تدبر آية....(الكلم الطيب) 3 من [ امانى يسرى محمد ]

القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=24393
933 0
انواع عرض الموضوع
04-27-2023 06:41 AM
#1  

افتراضيأليس الله بكاف عبده (خطبة)


عباد الله، إننا نعيش في زمن تعددت فيه الفتن، ما ظهر منها وما بطن، زمن تختلط فيه الْمِحَنُ، وتتعاظم فيه الفتن، ويكثُر فيه الضعف، ويتضاعف فيه الوَهْنُ، تتبارى فيه الشهوات والشبهات، وتتسابق فيه الملذات والتفاهات، كل بليَّة أعظم من أختها، وكل مصيبة أكبر من التي قبلها، فاحتار الكثير من الناس بعد ثبات، وانتكس الكثير من أصحاب المبادئ بعد استقامة، وارتعدت فرائصُ قومٍ كنا نعُدُّهم أصحابَ بأس وشأن، إلا ما رحِم ربي وعصم.


وقد يُبتلَى الإنسان بأخيه الإنسان، فتصير فتنة أكبرَ مما كان؛ ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20].

أيها المسلمون، نحن في زمن خارت فيه الهمم، وترنَّحت فيه القِيَم، وخرِبت فيه الذِّمم، وتاهت فيه العمم، تدنَّت فيه العزائم، وتقهقرت فيه النفوس، فأضحى الفرد – إلا مَن رحِم الله – أسيرًا لهواه، تائهًا في مَلهاه، مطواعًا لشهواته، غارقًا في نزواته، تابعًا لشيطانه، تلُفُّه رغائبه كالثور في الساقية، أو كالخاتم في الإصبع، وغَدَتْ بعض الأُسر في مجتمعنا تتعامل بالقسوة والتهميش، والتمرد والعقوق، فتعاظم الشِّقاق، وكثُر الطلاق، وتفكَّكت الأسر، وهُدِّمت البيوت، وأضحى المجتمع يئنُّ من آلام التنازع والفرقة، ومن ويلات القتل والتشريد، لماذا كل هذا؟ لأن الناس بعيدون عن ربهم، مقصرون في عباداتهم، فما المخرج إذًا؟



أخي المسلم، لا تقلق ولا تنزعج، فكل العقبات أمامك، وكل الشدائد حولك، وكل التأخيرات في حياتك - ما هي إلا خير، وربُّ الخير لا يأتي إلا بالخير، تأكد تمامًا أن الله ما صرف عنك شيئًا ليحرِمَك، ولا أخَّر عنك أمرًا ليعذبك، وإنما ليعطيك الخير، يعطيك أفضل من اختياراتك لنفسك، ويرفعك بهذا البلاء درجاتٍ عنده، عليك أن تحقق العبودية في نفسك، وبعدها يكفيك ربك، المؤمن يدرك ذلك ببصيرته لا ببصره، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


أخا الإسلام: لا تضعف ولا تنكسر، إذا كنت تشعر بضعفك، وتحس بكسرك، وتشعر بأن الدنيا أكبر منك، وبأنك في مهبِّ الريح، إذًا ربما خالطك شركٌ ما، نظف نفسك، وطهِّر روحك، وراجع نفسك، ادلِف في العبودية لربِّك، وإلا ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31].

في الحياة ما عليك إلا السعي، والله يتكفل بالباقي، لا تفكر كيف سيأتيك الفرج، تدابير الله عظيمة، وهو القدير العزيز، لا تستبِقِ الأحداث، وتخَفِ الابتلاء، فكل بلاء لُطفه معه، ورحمة الله ترافقه، لا أحد يعرفك من الداخل إلا الله، فلا تجزع وتقلق، ما عليك إلا السعي، والإيمان أنه بك أرحم الراحمين، واعلم أن الله يكفيك همُّك، ويكشف كربك؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


أيها المؤمن، هل تشعر أنك بلا قوة، بلا عزيمة، مسلوبُ الإرادة، منزوع الهمة؟ عُدْ إلى ربك، واستغفر من ذنبك؛ فإنما تُثْقِلك الذنوب حتى تصير مثل الجبل؛ روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب وقع على أنفه، فقال به هكذا، فَطَارَ))، وعندما تتطهر من كل ذلك يكفيك ربك؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

أشياؤك التي تخشى عليها، وتريد أن تجعلها عند مَن لا تضيع لديه الودائع، أبناؤك، أو مالك، أو صحتك، أو حياتك.


الله الذي لا ينبغي أن تتوكل إلا عليه، ولا أن تُلجِئَ ظهرك إلا إليه، ولا أن تضع ثقتك إلا فيه، ولا أن تُعلِّق آمالك إلا به، يأمرك أن تركن إليه، فماذا بعد هذا من راحة وهدوء؟ وماذا بعد هذا من عز وشموخ؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

تلجئ ظهرك إليه حتى يمنع عنك سهام الغدر، تفوِّض أمرك إليه حتى يتم على أكمل حال، لا تتعلق بحبال الدنيا الواهية، ولكن عُدْ لربك ولا تقلق؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


عندما تتعرض لضيق كبير، وكرب شديد، وهمٍّ عظيم، توجَّهْ إليه فإنه قويٌّ قادر، غالب قاهر، فهل يستعصي شيء على رب العزة؟ العزة نفسها هو ربها، كل عزة رأيتها أو سمعت بها أو علمتها هو ربها، فكيف يمكن لكُرُوبك أن تصمد أمام إرادة رب العزة والكبرياء والعظمة؟ إذًا لا تجزع؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

عندما تتبرأ من حَولِك وقوتك إلى الله وقوته، وتقول بقلبك قبل لسانك: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتردد كذلك: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فتستعين وتتوكل وتطلب القوة منه على أن تعبده واثقًا فيه، متوكلًا عليه؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


عندما تردد من قلبك: ((اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك))، فكيف يخذلك؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه: "تأملت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]".



ويقول أيضًا: "القلب يعرِض له مرضان عظيمان إن لم يتداركها العبد، تراميا إلى التلف ولا بد؛ وهما: الرياء، والكبر؛ فدواء الرياء: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5]، ودواء الكبر: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]"، إذا كنت كذلك، فلمَ تخاف؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5] تدفع الرياء، ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] تدفع الكبرياء؛ [ابن تيمية].


ثِقْ بأن الله تعالى هو الذي يقضي حوائجك، ويرفع قدرك، ويطهر قلبك، ويغفر ذنبك، ويشفي مرضك؛ ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]



الذي عبدتَه فصلَّيتَ له، والذي مرَّغت جبهتك له، والذي نكَّست رأسك له، هو الأحق أن تعلق حاجاتك به، أن تُوكِلَ إليه أمر شفائك، أن يكون ملجؤك من مخاوفك، أن تجعله سبحانه المعين على تحقيق أحلامك، هو من يهديك ويحفظك، ويرشدك ويكفيك؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


أيا عبدالله، اعلم أنك حتى لو متُّ، فهو الحي الذي لا يموت، تموت أنت ولا يموت هو، سيكون لأولادك من بعدك، سيكون معهم، يرأف بحالهم، يسعدهم، سيجعل حياتهم أفضلَ منها وأنت معهم؛ لأنه الحي الذي لا يموت، المهم نفذ وصاياه، وما وصاياه؟ ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



اركُن إلى ربك، وجِّه إليه نبضات قلبك، وحركة أعضائك، وتدفُّق دمائك في شرايينك، وانتقال الطعام داخل جسدك؛ فإنه يحفظك، ويهديك، ويرشدك.


لو لم يأذن لقلبك أن ينبض، لَفارقتَ الحياة.
لو لم يأذن الله لجفنك أن يغمَض، لاحترقت عيناك جفافًا.
لو لم يأذن لعقلك أن يفكر، لسئِمتَ كل من حولك.
لو لم يأذن الله للسانك أن يتذوق، لبهتتِ الحياة في نظرك.
لو لم يأذن الله لجلدك أن يحس، لتقطعت دون أن تشعر.


حتى صلاح أبنائك لا ينجزه لك ولا يحققه لك، إلا ربك سبحانه.

عباد الله، إنَّ مَن خاف مِن ربه حقَّ الخوف، وتوكَّل عليه حقَّ التوكُّل، وركن إلى عزته وقوته، فلن يُضام؛ لأنه استند على خير الجناب، ولجأ إلى العزيز الوهَّاب، ومن أحب أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله تعالى، ومن أحب أن يكون أكرم الناس، فليتَّقِ الله، ومن سرَّه أن يكون أغنى الناس، فليكن بما في يد الله أوثق مما هو في يديه، ومن لجأ إلى الله، ترفَّع عن خوفه من المخلوقين؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

لذا إن اجتمعت جيوش الكفر، وتعاونت قُوَى الباطل، وأحاط بنا الأعداء من كل مكان، فالله معنا وهو كافينا وحامينا: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، ((ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك))، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


أيها المسلمون، مَنِ الذي أنقذ يونس عليه السلام من ظلمات ثلاث؟ ومن الذي عافى أيوب عليه السلام من الضر؟ ومن الذي أنجى إبراهيم عليه السلام من النار؟ ومن الذي سلَّم موسى عليه السلام من فرعون وقومه؟ ومن الذي عصم يوسف عليه السلام من فعل الخطيئة؟ ومن الذي حفِظ محمدًا عليه السلام وصاحبَه من أعيُن المتربصين؟ أليس هو الله؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



عباد الله، إن من أهم أسباب حماية الله لك أن تكون حافظًا لحدوده وحقوقه، وأوامره ونواهيه، وأن تكون حافظًا لجوارحك من التعدي في الحرام أو التمادي في الباطل، وأن تكون محافظًا على فعل الطاعات، وبذل المعروف والإحسان إلى الآخرين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، ومتى ما كنت محافظًا لذلك كله، حفِظك الله من كل سوء وشرٍّ ومكيدة؛ قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)).


في يوم بدر حين قلَّ العدد، ونقص العتاد، مَنِ الذي أنزل ملائكته على الكافرين تحصدهم حصدًا؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



حين اجتمعت القبائل لاستئصال شأفة المسلمين، وبعد أن نفِدَت أسباب الأرض من بين أيديهم، مَنِ الذي هزم الكفار، وأخرجهم خزايا، ولم يمكِّنْهم من رقاب المؤمنين، ولم يجعَلْ لهم على المؤمنين سبيلًا؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


ويوم حُنَينٍ، من الذي أرسل مِنْ جنده فتغيرت مجريات الأمور، وقلبت موازينها؟ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرج الرجلُ مِن بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يُقال حينئذٍ: هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ، فتنحَّى له الشياطين، فيقول شيطانٌ آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني].


وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: ((غزَوْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجدٍ، فلما أدركته القائلة، وهو في وادٍ كثيرِ العِضاه، فنزل تحت شجرةٍ واستظل بها وعلَّق سيفه، فتفرق الناس في الشجر يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا، فإذا أعرابيٌّ قاعدٌ بين يديه، فقال: إن هذا أتاني وأنا نائمٌ، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائمٌ على رأسي، مخترطٌ صَلْتًا، قال: مَن يمنعك مني؟ قلت: الله، فشَامَهُ ثم قعد، فهو هذا، قال: ولم يعاقِبْه رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه البخاري]؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


إخوة الإسلام: إن العبدَ إذا أحسن عبادته لربِّه، وأحسن يقينه بربِّه، وتوكله على ربِّه، كفاه كل ما أهمَّه، وحفِظه مِن جَور الجائرين، وظُلم الظالمين، وتسلُّط المتسلطين، وشر الشياطين، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا ربُّ العالمين.


يا عبدالله، إذا رأيت من يَهزَأُ بدين الله، ويتآمر على دعوة الله، ويستبيح حُرُمات الله، ويصد عن دين الله، ويقهر عباد الله؛ فتذكر: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


وإذا رأيت من يكذِب على الله في دينه ورُسُله، في بلاده وعباده؛ فقل له: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


وإذا رأيت من يهتك أعراض الناس بالغِيبة أو اللعن، أو إشاعة الفاحشة، ويشيع الحقد والسِّحْر والحسد؛ فقل له: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


وإذا رأيت من يُعاند السماء، ويسفِك الدماء، ويُبعْثِر الأشلاء، ويُمثِّل بالشهداء؛ فقل له: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

وإذا رأيت من يبثُّ الرعبَ في البلاد، وينشر الخوفَ في العباد؛ فتتساقط دموع الثَّكالى، وتتعالى صرخات الأيتام، وتتصاعد آهات الأرامل، ويعلو أنين الجرحى، ويزداد ألم المصابين؛ فقل لكل هؤلاء: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


وإذا رأيت زوَّار الليل يُعربِدون ويعبثون، ويهددون ويعتقلون، يكشفون الأستار، ويفجعون الصغار، ويُفزعون الكبار؛ فقل لهم: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


وإذا رأيت الظالمين يصادرون الأموال، وينهبون الأغراض، ويهتِكون الأعراض؛ فقل لهم: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


وإذا رأيت تضحيات المجاهدين، وصبر المناضلين، وثبات المرابطين؛ فقل لكل هؤلاء: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


عباد الله، لكل وحيد بلا أتباع، لكل أعزل بلا سلاح، لكل فقير بلا أموال: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


لكل مهموم مكروب أحاطت به الشدائد، وحاصرته الخُطُوب من كل اتجاه: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


لكل متعب أتعبته الدنيا، وأرهقته الحياة، فلم يعُدْ ليله ليلًا، ولم يعد نهاره نهارًا: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


لكل مظلوم تكاثرت عليه أيدي البشر من كل اتجاه، شددت عليه طبيعة الدنيا من كل منحًى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].

لكل من تعثرت قدماه في طلب الرزق فبات مهمومًا، لكل محتاج أذلَّته الحاجة، ولم يجد من يجبر خاطره أو يحنو عليه، لكل من فارقه عزيزٌ فترك في قلبه فراغًا مؤلمًا: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



ذكِّر بها نفسك حينما تظن أنك وحيد بشعورك، وحيد بظرفك، وحيد بضعفك، تذكر أن الله كافيك، وأن الله حسيبُك.


ولا يأخذك بريقُ الحياة، ولا يُقلق مضجعك وساوس الشيطان؛ فإنه سبحانه يُمهِل ولا يُهمِل، وما من مظلوم دعاه، إلا رفع دعْوتَه فوق الغمام، وفتح لها أبواب السماء، وقال: ((وعزتي، لأنصرنَّكِ ولو بعد حين)).


﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]: استفهام له معانٍ كثيرة؛ فهو سبحانه بهذا الاستفهام يجعل مَن اعترف بِنِعَمِ الله تعالى يقر بهذه النعم عليه، فيثبت العقل، ويستقر الفؤاد، ويهدأ البال، وما ينشغل الحال إلا بأداء شكر الله تعالى وفضله عليه.

وهذا الاستفهام أيضًا فيه استنكار على مَن جَحَدَ نِعَمَ الله تعالى عليه، فتَشَتَّتَ حاله، وهاج عقله، وطار فؤاده بحثًا عمَّن يكفيه ويدبر أمره، تاركًا الله تعالى الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد.


إن كفاية الله تعالى للعباد لا يحدها حدٌّ، ولا يمنعها مانع، رآها المسلمون رَأْيَ العين في مواطن كثيرة.


عندها لم يعد للخوف وجود، ولا للتردد مكان، ولا للاحتمالات سبب، إذا أمعنت التفكير في هذه الآية: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


أيها المسلمون، لقد أعزَّنا الله بالإسلام، ومتى ما تمسَّكنا به حقَّ التمسك، كنَّا أعزَّاء به على غيرنا؛ ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]، ومن هنا تكن كفاية الله لنا.


والله تعالى جعلنا من خير أمة أُخرجت للناس، متى ما بذلنا كل ما نستطيع في إصلاح الناس، والسعي إلى هدايتهم، وربطهم بخالقهم جل وعلا: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، كانت كفاية الله قريبة منا، ترِقُّ لحالنا، وتحفظنا في طريقنا.


عندما لا نستسلم للهوان، أو نكون أسرى للخوف والأحزان، عندها نستحق هذه الكفاية، ونكون في أسمى مقام وأعلى مكان، وكل ذلك ما دمنا على الحق والإيمان؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].



عباد الله، لقد سُميت سورة يوسف أحسن القصص؛ لأنها تُعَلِّمُنَا أن: السجين سيخرج، والمريض سيُشفى، والغائب سيعود، والحزين سيفرح، والكرب سيزول.


موسى الرضيع لم يغرَق وهو في قمة ضعفه، وغرِق فرعون وهو في قمة جبروته؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



فمن كان مع الله، فلن يضره ضعفه.

ومن لم يكن مع الله، فلن تنفعه قوته.

لذلك لا تحملوا الأرض على رؤوسكم، وقد جعلها الله تحت أرجلكم، وإلى كل مهموم، أحْسِنِ الظن بربه؛ وتذكر أنه سبحانه قال: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


فالله - يا عبدالله - سيحوِّل جميع مشاكلك إلى حلول، وكل آلامك إلى عافية، وكل أحلامك إلى واقع، وكل دموعك إلى ابتسامات؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36] آية عظيمة تبعث في النفس الأمنَ والاستقرار والطمأنينة، فمن كان الله مانعه وكافيَه، فلن يخاف من غيره، ومن كان الله معينه وناصره، فلن يأْبَه بقوة أحد من خَلْقِهِ، فقط ما على المؤمن إلا أن يحقق العبودية لربه، وأن يستقيم على أمره، وأن يبتعد عن أسباب غضبه، وسيكفيه حينها كل شر يخافه، وكل بلاء يحذره، وكل عبودية يحققها العبد لربه يقابلها حماية منه تعالى له، فكلما أوجس المؤمن خيفةً في قلبه، فعليه أن يبدِّدها بعبادة ربه، والعباد الذين تتحقق فيهم كفاية الله لهم، هذه صفاتهم: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 63، 64].


عندما تتحقق عبادتك لله، تجد أن أمانيَّك مع الله حقائق، تطلعاتك مع الله واقع، رغباتك ستُهدى إليك، أشواقك ستصل إليك؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].


*‎ثِقْ بأن الله ألطف من أن يحزن قلبك ثم ينساه، وأكرم من أن يعطيك حزنًا لا يعقبه فرح، وأعظم من أن يزرع فيك أملًا ثم يُمِيته، الله أكبر من همِّك، وقريبًا ستقول: "استجاب" بدلًا من "سيستجيب"، "وإن الله جبر قلبي جبرًا لم أكن أحلم به قط"، كُنْ واثقًا بالله.



وقل: إن الله قادر، وهوِّن عليك بـ ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [الطور: 48]، وإذا ارتعد خوفًا، فطَمْئِنْهُ: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5]، وضمَّ قلبك؛ واقرأ عليه: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].



اللهم اكفنا بما شئت، وكيف شئت، وحيث شئت.



خميس النقيب

شبكة الالوكة













الكلمات الدلالية (Tags)
(خطبة), أليس, الله, بكاف, عبده


الانتقال السريع


الساعة الآن 07:26 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل