المعذبين في قبورهم وقد أعطى الله رسوله القدرة على سماع المعذبين في قبورهم، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلىاللهعليهوسلم في حائط لبني النجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه)) . وفي صحيح البخاري ومسلم وسنن النسائي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: ((خرج رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بعدما غربت الشمس، فسمع صوتاً، فقال: يهود تعذب في قبورها)) .
ويدل على سماع الرسولصلىاللهعليهوسلم للمعذبين في قبورهم الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عباس، وفيه أن الرسولصلىاللهعليهوسلم مرّ بقبرين، فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير..)) الحديث
الشرح
هذه الأحاديث كلها تفيد سماع النبي صلىاللهعليهوسلم لعذاب القبر؛ بل وسماع الجن والبهائم وغيرها من مخلوقات الله في هذا الكون له؛ إلا الإنس. وعلل النبي صلىاللهعليهوسلم حجبه عنهم خشية أن يصعقوا فلا يطيب لأحدهم عيش ولا يجد طعم لذة، ولا شك أن من يسمعه إنما سمعه بإسماع الله إياه له.
و لم يزل بعض الناس يتحدثون عن سماعهم أو رؤيتهم للمعذبين في قبورهم، ومن هؤلاء ثقات أعلام لا مطعن في دينهم وأمانتهم،
يقول ابن تيمية في ذلك:
(قد يكشف لكثير من أبناء زماننا يقظة ومناماً، ويعلمون ذلك ويتحققونه، وعندنا
من ذلك أمور كثيرة) .
وقال في موضع آخر في معرض رده على المكذبين بعذاب القبر:
(وإذا عرف أن النائم يكون نائماً وتقعد روحه وتقوم وتمشي، وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالاً وأموراً بباطن بدنه مع روحه، ويحصل لبدنه وروحه بها نعيم وعذاب، مع أن جسده مضطجع، وعينيه مغمضة، وفمه مطبق، وأعضاؤه ساكنة، وقد يتحرك لقوة الحركة الداخلة، وقد يقوم ويمشي ويتكلم ويصيح، لقوة الأمر في باطنه، كان هذا مما يعتبر به أمر الميت في قبره، فإن روحه تقعد، وتجلس، وتسأل، وتنعم، وتعذب، وتصيح وذلك متصل ببدنه، مع كونه مضطجعاً في قبره، وقد يقوى ذلك حتى يظهر ذلك في بدنه، وقد يرى خارجاً من قبره، والعذاب عليه، وملائكة العذاب موكلة به، فيتحرك بدنه، ويمشي ويخرج من قبره، وقد سمع غير واحد أصوات المعذبين في قبورهم، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب، ومن يقعد بدنه أيضاً إذا قوي الأمر، لكن ليس هذا لازماً في حق كل ميت، كما أن قعود بدن النائم لما يراه، ليس لازماً لكل نائم، بل هو بحسب قوة الأمر) .
الدرر السنية القيامة الصغرى لعمرسليمان الاشقر