منتدى العالم الاسلامي

كل ما يتعلق بديننا الحنيف على مذهب أهل السنة فقط مواضيع في الدين - Islamic Forum

نسخ رابط الموضوع
https://vb.kntosa.com/showthread.php?t=23807
1266 0
انواع عرض الموضوع
02-15-2023 07:47 AM
#1  

افتراضيمواعظ ورقائق من صيد الخاطر للإمام ابن الجوزي


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:



فمن الفنون التي برز فيها الإمام ابن الجوزي رحمه الله فنُّ الوعظ، وكان لوعظه تأثير كبير على سامعيه، وكتابه المشهور الموسوم بـ"صيد الخاطر" فيه الكثير من المواعظ والرقائق، وقد يسر الله الكريم فاخترت منه بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.








الاستعداد للموت:



يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًّا.



ولا يغتر بالشباب والصحة، ومن الاغترار طول الأمل، وما من آفة أعظم منه.







تمثَّلْ ساعة الموت، وانظر إلى مرارة الحسرات على التفريط... فما أبْلَهَ من لا يعلم متى يأتيه الموت، وهو لا يستعد للقائه!



وأشد الناس بلهًا وتغفيلًا من عَبَرَ الستين وقارب السبعين، فإن ما بينهما هو معترك المنايا، ومن نازل المعترك استعد، وهو مع ذاك غافل عن الاستعداد.







هل بقي لابن ستين منزل؟



فإن طمع في السبعين فإنما يرتقي إليها بعناء شديد، إن قام دفع الأرض، وإن مشى لهث، وإن قعد تنفس.



فإن طمع في الثمانين فهو يزحف إليها زحف الصغير.







فالعاقل من... يجعل جُلَّ همته التزود للآخرة، ويأخذ في الاستعداد للرحيل... وكلما علت سنُّهُ فينبغي أن يزيد في اجتهاده... خصوصًا إذا قويَ عليه الضعف، نسأل الله يقظة تامة تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال.







إفاقة المحتضر عند موته:



من أظرف الأشياء إفاقة المحتضر عند موته، فإنه ينتبه انتباهًا لا يُوصف، ويقلق قلقًا لا يحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته، ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف.



فالعاقل من مثل تلك الساعة، وعمل بمقتضى ذلك.







المؤمن كل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة:



همة المؤمن متعلقة بالآخرة؛ فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة.



إذا رأى ظلمة، ذكر ظلمة القبر.



وإن رأى مؤلمًا، ذكر العقاب.



وإن سمع صوتًا فظيعًا، ذكر نفخة الصور.



وإن رأى الناس نيامًا، ذكر الموتى في القبور.



وإن رأى لذة ذكر الجنة... وأعظم ما عنده أنه يتخايل دوام البقاء في الجنة، وأن بقاءه لا ينقطع ولا يزول، ولا يعتريه منغص، فيكاد إذا تخايل نفسه متقلبًا في تلك اللذات الدائمة التي لا تفنى، يطيش فرحًا، ويسهل عليه ما في الطريق إليها من ألم ومرض وابتلاء وفقد محبوب، وهجوم الموت، ومعالجة غصصه...







أعظم العقوبة ألَّا يُحِسَّ المعاقب بالعقوبة:



أعظم المعاقبة ألَّا يحس المعاقب بالعقوبة، وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة، كالفرح بالمال الحرام، والتمكن من الذنوب، ومن هذه حاله لا يفوز بطاعة.



وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله، فظن أن لا عقوبة، وغفلته عما عُوقِب به عقوبة.



وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية.







الحذر من عقوبة المعاصي والذنوب:



ينبغي لكل ذي لبٍّ وفطنة أن يحذر عواقب المعاصي، فإنه ليس بين الآدمي وبين الله تعالى قرابة ولا رحم، وإنما قائم بالقسط، حاكم بالعدل.



وإن كان حلمه يسع الذنوب، إلا أنه إذا شاء عفا، فعفا كل كثيف من الذنوب، وإذا شاء أخذ، وأخذ باليسير، فالحذر الحذر.



فالله الله في مراقبة الحق عز وجل... فإن عليكم من الله عينًا ناظرة، وإياكم والاغترار بحلمه وكرمه فكم استدرج! وكونوا على مراقبة الخطايا مجتهدين في محوها، وما شيء ينفع كالتضرع مع الحمية من الخطايا.



فالله الله، اسمعوا ممن قد جرب، كونوا على مراقبة، وانظروا في العواقب.







عقوبة الذنوب قد تكون معنوية:



وربما كان العقاب معنويًّا؛ كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني! فقيل له: كم أعاقبك ولا تدري! أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟



قال وهب بن الود وقد سُئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ.



فرُبَّ شخص أطلق بصره فحُرم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه... فحُرم قيام الليل وحلاوة المناجاة إلى غير ذلك.







الذنوب تكدر الحال، وتجلب الآفات والغموم:



من تأمل عواقب المعاصي وجدها قبيحة... فأفٍّ للذنوب ما أقبح آثارها! وما أسوأ أخبارها! فمتى رأيت تكديرًا في حال، فاذكر نعمةَ ما شكرت أو زلة قد فعلت.



وأنا أقول عن نفسي: ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق صدر إلا بزللٍ أعرفه حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشيء الفلاني، وربما تأولت فيه بعدُ، فأرى العقوبة، فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنوب فقل أن يسلم منه.







العقوبة قد تتأخر فلا تغتر:



الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي؛ فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبة ثم فجأت، فمن الاغترار أن تسيء فترى إحسانًا، فتظن أنك قد سُومحت، وتنسى: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء: 123].



واعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب؛ فإن العقوبة قد تتأخر.



قال ابن سيرين: عيرت رجلًا، فقلت: يا مفلس، فأفلست بعد أربعين سنة.



وقد تتأخر العقوبة وتأتي في أخر العمر، فيُهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب، ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه، فمتى رأيت معاقبًا فاعلم أنه لذنوب؛ فبادِر بإطفاء ما أوقدت من نيران الذنوب، ولا ماء يطفئ تلك النار إلا ما كان من عين العين.







الذنوب ولو أُخفيت قد توقع صاحبها في آفة تفضحه بين الخلق:



نظرت في الأدلة... فرأيت من أعجبها أن الإنسان قد يُخفي ما لا يرضاه الله عز وجل؛ فيُظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس.



وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هناك من يجازي على الزلل، ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار، ولا يُضاع لديه عمل.







ذنوب الخلوات تجعل القلوب تبغض فاعلها وتمقته:



من هاب الخلق، ولم يحترم خلوته بالحق، فإنه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب، يفوح منه ريح الكراهية فتمقته القلوب.




فإن قلَّ ما جنى، قل ذكر الألسن له بالخير، وبقِيَ مجرد تعظيمه.



وإن كثر، كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه.







للذنوب تأثيرات قبيحة:



أجهل الجهَّال من آثر عاجلًا على آجل لا يأمن سوء مغبته.



فكم قد سمعنا عن... من أطلق نفسه في شهواتها، ولم ينظر في حلال وحرام، فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذَّ، ولقِيَ من مرير الحسرات ما لا يقاومه ولا ذرة من كل لذة، ولو كان هذا فحسب لكفى حزنًا، كيف والجزاء الدائم بين يديه؟



فلا خير في لذة من بعدها النار، وهل عُدَّ في العقلاء قط من قيل له: اجلس في المملكة سنة ثم نقتلك، هيهات بل الأمر بالعكس، وهو أن العاقل من صابر مرارة الجهد سنة بل سنتين ليستريح في عاقبته، فاعلموا – إخواني - ومن يقبل نصيحتي أن للذنوب تأثيرات قبيحة، مرارتها تزيد على حلاوتها أضعافًا مضاعفة.







من اتقى الله في الخلوة ظهر أثر ذلك في الجلوة:



إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة، كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي؛ حذرًا من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالًا له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودًا هنديًّا على مجمر فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو! وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته... فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص وألسنتهم تمدحه، ولا يعرفون لِمَ... وقد تمتد هذه الأرابيح بعد الموت على قدرها؛ فمنهم من يُذكَر بالخير مدة مديدة ثم يُنسى، ومنهم من يُذكر مائة سنة ثم يُخفى ذكره... ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبدًا.



والإنسان قد يُخفي الطاعة فتظهر عليه، ويتحدث الناس بها، وبأكثر منها، حتى إنهم لا يعرفون له ذنبًا، ولا يذكرونه إلا بالمحاسن ليعلم أن هناك ربًّا لا يضيع عمل عامل.



وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه أو تأباه، وتذمه أو تمدحه، وفق ما يتحقق بينه وبين الله تعالى؛ فإنه يكفيه كل همٍّ، ويدفع عنه كل شر.







الخوف والخجل من الذنوب بعد التوبة منها:



ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه وإن تاب منها، وبكى عليها، وإني رأيت أكثر الناس قد سكنوا إلى قبول التوبة، وكأنهم قد قطعوا على ذلك، وهذا أمر غائب، ثم لو غُفرت بقِيَ الخجل منها، وهذا أمرٌ قلَّ أن ينظر فيه تائب؛ لأنه يرى أن العفو قد غفر الذنب بالتوبة الصادقة، وما ذكرته يوجب دوام الحذر والخجل.







عاجل حسن الجزاء للمتقي:



لو أن شخصًا ترك معصية الله لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك... فيجد من يتقى الله تعالى... حسن الجزاء على التقوى عاجلًا؛ كما في حديث أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: ((النظر إلى المرأة سهم مسموم من سهام إبليس، مَن تركه ابتغاء مرضاتي، آتيته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه)).







من فضائل التقوى:



اعلم أن الزمان لا يثبت على حال؛ كما قال عز وجل:﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140]؛ فتارة فقر، وتارة غِنًى، وتارة عز، وتارة ذل، وتارة يفرح الموالي، وتارة يشمت الأعادي، فالسيد من لازم أصلًا واحدًا كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى زانته، وإن افتقر فُتحت له أبواب الصبر، وإن عُوفي تمت النعمة له، وإن ابتُلي جمَّلته، ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد، أو أعراه، أو أشبعه، أو أجاعه؛ لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير، والتقوى أصل السلامة حارس لا ينام، يأخذ باليد عند العثرة... فلازم التقوى في كل حال؛ فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة، وفي المرض إلا العافية، هذا نقدها العاجل، والآجل معلوم.




بالله عليك تذوق حلاوة الكف عن المنهيِّ؛ فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة.







التقوى ودوام السلامة والعافية:



من أراد دوام العافية والسلامة، فليتقِ الله عز وجل.



فالملازم لطريق التقوى لا آفة تطرقه، ولا بلية تنزل به، هذا هو الأغلب، فإن وجد من تطرقه البلايا مع التقوى، فذاك في الأغلب لتقدم ذنب يُجازَى عليه.







التقوى طريق للخلاص من الغموم والهموم:



ضاق بي أمر أوجب غمًّا لازمًا دائمًا، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقًا للخلاص؛ فعرضت لي هذه الآية: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]؛ فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غمٍّ، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج.







جزاء من حلف اليمين الغموس وهو كاذب:



حضر عندي رجل... فاشتريت منه دكانًا، وعقدت معه العقد، فلما افترقنا غدر بعد أيام، فطلبت منه الحضور عند الحاكم فأبى، فأحضرته فحلف باليمين الغموس أنه ما بعته، فقلت: ما تدور عليه السنة... ودارت السنة فمات الشيخ على قلٍّ.







الإيمان القوي يظهر أثره عند الابتلاء:



المؤمن... كلما اشتد البلاء عليه زاد إيمانه وقوِيَ تسليمه، وقد يدعو فلا يرى للإجابة أثرًا، وسيره لا يتغير، لأنه يعلم أنه مملوك، وله مالك يتصرف بمقتضى إرادته.



فإن اختلج في قلبه اعتراض، خرج من مقام العبودية إلى مقام المناظرة، كما جرى لإبليس.



والإيمان القوي يبين أثره عند قوة الابتلاء... فهناك يبين معنى قوله: ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة: 119].



قال الحسن البصري: استوى الناس في العافية، فإذا نزل البلاء تباينوا.







مما يهون البلاء:



من نزلت به بلية فأراد تمحيقها، فليتصورها أكثر مما هي، تهُنْ.



وليتوهم نزول أعظم منها، يَرَ الربح في الاقتصار عليها.



وليتخيل ثوابها... العوض في الدنيا... وتلمح الأجر في الآخرة.



وليتلمح سرعة زوالها؛ فإنه لولا كرب الشدة ما رُجيت ساعات الراحة.







الصبر على البلاء:



للبلايا نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل.



فلا بد للمُبتلَى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء.



فإن تقلقلت قبل الوقت لم ينفع التقلقل... فلا بد من الصبر.



فاستعجال زوال البلاء مع تقدير مدته لا ينفع.



والجزع لا يفيد، بل يفضح صاحبه.







النظر في العواقب:



تدبرت أحوال الأخيار والأشرار، فرأيت سبب صلاح الأخيار النظر، وسبب فساد الأشرار إهمال النظر.



وذلك أن العاقل... إذا رأى مشتهى تأمل عاقبته فعلم أن اللذة تفنى، والعار والإثم يبقيان، فيسهل عليه الترك.



وإذا اشتهى الانتقام ممن يؤذيه ذكر ثواب الصبر، وندم الغضبان على أفعاله في حالة الغضب.



ثم لا يزال يتأمل سرعة ممر العمر فيغتنمه بتحصيل أفضل الفضائل فينال مناه.



وأما الغافل فإنه لا يرى إلا الشيء الحاضر.



نسأل الله عز وجل يقظة ترينا العواقب، وتكشف لنا الفضائل والمعائب.







ألجأ إلى الله:



نازعتني نفسي إلى أمر مكروه في الشرع، وجعلت تنصب لي التأويلات وتدفع الكراهة، وكانت تأويلاتها فاسدة، والحجة ظاهرة على الكراهة، فلجأت إلى الله في دفع ذلك عن قلبي، وأقبلت على قراءة القرآن، وكان درسي قد بلغ سورة يوسف فافتتحتها، وذلك الخاطر قد شغل قلبي حتى لا أدري ما أقرأ؛ فلما بلغت إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف: 23]، انتبهت لها وكأني خُوطبت بها، فأفقت من تلك السكرة، فقلت: يا نفس، أفَهِمْتِ؟







مما يخفف الحزن على من يموت من الأهل والولد:



ما زلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من الأهل والأولاد، ولا أتخايل إلا بِلَى الأبدان في القبور، فأحزن لذلك، فمرت بي أحاديث كانت تمر بي ولا أتفكر فيها؛ منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما نفس المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة، حتى يرده الله عز وجل إلى جسده يوم يبعثه)).



فرأيت أن الرحيل إلى الراحة، وأن هذا البدن ليس بشيء، لأنه مركب تفكَّك وفسد، وسيُبنى جديدًا يوم البعث فلا ينبغي أن يفكر في بلاه، ولتسكن النفس إلى أن الأرواح انتقلت إلى راحة فلا يبقى كبير حزن، وأن اللقاء للأحباب عن قرب.







العاقل من استيقظ من غفلته وتأهب لسفره:



من تفكر في عواقب الدنيا، أخذ الحذر.



ومن أيقن بطول السفر، تأهب للسفر.



فالواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله، فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه، فمن أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه، فإن بغته الموت رُؤي مستعدًّا، وإن نال الأمل ازداد خيرًا.







دروس من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام:



من أراد أن يعلم حقيقة الرضا عن الله عز وجل في أفعاله، وأن يدري من أين ينشأ الرضا، فليفكر في أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم.



فإنه لما تكاملت معرفته بالخالق سبحانه، رأى أن الخالق مالك، وللمالك التصرف في مملوكه، ورآه حكيمًا لا يصنع شيئًا عبثًا، فسلَّم تسليم مملوك لحكيم، فكانت العجائب تجري عليه، ولا يوجد منه تغير، ولا من الطبع تأفف.







ولا يقول بلسان الحال: لو كان كذا، بل يثبت للأقدار ثبوت الجبل لعواصف الرياح.







قال عمر رضي الله عنه يوم صلح الحديبية: ألسنا على الحق؟ فلِمَ نعطى الدنية في ديننا؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إني عبدُالله، ولن يضيعني))، فجمعت الكلمتين الأصلين اللذين ذكرناهما.







فقوله: ((إني عبدالله))، إقرار بالملك، وكأنه قال: أنا مملوك يفعل بي ما يشاء.







وقوله: ((لن يضيعني))، بيان حكمته، وأنه لا يفعل شيئًا عبثًا.







ثم يُبتلى بالجوع فيشد الحجر، ولله خزائن السماوات والأرض.







وتُقتل أصحابه، ويُشج وجهه، وتُكسر رُباعيته، ويُمثَّل بعمِّه وهو ساكت.







ثم يُرزق ابنًا ويُسلب منه فيتعلل بالحسن والحسين فيُخبر يما سيجري عليهما.







ويسكن إلى عائشة رضي الله عنها، فينغص عيشه بقذفها.








ويُقيم ناموس الأمانة والصدق، فيقال: كذَّاب ساحر.







ثم يعلقه المرض كما يوعك رجلان، وهو ساكن ساكت.







يشدد عليه الموت فيسلب روحه الشريفة وهو مضطجع في كساء ملبد، وإزار غليظ.


فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ



شبكة الالوكة








الكلمات الدلالية (Tags)
للإمام, من, مواعظ, ورقائق, الجوزي, الخاطر, ابن, صيد


الانتقال السريع


الساعة الآن 09:12 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11 Beta 4
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

خيارات الاستايل

  • عام
  • اللون الأول
  • اللون الثاني
  • الخط الصغير
  • اخر مشاركة
  • لون الروابط
إرجاع خيارات الاستايل