أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط.
وامرأة إبراهيم قَائِمَةٌ تخدم أضيافه فَضَحِكَتْ حين سمعت بحالهم، وما أرسلوا به، تعجبا.

فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ فتعجبت من ذلك.




و {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} فهذان مانعان من وجود الولد {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} فإن أمره لا عجب فيه، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه، لأهل هذا البيت المبارك.{رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أي: لا تزال رحمته وإحسانه وبركاته، وهي: الزيادة من خيره وإحسانه، وحلول الخير الإلهي على العبد {عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} أي: حميد الصفات، لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط.مجيد، والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها.{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} الذي أصابه من خيفة أضيافه {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} بالولد، التفت حينئذ، إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط، وقال لهم: {إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته}{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ} أي: ذو خلق حسن وسعة صدر، وعدم غضب، عند جهل الجاهلين.{أَوَّاهٌ} أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات، {مُنِيبٌ} أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه، فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم.فقيل له: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} الجدال {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} بهلاكهم {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} فلا فائدة في جدالك.{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا} أي: الملائكة الذين صدروا من إبراهيم لما أتوا {لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} أي: شق عليه مجيئهم، {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} أي: شديد حرج، لأنه علم أن قومه لا يتركونهم، لأنهم في صور شباب، جرد، مرد، في غاية الكمال والجمال، ولهذا وقع ما خطر بباله.فـ {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي: يسرعون ويبادرون، يريدون أضيافه بالفاحشة، التي كانوا يعملونها، ولهذا قال: {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السيئاتِ} أي: الفاحشة التي ما سبقهم عليها أحد من العالمين.{قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} من أضيافي، [وهذا كما عرض لسليمان صلى الله عليه وسلم، على المرأتين أن يشق الولد المختصم فيه، لاستخراج الحق ولعلمه أن بناته ممتنع منالهن، ولا حق لهم فيهن. والمقصود الأعظم، دفع هذه الفاحشة الكبرى] (1) .{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} أي: إما أن تراعوا تقوى الله، وإما أن تراعوني في ضيفي، ولا تخزون عندهم.{أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} فينهاكم، ويزجركم، وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم، من الخير والمروءة.فـ {قَالُوا} له: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} أي: لا نريد إلا الرجال، ولا لنا رغبة في النساء.فاشتد قلق لوط عليه الصلاة والسلام، و {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} كقبيلة مانعة، لمنعتكم.وهذا بحسب الأسباب المحسوسة، وإلا فإنه يأوي إلى أقوى الأركان وهو الله، الذي لا يقوم لقوته أحد، ولهذا لما بلغ الأمر منتهاه واشتد الكرب.{قَالُوا} له: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} أي: أخبروه بحالهم ليطمئن قلبه، {لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} بسوء.ثم قال جبريل بجناحه، فطمس أعينهم، فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح، وأمر الملائكة لوطا، أن يسري بأهله {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} أي: بجانب منه قبل الفجر بكثير، ليتمكنوا من البعد عن قريتهم.{وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} أي: بادروا بالخروج، وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم.{إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا} من العذاب {مَا أَصَابَهُمُ} لأنها تشارك قومها في الإثم، فتدلهم على أضياف لوط، إذا نزل به أضياف.{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} فكأن لوطا، استعجل ذلك، فقيل له: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} .


فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82){ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا } بنزول العذاب، وإحلاله فيهم { جَعَلْنَا } ديارهم { عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أي: قلبناها عليهم { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ } أي: من حجارة النار الشديدة الحرارة { مَنْضُودٍ } أي. متتابعة، تتبع من شذ عن القرية.







{84 - 95} {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}إلى آخر القصة (1)



أي: {و} أرسلنا {إِلَى مَدْيَنَ} القبيلة المعروفة، الذين يسكنون مدين في أدنى فلسطين، {أَخَاهُمْ} في النسب {شُعَيْبًا} لأنهم يعرفونه، وليتمكنوا من الأخذ عنه.فـ {قَالَ} لهم {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} أي: أخلصوا له العبادة، فإنهم كانوا يشركون به، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال: {وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط.{إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} أي: بنعمة كثيرة، وصحة، وكثرة أموال وبنين، فاشكروا الله على ما أعطاكم، ولا تكفروا بنعمة الله، فيزيلها عنكم.{وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} أي: عذابا يحيط بكم، ولا يبقي منكم باقية.{وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل الذي ترضون أن تعطوه، {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} أي: لا تنقصوا من أشياء الناس، فتسرقوها بأخذها، بنقص المكيال والميزان.{وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ} فإن الاستمرار على المعاصي، يفسد الأديان، والعقائد، والدين، والدنيا، ويهلك الحرث والنسل.{بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} أي: يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير، وما هو لكم، فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية، وهو ضار لكم جدا.{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فاعملوا بمقتضى الإيمان، {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي: لست بحافظ لأعمالكم، ووكيل عليها، وإنما الذي يحفظها الله تعالى، وأما أنا، فأبلغكم ما أرسلت به.{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} أي: قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم، والاستبعاد لإجابتهم له.ومعنى كلامهم: أنه لا موجب لنهيك لنا، إلا أنك تصلي لله، وتتعبد له، أفإن كنت كذلك، أفيوجب لنا أن نترك ما يعبد آباؤنا، لقول ليس عليه دليل إلا أنه موافق لك، فكيف نتبعك، ونترك آباءنا الأقدمين أولي العقول والألباب؟!وكذلك لا يوجب قولك لنا: {أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا} ما قلت لنا، من وفاء الكيل، والميزان، وأداء الحقوق الواجبة فيها، بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا، لأنها أموالنا، فليس لك فيها تصرف.ولهذا قالوا في تهكمهم: {إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} أي: أئنك أنت الذي، الحلم والوقار، لك خلق، والرشد لك سجية، فلا يصدر عنك إلا رشد، ولا تأمر إلا برشد، ولا تنهى إلا عن غي، أي: ليس الأمر كذلك.وقصدهم أنه موصوف بعكس هذين الوصفين: بالسفه والغواية، أي: أن المعنى: كيف تكون أنت الحليم الرشيد، وآباؤنا هم السفهاء الغاوون؟!!وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم، وأن الأمر بعكسه، ليس كما ظنوه، بل الأمر كما قالوه. إن صلاته تأمره أن ينهاهم، عما كان يعبد آباؤهم الضالون، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاء ومنكر، أكبر من عبادة غير الله، ومن منع حقوق عباد الله، أو سرقتها بالمكاييل والموازين، وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد.{قَالَ} لهم شعيب: {يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي: يقين وطمأنينة، في صحة ما جئت به، {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} أي: أعطاني الله من أصناف المال ما أعطاني.{وَ} أنا لا {أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} فلست أريد أن أنهاكم عن البخس، في المكيال، والميزان، وأفعله أنا، وحتى تتطرق إليَّ التهمة في ذلك. بل ما أنهاكم عن أمر إلا وأنا أول مبتدر لتركه.{إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} أي: ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم، وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي، شيء بحسب استطاعتي.ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس، دفع هذا بقوله: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ} أي: وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير، والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي.{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت في أموري، ووثقت في كفايته، {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} في أداء ما أمرني به من أنواع العبادات، وفي [هذا] التقرب إليه بسائر أفعال الخيرات.وبهذين الأمرين تستقيم أحوال العبد، وهما الاستعانة بربه، والإنابة إليه، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .




{وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي} أي: لا تحملنكم مخالفتي ومشاقتي {أَنْ يُصِيبَكُمُ} من العقوبات {مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} لا في الدار ولا في الزمان.{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} عما اقترفتم من الذنوب {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} فيما يستقبل من أعماركم، بالتوبة النصوح، والإنابة إليه بطاعته، وترك مخالفته.{إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} لمن تاب وأناب، يرحمه فيغفر له، ويتقبل توبته ويحبه، ومعنى الودود، من أسمائه تعالى، أنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه، فهو "فعول" بمعنى "فاعل" وبمعنى "مفعول"{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} أي: تضجروا من نصائحه ومواعظه لهم، فقالوا: {ما نفقه كثيرا مما تقول} وذلك لبغضهم لما يقول، ونفرتهم عنه.{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} أي: في نفسك، لست من الكبار والرؤساء بل من المستضعفين.{وَلَوْلا رَهْطُكَ} أي: جماعتك وقبيلتك {لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} أي: ليس لك قدر في صدورنا، ولا احترام في أنفسنا، وإنما احترمنا قبيلتك، بتركنا إياك.فـ {قَالَ} لهم مترققا لهم: {يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} أي: كيف تراعوني لأجل رهطي، ولا تراعوني لله، فصار رهطي أعز عليكم من الله.{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} أي: نبذتم أمر الله، وراء ظهوركم، ولم تبالوا به، ولا خفتم منه.{إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فسيجازيكم على ما عملتم أتم الجزاء.{و} لما أعيوه وعجز عنهم قال: {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: على حالتكم ودينكم.{إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} ويحل عليه عذاب مقيم أنا أم أنتم، وقد علموا ذلك حين وقع عليهم العذاب.{وَارْتَقِبُوا} ما يحل بي {إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} ما يحل بكم.{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} بإهلاك قوم شعيب {نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} لا تسمع لهم صوتا، ولا ترى منهم حركة.{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، ولا تنعموا فيها حين أتاهم العذاب.{أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ} إذ أهلكها الله وأخزاها {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} أي: قد اشتركت هاتان القبيلتان في السحق والبعد والهلاك.وشعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته لقومه، وفي قصته من الفوائد والعبر، شيء كثير.منها: أن الكفار، كما يعاقبون، ويخاطبون، بأصل الإسلام، فكذلك بشرائعه وفروعه، لأن شعيبا دعا قومه إلى التوحيد، وإلى إيفاء المكيال والميزان، وجعل الوعيد، مرتبا على مجموع ذلك.ومنها: أن نقص المكاييل والموازين، من كبائر الذنوب، وتخشى العقوبة العاجلة، على من تعاطى ذلك، وأن ذلك من سرقة أموال الناس، وإذا كان سرقتهم في المكاييل والموازين، موجبة للوعيد، فسرقتهم - على وجه القهر والغلبة - من باب أولى وأحرى.ومنها: أن الجزاء من جنس العمل، فمن بخس أموال الناس، يريد زيادة ماله، عوقب بنقيض ذلك، وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق لقوله: {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} أي: فلا تسببوا إلى زواله بفعلكم.ومنها: أن على العبد أن يقنع بما آتاه الله، ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة، وأن ذلك خير له لقوله: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} ففي ذلك، من البركة، وزيادة الرزق ما ليس في التكالب على الأسباب المحرمة من المحق، وضد البركة.ومنها: أن ذلك، من لوازم الإيمان وآثاره، فإنه رتب العمل به، على وجود الإيمان، فدل على أنه إذا لم يوجد العمل، فالإيمان ناقص أو معدوم.ومنها: أن الصلاة، لم تزل مشروعة للأنبياء المتقدمين، وأنها من أفضل الأعمال، حتى إنه متقرر عند الكفار فضلها، وتقديمها على سائر الأعمال، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي ميزان للإيمان وشرائعه، فبإقامتها تكمل أحوال العبد، وبعدم إقامتها، تختل أحواله الدينية.ومنها: أن المال الذي يرزقه الله الإنسان - وإن كان الله قد خوله إياه - فليس له أن يصنع فيه ما يشاء، فإنه أمانة عنده، عليه أن يقيم حق الله فيه بأداء ما فيه من الحقوق، والامتناع من المكاسب التي حرمها الله ورسوله، لا كما يزعمه الكفار، ومن أشبههم، أن أموالهم لهم أن يصنعوا فيها ما يشاءون ويختارون، سواء وافق حكم الله، أو خالفه.ومنها: أن من تكملة دعوة الداعي وتمامها أن يكون أول مبادر لما يأمر غيره به، وأول منته عما ينهى غيره عنه، كما قال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}-[389]-ومنها أن وظيفة الرسل وسنتهم وملتهم إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان فيأتون بتحصيل المصالح وتكميلها أو بتحصيل ما يقدر عليه منها وبدفع المفاسد وتقليلها ويراعون المصالح العامة على المصالح الخاصةوحقيقة المصلحة هي التي تصلح بها أحوال العباد وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيويةومنها أن من قام بما يقدر عليه من الإصلاح لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله ما لا يقدر عليه فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه وفي غيره ما يقدر عليهومنها أن العبد ينبغي له أن لا يتكل على نفسه طرفة عين بل لا يزال مستعينا بربه متوكلا عليه سائلا له التوفيق وإذا حصل له شيء من التوفيق فلينسبه لموليه ومسديه ولا يعجب بنفسه لقوله {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}ومنها الترهيب بأخذات الأمم وما جرى عليهم وأنه ينبغي أن تذكر القصص التي فيها إيقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجركما أنه ينبغي ذكر ما أكرم الله به أهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوىومنها أن التائب من الذنب كما يسمح له عن ذنبه ويعفى عنه فإن الله تعالى يحبه ويوده ولا عبرة بقول من يقول "إن التائب إذا تاب فحسبه أن يغفر له ويعود عليه العفو وأما عود الود والحب فإنه لا يعود" فإن الله قال {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}ومنها أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم أو أهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها بل ربما تعين ذلك لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكانفعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على إبادتها وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهمنعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة والله أعلم



المصدر
المكتبة الشاملة الحديثة
تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن

الرابط
تفسير سورة هود تفسير السعدي{69- 95) (من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان - image.png.9cdfa61c4e











الكلمات الدلالية (Tags)
(من, -, 95), في, كلام, كتاب, هود, الكريم, المنان, الرحمن, السعدي{69-, تفسير, تيسير, سورة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:33 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل