القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=24387
1016 0
انواع عرض الموضوع
04-26-2023 06:13 AM
#1  

افتراضيتفسيرالشعراوى(سورة الأعراف)181-183(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )


{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}


وبعد أن قال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجن والإنس} أراد أن يطمئن أهل منهج الله، فلم يقل: (كل الناس)، بل كثير من الجن والإنس ، وعرفنا المقابل يكون كثيراً أيضاً بدليل قوله تعالى في سورة الحج: {وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} أي كثير من الناس يسجدون لله وكثير حق عليهم العذاب.
ويعني قول الحق تبارك وتعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181].
أن كون الله لا يخلو من هداة مهديين، لتستمر الأسوة السلوكية في المجتمع. والأسوة السلوكية في المجتمع هي التي تربي عقائد المواجيد عند الصغار، فالصغير لا يعرف كيف يصلي، ولا كيف يصوم، ولا يميز بين الكذب والصدق ولكنَّه يتعلم بالتقليد لوالديه، فالطفل حين يرى والده وأمه ساعة يَؤَذَّنُ للصلاة يقوم كل منهما إلى الوضوء وأداء الصلاة، هنا يتعلم الطفل كيفية الصلاة، وحين يتكلم إنسان في سيرة آخر، يقول الأب أو الأم: لا داعي للخوض في سيرة الآخرين حتى لا نحبط حسناتنا؛ بذلك يتعلم الطفل كيف يصون لسانه عن الخوض في سيرة الغير، لأن الأسوة السلوكية تنضح عليه، بدليل أن الصغير الذي لم يبلغ مبلغ الفهم إذا سمع المؤذن بعد ذلك يقوم من نفسه ليُحضر سجادة الصلاة ويقلد والده ووالدته.
ونفهم من قوله تعالى: {وَبِهِ يَعْدِلُونَ}
إنهم في حكمهم على الأشياء يقيمون العدل بالحق، أو أن يكون العدل هو نفي الشرك، وقد يكون العدل في مسألة الكبائر، أو يقيمون العدل في مسألة الحقوق بين الناس. {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ}


وقوله في الآية الكريمة: {أمة} يعني أن صفات الكمال المنهجية أكثر من أن يحيط بها واحد لينفذها كلها، فكل واحد له جزء يقوم به، فهناك من يتميز بالصدق، وآخر في الشجاعة، وثالث في الكرم، وهكذا تبقى الأسوة في مجموع الصفات الحسنة، وقد ميز الله سيدنا إبراهيم- على نبينا وعليه السلام- فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين} [النحل: 120].
أي أنه جامع لخصال الخير التي لا توجد إلا في مجتمع واسع، {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ}
وأي أمة من أمم الأرض- إذن- هي التي تهدي بالحق؟ لقد سبحانه في قوم موسى! {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق...} [الأعراف: 159].
ثم جاءت أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا رسول بعده، لذلك تظل هذه الأمة المسلمة مأمونة على صيانة منهج الله إلى قيام الساعة.
فإذا رأيت إلحاداً انتشر فاعلم أن لله مدداً، وكلما زاد الناس في الإلحاد، زاد الله في المدد، وحتى إن صارت بلد مسلمة غارقة في الفسق فقد يكون فيها واحد يجمع كل هذه الصفات الكريمة الهادية إلى الحق لتبقى شريعة الله مصونة بالسلوكيين التابعين لمنهج الله.


إذن فالحق سبحانه وتعالى ترك للفساد أن يصنع الشر، ولسائل أن يسأل: ما لزوم هذا الشر في كون خلقه الله على هيئة محكمة؟ نقول! لولا أن الناس يضارون بالشر؛ لما تنبهوا إلى حلاوة الخير، ولو أن الإنسان لم يصب من أصحاب الباطل بسوء؛ ما تحمس للحق أحدٌ، ولا عرف الناسُ ضرورة أن يتأصل الحق في الوجود، فللشر- إذن- رسالته في الوجود. وهو أن يهيج إلى الخير، فكما ذرأ الله لجهنم كثيراً من الجن والإنس؛ أوضح سبحانه وتعالى في قوله: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} في الحكم، عدلاً في القمة؛ وهو ألا يشركوا بالله شيئاً، لأن أول مخالفة لقضية العدل هي مخالفة الشرك وهو ظلم عظيم، فالشرك والعياذ بالله ينقل الأمر من مستحقه إلى غير مستحقه، وكذلك تحريم ما أحل الله، أو حل ما حرم الله، وكل ذلك ظلم، وكذلك عدم حفظ التوازن في الحقوق بين الناس، فإن لم يحصن العدل بحفظ الحقوق بين الناس من حاكم وولي ومسلط؛ سنجد كل إنسان وهو يضن بجهده في الحياة يكتفي بأن يصنع على قدر حاجته بحيث لا يترك للظالم أن يأخذ منه شيئاً، فلا يتحرك في الحياة إلا حركة محدودة، ولا يعمل إلا بقدر ما يكفيه فقط، فإذا ما حدث ذلك؛ فلن يجد الضعاف الذين لا يقدرون على الحركة الإنتاجية أي فائض ليعيشوا به.



إذن أراد الله أن يضمن بالعدل عَرَق وتعب كل واحد. فأوضح له أن ما تكسبه من حل هو ملك لك. لَكِنْ لله حق فيه، وأنت لك الباقي، حتى يجد الضعيف الذي لا يقدر على حركة الحياة من يقيته، ولذلك يحذرك المنهج الإيماني بقوله: إياك أن تستكثر أن تدفع للضعيف، لأن قُوَّتَك التي استعملتها في تحصيل هذا المال إنما هي عرض لا يدوم لك، فإن أخذنا منك وأنت قويُّ قادر على الحركة، سنأخذ لك حينما تكون عاجزاً لا تقدر على الحركة، وذلك هو التأمين والعدالة.


وبالنسبة للأمة في تلك الآية {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ}
فقد جاء في الآثار أن المراد بالأمة في هذه الآية الأمة المحمدية، قال قتادة: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: (هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}).
ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بقوله: هذه لكم، أي في أمتكم ويؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر...} [آل عمران: 110].
وكلمة {للناس} هنا تفيد أن الله لم يجعل خيرية الأمة المحمدية وهي أمة الإجابة للمؤمنين فقط، بل جعل خيريتها للناس جميعاً؛ مؤمنهم وكافرهم. {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ}
وذكر {أمة} لأن خصال الخير لا يمكن أن تجتمع في إنسان واحد، بل كل واحد يأخذ لمسة من خير، هذا فيه ذكاء، وذاك فيه شجاعة، وذاك عنده مال، وذلك له خلق. فكأن الأمة المحمدية قد وجد في أفرادها ما يجمع المواهب الصالحة للخلافة في الأرض.
ويأتي الحق بعد ذلك بمقابلهم، لأن مجيء الشيء بمقابله أدعى إلى أن يتمكن من النفس فيقول سبحانه: {والذين كَذَّبُواْ...}.



تفسيرالشعراوى(سورة الأعراف)181-183(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) image.png.cd2c4b5e33


{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)}

وهؤلاء هم المقابلون للذين خلقهم الله أمة يهدون بالحق وبه يعدلون، والآيات جمع آية، وقلنا: إن الآيات التي في الكون ثلاث؛ آيات تنظرها تهتدي بها إلى من صنع ذلك الكون المترامي الأطراف بتلك الدقة العظيمة، وذلك الإحْكام المتقن، آيات تلفتك مثل الليل والنهار والشمس والقمر، وكذلك آيات تخرق ناموس الكون لتثبت صدق الرسول بالبلاغ عن الله، وآيات قرآنية تحمل منهج الله. والذين كذبوا بآيات الله الكونية ولم يعتبروا بها، ولم يستنبطوا منها وجود إله قوي قادر حكيم، وكذبوا الآيات المعجزات لصدق النبوة، وكذلك كذبوا آيات القرآن فلم يعملوا بها، ولم يتمسكوا بها؛ هؤلاء يلقون الحكم من الله فلن يدخلهم الحق النار فقط، بل لهم عذاب أقرب من ذلك في الدنيا، لأن المسألة لو أجلت كلها للآخرة لاستشرى بغي الظالم الذي لا يؤمن بالحياة الآخرة، لكن من يؤمن بالآخرة هو من سيحيا بأدب الإيمان في الكون، وتكون حركته جميلة متوافقة مع المنهج. عكس من يعربد في الكون؛ لذلك لابد أن يأتي العقاب لمن يعربد في الكون أثناء الحياة الدنيا، وسبحانه وتعالى القائل: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ...} [الطور: 47].
أي أن لهم عذاباً قبل الآخرة.
ويقول الحق بعد ذلك عن العذاب في الدنيا: {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}


وحين تقول: أنا استدرجت فلانا، فأنت تعني أنك أخذت تحتال عليه حتى يقر بما فعل، مثل وكيل النيابة حين يحقق مع المجرم، ويحاصره بالأسئلة من هنا، ومن هناك، إلى أن يقر ويعترف، وهذا هو الاستدراج. و(الاستدراج) من الدرج ونسميه في لغتنا اليومية (السلَّم) وهو وسيلة للانتقال من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل فمن المستحيل على الإنسان أن يقفز بخطوة واحدة إلى الدور الخامس مثلا في عمارة ما، ولذلك صمموا الصعود على درجات إلى مستويات متعددة على وفق الحركة العادية للنفس، وهناك من يجعل علو الدرجة مثلاً اثنى عشر سنتيمتراً بحيث يستطيع كل إنسان أن يرفع قدمه ويضعها على الدرج دون إرهاق النفس، وهذا يعني أننا نستدرج العلو لنصل إليه أو ننزل منه.
وقد خصوا في الآخرة الجنة بالدرجات العليا، والنار بالدرجات السفلى.
وهنا يقول الحق: {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182].
أي نأخذهم درجة درجة، ونعطي لهم نعمة ثم نرهقهم بما وصلوا إليه، كما قال سبحانه من قبل: {حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً...} [الأنعام: 44].
لأن الله حين يريد أن يعاقب واحداًَ على قدر جرمه في حق أخيه الإنسان في الدنيا يأخذه من أول جرم؛ لأن الأخذة في هذه الحالة ستكون لينة، لكنه يملي له ويعليه ثم يلقيه من عَلِ. {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً...} [الأنعام: 44].
وهكذا يكونُ الآخذ أخذ عزيز مقتدر.
وحينَ يستدرج البشرُ، فإن الطرف المستدرج له أيضاً ذكاء، ويعرف أن هذا نوع من الكيد وفخ منصوب له، لَكنْ حين يكون ربنا القوي العزيز هو الذي يستدرج فلن يعرف أحد كيف يفلت. والعلة في قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} هي قوله: {مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}؛ لأن البشر يعلمون طرق استدراج بعضهم لبعض.


تفسيرالشعراوى(سورة الأعراف)181-183(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) image.png.c720aae253

{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}

والإملاء هو الإمهال وهو التأخير، أي أنه لا يأخذهم مرة واحدة، فساعة يقوم الفاسد بالكثير من الشر في المجتمع، نجد أهل الخير وهم يزيدون من فعل الخيرات، ونسمع دائماً من يقول: لو لم يكن هناك إيمان لأكل الناسُ بعضهم بعضاً، فالإيمان يُعطي الأسوة واليقين. والإملاء للظالم الكافر ليس إهمالاً له من المولى تعالى، بلَ هو إمهال فقط، ثم يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وهنا يوضح الحق: إذا كنت سأستدرج وسأملي فاعلم أن كيدي متين. والكيد هو المكر، والمكر أخذهم من حيث لا يشعرون وهو عملية خفية تسوء الممكور به.


وهو تدبير خفي حتى لا يملك الممكور به ملكات الدفع. وإذا كان البشر يمكرون ويدبرون تدبيراً يخفى على بعضهم، فماذا حين يدبر الله للكافرين مكيدة أو مكراً؛ أيستطيع واحد أن يكشف من ذلك شيئاً؟. طبعاً لن يستطيع أحد ذلك. هذا هو معنى {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}؛ ومتين أي قوي، والمتانة مأخوذة من المتن وهو الظهر، ونعرف أن الظهر مُكوَّنٌ من عمود فقري وفقرات عظيمة، تحيط بها عضلات. فلو كان العمود الفقري من عظم فقط لكان أي حمل عليه يكسره. فشاءت تجلياتُ رَبنا عز وجل واقتضت رحمتُه وقدرتُه أن يحاط هذا العظام بعضلتين كبيرتين، وهما ما نسميه في عرف الجزارين (الفلتو) لحماية الظهر وتقويته ووقايته.


وإذا نظرنا إلى كلمة (متين)، نجد (المتن) هو الشيء العمودي في الأشياء، وفي العلم مثلاً ندرس الفقه وندرس النحو، ويقال: هذا هو المتن في الفقه، أي الكلام الموجز الذي يختزل العلم في كلمات محددة، والذكي هو من يستوعبه. وغالباً مع المتن الموجز شرحاً للمتن، ثم حاشية للمتن.



نداء الايمان









الكلمات الدلالية (Tags)
), كَيْدِي, لَهُمْ, مَتِينٌ, إِنَّ, الأعراف)181-183(وَأُمْلِي, تفسيرالشعراوى(سورة


الانتقال السريع


الساعة الآن 03:11 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل