القرآن الكريم

كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة, القرآن الكريم mp3,حفظ وتحميل واستماع. تفسير وحفظ القران

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=23182
1260 0
12-08-2022 07:17 PM
#1  

افتراضيتفسير الشيخ الشعراوى(سورة الأنعام)الأية 32(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ..)


{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}

هكذا تكون الحياة بالنسبة لمن يقف عند وصفها على أساس أنها (الحياة الدنيا) إنها لا تزيد على كونها لهواً ولعباً. واللعب- كما نعلم- هو مزاولة حدث ونقضه في آن واحد

والمثال على ذلك الطفل على شاطئ البحر قد يقيم بيتاً من الرمال ثم يهدمه، إنه لم يقم ببناء بيت من الرمال إلا ليهدمه. واللعب عملية يُقصد بها قتل وقت في عمل قد يُنقض، فالبناء والنقض في هذه الحالة لعب ولا يشغل اللعبُ الإنسان عن الواجب. أما اللهو فهو قتل الوقت في عمل قد ينقض ويشغل الإنسان عن الواجب أيضاً.
والطفل الصغير- على سبيل المثال- يتلقى من والديه بعض اللعب ليقضي وقته معها وقد يخربها ويهدمها وقد يعيد بناءها. ولعب الطفل هو لهو في الوقت نفسه؛ لأن الطفل غير مكلف بواجب. وما أن يدخل إلى المدرسة وتصير له بعض من المسئوليات نجد الأسرة تعلمه أن يفرق بين وقت أداء مسئولياته ووقت اللعب؛ لأنه إن لعب في وقت أداء المسئوليات صار لعبه لهواً؛ لأنه شَغَله عن أداء مسئولية مطلوبة منه.

وكذلك الحياة الدنيا مجردة من منهج الله الذي خلقها وخلق الإنسان فيها هي لهو ولعب، إما إن أخذ الإنسان الحياة بمواصفات من خلقها فهي حياة منتجة للخير في الدنيا وفي الآخرة. والذي خق الحياة الدنيا جعلها بالنسبة لنا مزرعة للأخرة. والمؤمن- إذن- له حياتان: حياة صلاح في الدنيا، وحياة نعيم في الآخرة؛ لأنه يعيش الحياة الدنيا على مراد من خلقه.

ومن العجيب أن من خلقنا لم يكلفنا إلا بعد أن يصل الإنسان منا إلى البلوغ، أي أن يكون الإنسان صالحاً لإنجاب إنسان مثله إن تزوج. ويأتي التكليف متناسباً مع النضج وعند تمام العقل. وسمح الحق لنا أن نلعب في سنوات ما قبل النضج، ولكن لابد أن يكون مثل هذا اللعب تحت إشراف من الكبار حتى يمكن للعب أن يتحول إلى دُرْبة تفيدنا في مجالات الحياة، ويجلعنا نعرف كيف وصلنا في العصر الحديث إلى درجة من التقدم في صناعة اللعب التي يتعلم منها الطفل، ويمكن أن يقوم بتفكيكها وإعادة تركيبها، وحتى الكبار نجدهم في زماننا يتعلمون قيادة السيارات في حجرات مغلقة وأمامهم شاشة تليفزيون، وكأنهم في طريق حقيقي وفي شارع مزدحم بالسيارات، ومن يتقن هذا التدريب العملي يخرج إلى قيادة السيارة.
وهكذا نجد أن التدريب مفيد للإنسان، يعلم الصغار اللعب الذي ينفعهم عندما يكبرون، وكذلك يفيد التدريب الكبار أيضاً.


وعندما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعلم أبناءنا ركوب الخيل والسباحة والرماية، كانت الخيل- في زمن الرسالة- هي إحدى الأسلحة المهمة ليركبها الداعون إلى الله المجاهدون في سبيله.
وحين طلب منا أن نعلم الأبناء السباحة فهذا بناء للجسم والقوة يفيد الشاب ويعلمه مواجهة الصعاب، وحين طلب منا أن نعلم الأبناء الرماية فذلك لأن تحديد الهدف مادياً أو معنوياً ومعرفة الوصول إليه أمر مطلوب من كل شاب. وكل هذه ألعاب ولكنها ليست لهواً، إنها ألعاب ممتعة ويمكن أن تستمر مع الإنسان بعد أن يكلف. قال عليه الصلاة والسلام:
(علموا أبناءكم السباحة والرماية).


فماذا عن ألعاب عصرنا وزماننا؟


إننا نجد أن لعبة كرة القدم قد أخذت اهتمام الرجال والنساء والكبار والصغار، وهي لعبة لا تعلم أحداً شيئاً، لأنها لعبة لذات اللعب، وهي لعبة تعتدي على وقت معظم الناس، وأخذت تلك اللعبة كل قوانين الأمور الجادّة. فهي تبدأ في زمان محدد، ويذهب المشاهدون إليها قبل الموعد بساعتين، وتجند لها الدولة من قوات الأمن أعداداً كافية للمحافظة على النظام مع أنها من اللهو ولا فائدة منها للمشاهد. وقد تمنع وتحول وتُعَطِّل البعض عن عمله والبعض الآخر عن صلاته. يحدث كل ذلك بينما نجد أن بعضاً من ميادين الجد بلا قانون.
وأقول ذلك حتى يُفيق الناس ويعرفوا أن هذه اللعبة لن تفيدهم في شيء ما. وأقول هذا الرأي وأطلب من كل رب أسرة أن يُحكم السيطرة على أهله، وينصحهم بهدوء ووعي حتى ينتبه كل فرد في الأسرة إلى مسئولياته ولنعرف أنها لون من اللهو، ونأخذ الكثير من وقت العمل وواجبات ومسئوليات الحياة، حتى لا نشكو ونتعب من قلة الإنتاج.

إن على الدولة أن تلتفت إلى مثل هذه المسائل، ولنأخذ كل أمر بقدره، فلا يصح أن ننقل الجد إلى قوانين اللعب، ولكن ليكن للجد قانونه، وللعب وقته وألا ننقل اللعب إلى دائرة اللهو؛ لأن معنى اللهو هو أن ننصرف إلى عمل لا هدف له ولا فائدة منه. وإن نظرنا إلى الحياة مجردة من منهج الله فهي لعب ولهو.


ونلتفت هنا إلى دقة الحق حين جاء باللعب أولاً ثم اللهو من بعد ذلك، ثم يقول: {وَلَلدَّارُ الآخرة} وفي هذا لفت واضح إلى أن الإنسان حين ينعزل عن منهج الحق في الحياة تفاجئه الأحداث بالانتقال المفاجيء إلى جد واضح؛ لذلك فلنأخذ الحياة في ضوء منهج الله؛ لأنه سبحانه حين أبلغنا أنه خلق الإنسان من طين، وصوره ونفخ فيه من روحه فقد أعطاه الحق بذلك حياة أولى، يشترك فيها المؤمن والكافر، والطائع والعاصي وكل إنسان إلى الغاية منها وهي الحياة الثانية وهي الدار الآخرة فإنها الحياة الكاملة الباقية، ونسمع قول الحق سبحانه وتعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].

إن الحق سبحانه وتعالى يقدم لنا حياة عالية دائمة تخلف الحياة التي تنتهي.
والذي يتوقف عن أخذ منهج الله في حياته يكتفي بمثل ما يَأخذ الحيوان من الحياة وهي النفخ في الروح، لكن الذي يأخذ بمنهج الله يأخذ الحياة العالية.. حياة الخير والجمال والإصْلاح والإحسان. ونعلم أن الجمال في الحياة هو الجمال الذي لا يورث قبحاً. والخير الحقيقي هو الذي يعمم خير الله على العباد، فلا يأخذ الإنسان الخير لنفسه ويترك شروره للآخرين؛ لذلك أقول: لا تأخذ أيها المسلم الخير لنفسك على حساب الشر للآخرين؛ لأنك لا تحب أن يحقق الآخرون الخير على حسابك، والذي يحب أن ينطلق بشروره في الناس فليستقبل الشر من غيره. ومن يحب أن يأخذ الخير من الناس فليعطهم من خيره حتى يبقى الوجود جميلاً. إذن فالحياة بدون منهج الله تكون قبيحة؛ لأن القوي يعيث فيها فساداً بقوته وينزوي الضعيف إلى الإحساس بالذلة والضياع.

لكن الحق سبحانه أراد الحياة للمؤمنين في ضوء منهجه، وعندما يطبقون تكاليفه ب (افعل) و(لا تفعل) فهم يصونون الحياة من الفساد حسب أوامر الخالق الأعلى للحياة، فهو سبحانه الذي أوجدنا ووضع لنا قوانين صيانة الحياة. وحين منع مؤمنا واحداً من الشر، فهو قد منع وحرم على كل إنسان مؤمن من أن يصنع شراً لأخيه، وبذلك حمى الإنسان من الشر. وإنما خص الله المؤمنين بالنداء والدعاء؛ لأنهم أهل الاستجابة والطاعة؛ أما ما عداهم من أهل الكفر والشرك فقد تأبوا على الله وعصوه ولم يؤمنوا به. وحين يأمر الله المؤمن بالخير، فهو يأمر المؤمنين جميعاً بأن يصنعوا الخير لهم ولغيرهم. وبذلك يكسبون حياة مطمئنة؛ لذلك يقول سبحانه: {استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}.
فالذين لا يستجيبون لله ولا لرسوله حين يدعوهم لما يحييهم يظلون في الحياة الدنيا غارقين في اللهو واللعب، إنهم كالموتى. وحتى نعرف أن الحق سبحانه أراد لنا- نحن المؤمنين- الحياة العالية؛ إنه سبحانه قد سمى المنهج الذي يرسم لنا الأوامر والنواهي بالروح: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}. وسمى الحق سبحانه وتعالى بهذا المَلكَ الذي نزل بالوحي: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} [الشعراء: 193].

إذن فالحياة التي تعطي الإنسان الحس والحركة هي الحياة الأولى التي يلعب ويلهو من خلالها، وليست هي الحياة المرادة لله؛ لأن الحياة المرادة لله هي الحياة الإيمانية ولذلك سماها الحق سبحانه الحيوان أي الحياة الكاملة وسمى المنهج روحاً. {وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32].

إن مجرد التعقل يعطي الإنسان الخير، والتعقل هو محاولة فهم نواميس الكون من الأسباب والمسببات، ونحن نرى نور الشمس يعمّ النهار ويشيع الضوء والدفء، وغياب الشمس وظهور القمر يحقق صفاء السكون ويهدي الناس في ظلمات البر والبحر، وجَريان الماء يروي الإنسان والزرع، وحركة الرياح تحرك السحب وتقود السفن وتساعد في حركة الملاحة في الجو والبحر وتلقح النبات، وكل ذلك أسباب أرادها الله حتى يتحقق التوازن في الكون.

والإنسان يأخذ حظه من الحياة بالأسباب التي عمل فيها ولا يأخذ الإنسان من أسباب غيره.
صحيح أن هناك أناساً يعيشون بلا أسباب ويأخذون تعب غيرهم، ولكن عليهم أن يحذروا الله، فإياك أيها المسلم أن تبني لحمك ولحم أولادك من استغلالك لغيرك؛ ذلك أن أغيار الحياة ستمر عليك وقد تصير قوتك إلى ضعف، وتأمين الإنسان لضعفه إنما يكون بإخراج الزكاة للضعيف، ومساعدته ومعاونته في كل ما يحتاج إليه، ونجد غير المؤمنين وقد أخذوا فكرة التأمين من الزكاة، فأنت تدفع للفقير زكاتك لتؤمن نفسك كمؤمن، وهم أخذوا هذه الفكرة ليحولوها إلى تأمين على الحياة، ولذلك تدخلوا في قدر الله.
لكن الحق أراد بالزكاة أن يطمئن المجتمع كله لا أن يطمئن من يؤمن على نفسه فقط. ونعلم أن الذي يخيف الإنسان ويجعله يكدس المال ويجمعه ويكنزه هو الخوف من الضعف، لكن لو أعطى الغني بعضاً من المال للفقير لأشاع الاطمئنان في نفسه ونفوس الضعفاء.

والذي يجعل الناس تلهث في الحياة للادخار لأبنائها هو عدم اقتناعهم بالتكافل الاجتماعي الذي شرعه الإسلام. وهم يرون اليتيم وهو يضيع في المجتمع، لكن لو آمن الناس في المجتمع بالتكافل الاجتماعي لوجد كل يتيم أبوة المجتمع كله له.
والإنسان الذي يلهث وراء الكسب من أجل أن يؤمن مستقبل أولاده قد يحول أولاده إلى يتامى لأنه مشغول عن تربيتهم، ولذلك يقول أمير الشعراء شوقي رحمة الله عليه:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من ** هم الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي تلقى له ** أمَّاً تخلت أو أباً مشغولا

إن على المجتمع أن يأخذ قضية الخير من قول الحق سبحانه: {استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}. فكما أحيا الحق الأجسام بالروح التي نفخها في القالب الطيني فصار لها حس وحركة، فهو قد أنزل المنهج أيضاً روحاً من عنده لترتقي به روح الحس والحركة، حتى لا يصير الإنسان كالأنعام أو أضل سبيلاً:
{وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32].
والدار الآخرة خير؛ لأن الدنيا مهما طالت فهي منتهية، لكن الحياة الآخرة خلود أبداً، ونعيمنا في الدنيا نأخذه بالأسباب، ولكن نعيم الآخرة نأخذه على قدر سعة ورحابة قدرة الله. وآفة الدنيا حتى بالنسبة لأهل النعيم والقوة والثراء هي الخوف من الفقر أو الموت، لكن في الآخرة لا يفوت أهل الجنة النعيم ولا يفوتون النعيم.

نداء الايمان

تفسير الشيخ الشعراوى(سورة الأنعام)الأية 32(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ..) 9k=








الكلمات الدلالية (Tags)
32(وَمَا, لَعِبٌ, وَلَهْوٌ..), إِلَّا, الْحَيَاةُ, الأنعام)الأية, الدُّنْيَا, الشيخ, الشعراوى(سورة, تفسير

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير الشعراوى سورة الأنعام الأية 3(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 1 06-22-2023 12:30 PM
تفسير الشيخ الشعراوى(سورة االمائدة)الآية 40{ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 1 10-11-2022 01:36 AM
تفسيرالشيخ الشعراوى( سورة النساء) الآية 127{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 08-08-2022 02:40 PM
{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ ) امانى يسرى محمد القرآن الكريم 0 06-07-2022 05:06 AM
تفسير الشيخ الشعراوى( سورة النساء) الآية 14 وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ امانى يسرى محمد القرآن الكريم 1 05-19-2022 11:35 AM


الساعة الآن 01:16 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل